لم يعش شعبنا الفلسطيني حالة سياسية كما هو الآن، بعد التبعات الأسوأ للاحتراب الفصائلي بين حركتي "فتح" و"حماس"، واستمرارية الانقسام وتجلياته السياسية والأمنية والاقتصادية وآثاره الكارثية المدمرة.
وجرّاء هذا الانقسام عانى شعبنا الفلسطيني الويلات، وهو الخاسر الأكبر من استمرار هذا الحال والتشرذم الحاصل في المشهد السياسي الفلسطيني، والذي هو بمثابة هدية مجانية للمؤسسة الصهيونية الحاكمة لتكريس الاحتلال وتقويض فرص قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
ورغم كل الجهود التي بذلت على مدار السنوات الماضية لرأب الصدع، إلا أن كل الجهود ذهبت أدراج الرياح، وفشلت في تحقيق المصالحة واستعادة وحدة الصف الوطني الفلسطيني، والسبب تعنت طرفي الخصام والانقسام (فتح، وحماس)، وتمسكهما بمواقفهم المتصلبة، وتغليب المصلحة الحزبية والفصائلية على مصلحة الوطن، ما أدى إلى الابتعاد عن الأهداف الحقيقية وانغلاق المسارات.
وما زاد وفاقم المشهد السياسي الفلسطيني تأزمًا هو تأجيل الانتخابات التشريعية من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهذا التأجيل أعاد الفلسطينيين إلى نقطة البداية بعد توافق طال انتظاره لسنوات حول المصالحة وإنهاء الانقسام وضرورة إعادة الوحدة واللحمة لفصائل العمل الوطني ليتسنى مواجهة تحديات واعباء المرحلة القادمة، ولكن الرياح لم تجرِ بما تشتهي السفن، ولم يطل الوقت ليكتشف الجميع أن طرفي الانقسام لا يزالا في المربع الأول.
وفي حقيقة الأمر أن مؤشرات تأجيل الانتخابات كانت واضحة للعيان، بعد ان تبين أن حركة "فتح" ستخوض الانتخابات بثلاث قوائم، وانه لم يعد ضمانة لفوز ونجاح التيار المركزي للحركة الأم، باعتبارها قيادة السلطة وتجديد تفويضها وانتخاب رئيس جديد لها، لن يكون محمود عباس بالنسبة لها، بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أن القيادي الأسير مروان البرغوثي المؤيد لقائمة "الحرية" إحدى القوائم للحركة، والتي يتزعمها القيادي المفصول من الحركة ناصر القدوة، تفوقًا واضحًا على محمود عباس.
والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن تبرير تأجيل الانتخابات بسبب رفض إسرائيل السماح بإجرائها في القدس، والإصرار الفلسطيني على عدم إجرائها من دون القدس، وهي مسألة تحظى بالإجماع، لكن من كان يتوقع أن اسرائيل ستسمح بإجراء الانتخابات في القدس، خصوصًا بعد اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة بالقدس عاصمة "موحدة" لإسرائيل ونقل سفارتها من تل أبيب إليها.!
لقد تبددت الآمال الفلسطينية وسط شكوك تكتنف أهلية الاستحقاق الديمقراطي المنشود، لإنهاء الانقسام الذي يضرب جذوره في ثنايا الوطن، بوصف الاستحقاق الانتخابي هو المخرج للمأزق الفلسطيني الراهن. فالانتخابات من شأنها تجديد ثقة الشارع بالنظام السياسي الفلسطيني بطريقته الخاصة، وايضَا تعمل على تحسين الصورة مع العالم، وتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي، وكذلك تعمل على إيجاد طريقة للاشتراك بالسلطة، ما يخفف من حدة التوتر والاحتقان في الشارع الفلسطيني. والانتخابات إذا ما تمت مهنيًا، وبشفافية ونزاهة، والاعتراف بنتائجها فإنها تساهم في الخروج من الأزمات المتلاحقة على قاعدة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية كعنوان لكل الفلسطينيين، وإصلاح المؤسسات الفلسطينية، وتصفية الفساد الإداري الذي ينهش في جسد السلطة الفلسطينية، وتفتح آفاق جديدة للعمل الوطني والمقاومة الشعبية للخلاص من الاحتلال وإقامة الدولة الوطنية المستقلة ونيل الحرية.
من نافلة القول ان الانقسام الفلسطيني يشكل أحد تعبيرات الأزمة السياسية، التي أنتجت في أحد مظاهرها الفصل بين شقي الوطن. وقد كشف مقتل المعارض السياسي نزار بنات على أيدي مجموعة من الأمن الفلسطيني، عمق الازمة الوطنية المتمثلة بهذا الانقسام السياسي وحالة الاستبداد التي تتعمق وتتسع معها الفجوة بين الشعب وقوى الانقسام السلطوية المهيمنة على المشهد الوطني العام. وعليه فإن معالجة الحال والخروج من المأزق الفلسطيني الراهن، ما عبرت عنه مطالب الحراكات الشعبية الاحتجاجية، وهي رحيل محمود عباس، والكشف عن قتلة نزار بنات ومحاكمتهم، واستقالة حكومة اشتية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، والبدء بإعمار قطاع غزة من خلال لجنة تجمع فصائل المقاومة والقوى الوطنية، وتجديد الحركة الوطنية عبر الانتخابات الدمقراطية، التي يجب اجراؤها في أقرب وقت.