مرت في الأيام القريبة الماضية الذكرى السابعة على احتلال عصابات تنظيم الدولة الإسلامية لمدينة الموصل، وغدا ستحل نفس الذكرى على احتلال مدينة سنجار حيث أرتكبت هذه العصابات المجرمة هناك ما يندى له جبين الإنسانية، وما يهمني في هذه الذكرى الأليمة هو تذكير القضاء العراقي بأن ما حصل في 10.06.2014 وما بعد هذا التاريخ وصولا إلى تاريخ تحرير آخر مدينة عراقية، كان بفعل توفير قوى متنفذة ضمن السلطات العراقية لشروط وأسباب ساهمت بشكل حاسم على تمكين داعش للقيام بهذا القدر من الجرائم، وبهذه المناسبة أود أن أضع بين أيدي القارئ ما أستطعت بشكل عاجل إعداده من تلك الجرائم بالأرقام معتمدا على المعلومات المنشورة والتي تحتفظ بها ذاكرة الصحافة الإلكترونية أو غير ذلك.
أولا- الحصيلة العامة
- سقوط أكثر من 20 مدينة في غضون أقل من أسبوع، في شمال مدينة الموصل والمدن الغربية للعراق في أيدي مسلحي الدولة الاسلامية، أبرزها البعاج وتلعفر وسنجار والقيارة والحظر وربيعة والجزيرة، ثم تكريت وبلد والدور والإسحاقي، وصولاً إلى الرمادي وهيت والرطبة والقائم والكرمة وراوة وعانة وألوس وبلدات أخرى، والتي شكّلت مساحة تزيد عن 45 في المائة من إجمالي الخريطة العراقية.
- طال الدمار البنى التحتية والأملاك العامة في هذه المدن، حيث بلغت قيمته وفقاً لوزارة التخطيط العراقية أكثر من 88 مليارات دولار، كان نصيب الموصل منها هو الأكبر، بعد تدمير أكثر من 56 ألف منزل. مع وجود الكثير من المعلومات بأن جثث أصحاب نحو ألف منزل مدفونون تحت أنقاضها، إضافة إلى تسجيل أسماء 11 ألف مفقود. ولا زال الموصليون وغيرهم يحصون خسائرهم البشرية والمادية والنفسية وغير ذلك التي خلفها احتلال الدولة الاسلامية لمدنهم.
- ارتفعت فاتورة الدم في البلاد لمستويات قياسية بعد تسجيل أكثر من ربع مليون قتيل وجريح واختطاف وتغييب عشرات آلاف الأشخاص بين عامي 2014 و2017.
- أكثر من مليوني شخص عاشوا تحت رحمة مسلحي الدولة الاسلامية، الذين استولوا على معسكرات وقواعد، مع كل ما تتضمنه من سلاح ومعدات.
ثانيا - مجزرة سبايكر
- يقول المرصد العراقي لحقوق الآنسان إن الأرقام المعلنة عن وجود 1700 ضحية من جنود سبايكر ليست صحيحة، فالرقم تجاوز 2050 ضحية بحسب السجلات الحكومية، ولم يتم التعرف على 350 جثة منهم أما البقية فلا أحد يعرف مصيرهم حتى الآن. ويلفت المصدر الحقوقي على أن مئات العائلات تنتظر معرفة مصير أبناءها الذين غيبوا أو قتلو على يد تنظيم داعش بعد يومين من سيطرته على مدينة الموصل في العاشر من حزيران / يونيو 2014.
ثالثا - غزوة مدينة سنجار في 3.8.2014
- قتل عدد كبير من الإيزيديين يصل لحوالي 3000 شخص.
- اختطاف 5000 أيزيدي.
- تعرض أكثر من 1500 إمرأة للإغتصاب الجماعي، ولازال العالم يسمع مذهولا قصص فضائع عمليات الاغتصاب تلك.
- بيع أكثر من 1000 إمرأة في أسواق النخاسة كسبايا.
- تشريد أكثر من 400 ألف أيزيدي إلى دهوك وأربيل وزاخو، عانوا حياة مزرية في مخيمات تفتقد إلى أبسط وسائل العيش الذي يليق بالإنسان وكرامته، ولازال غالبيتهم يعيشون في هذه المخيمات بسبب عدم جدية السلطات على توفير مستلزمات عودة آمنة.
- هروب عدد كبير منهم إلى جبل سنجار وجرى محاصرتهم هناك لفترة غير قصيرة، مات العديد منهم بسبب الجوع والعطش والمرض أو أثناء التصدي لهجمات عصابات الدولة الإسلامية ومعارك الدفاع عن مواقعهم.
- إجبار المئات منهم حسب الفيديوهات المنشورة من قبل عصابات على دخول الإسلام.
- هجرة عشرات الألاف منهم إلى دول المهجر.
- تفشي آلاف الأمراض النفسية والاجتماعية بين الضحايا وذويهم علاوة على تفشي الكثير من المشاكل الاجتماعية المعقدة التي تتطلب وقتا طويلا وجهدا مضنيا لمعالجتها.
رابعا- جرائم أخرى
- قتل الأطفال
في 2015 أعدم داعش 13 فتى في مدينة الموصل لمجرد أنهم شاهدوا مباراة لكرة القدم بالتلفزيون، وذلك بدعوى أن مشاهدة مثل هذه المبارايات "محرمة شرعا". وجرى إعدام الفتيان رميا برصاص الرشاشات، فلم يستطع ذووهم حتى سحب جثامينهم خوفا على حياة عائلاتهم.
- تعليم وتدريب الأطفال على القتل.
دأب داعش على تجنيد أو اختطاف الأولاد الصغار وإرسالهم فيما بعد إلى مراكز تدريبية خاصة، حيث كان يتم تدريبهم على استعمال السلاح. وبعد بلوغهم التاسعة من عمرهم كان يجري إرسالهم إلى خط الجبهة، وذلك إضافة إلى اعتماد التنظيم عليهم كـ"دروع بشرية" أو جواسيس أو "متبرعين" بدمائهم من أجل المسلحين الجرحى.
-خطف النساء والاتجار بهن
اختطف تنظيم داعش مجموعة كبيرة من النساء والفتيات من مختلف المشارب وخصوصا الأيزيديات لبيعهن فيما بعد إلى التجار العاملين في سوق "الخدمات" الجنسية في الشرق الأوسط، وذلك بأسعار تراوحت بين 500 دولار و43 ألف دولار أمريكي للمرأة أو الفتاة الواحدة.
- حرق الناس أحياء
في العديد من الفيديوهات يظهر إن مسلحي داعش يقومون باحراق ضحاياهم وهم أحياء مثلما حصل في عملية إحراق 45 شخصا في محافظة الأنبار. وإمرأة مسيحية من الموصل تبلغ 80 عاما من عمرها أحرقت بزعم أنها خالفت أحكام الشريعة الإسلامية.
-الاتجار بالأعضاء البشرية
مارس مسلحو التنظيم الاتجار بالأعضاء البشرية في السوق السوداء العالمية، وكانت تؤخذ الأعضاء سواء من المسلحين القتلى أو من أجساد الأسرى والمخطوفين الأحياء، بمن فيهم الأطفال.
- تدمير المدن العريقة وآثار الحضارة العالمية.
دمر تنظيم داعش حوالي 30 موقعا أثريا تعود جميعها للتراث الحضاري العالمي. وتاجر بكل ما يمكن بيعه من الآثار في السوق السوداء ودمر ما كان لا يمكن بيعه. ومما جرى تدميره بقايا المباني والتماثيل العريقة في مدينة نمرود الآشورية، وآثار مدينة الحضر التاريخية في محافظة نينوى العراقية وأثار مدينة دور شرزكين شمالي الموصل، عاصمة المملكة الآشورية في عصر سرجون الثاني.
- استخدام السلاح الكيميائي.
استخدم داعش في المعارك مع القوات العراقية وكذلك ضد المدنيين غاز الكلور. وكذلك استخدم التنظيم غاز الخردل ضد الأكراد العراقيين.
ورغم كل هذه الجرائم فإن الذين تسببوا في احتلال مدينة الموصل من قبل 300 مسلح داعشي أو سهلوا على ذلك لازالوا مجهولين قانونيا والقضاء العراقي ما زال يماطل في فتح ملف التحقيق بسقوط المدينة ثم سقوط بقية المدن، هذا الملف الذي تسلّمه من البرلمان العراقي في نهاية شهر أغسطس/آب 2015 والذي يحمل إدانة لـ 35 شخصية حكومية وأمنية، على رأسها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي أُدين من قبل لجنة تحقيق برلمانية، بالمسؤولية عن سقوط الموصل.
هل كل هذه الدماء وكل هذا الدمار و كل هذه المعاناة والفواجع لا تستحق تقديم شرذمة من اللصوص كانت سببا في كل ما حصل إلى المحاكم...؟
هل دماء أبناء شعبنا التي سالت بلاحدود رخيصة بهذا القدر ...؟
هل شرف نساء بلادنا الذي انتهك بشكل فظيع رخيص وغير محمي بهذا القدر ...؟
هل كرامة الإنسان العراقي المنتهكة لا يدافع عنها ورخيصة بهذا القدر ...؟
هل قصص فواجع آلاف العوائل بابناءها وبناتها وأموالها لا تهم القضاء العراقي أو السلطات العراقية ...؟
هل سيجري إسكات ونسيان أنين وصرخات آلاف النساء المغتصبات...؟
هل هذا الدمار الذي ألحقته عصابات داعش في مدن بلادنا، بعد تركها من قبل القوات التي كان من المفترض أن تدافع عنها سيمر مرور الكرام وستختفي هذه الأموال المهولة التي خسرتها خزينة الدولة دون سؤال ...؟