بدأ منذ أيام موسم الهجوم على كل من يحاول أن يعيد قراءة تأريخ العراق الحديث، قراءة غير معتادة، تلتزم البحث عن الحقيقة دون أنحياز وتمجيد لهذا الحدث أو ذاك، وهذا الرمز السياسي أو ذاك.

المناهضون للأنقلاب العسكري الذي حدث في الرابع عشر من تموز 1958، بدأوا موسم شتمه وإقامة مراسم العزاء على أرواح أفراد العائلة الملكية الذين قتلوا فيه، وتلطيخ صورة رجال الأنقلاب بما يستحقون وما لا يستحقون والبكاء على أطلال ما يعتبروه نظاما أفضل من الأنظمة التي قامت على أنقاضه. من جانبهم ينهمك مؤيدو الأنقلاب في تدبيج مقالات الثناء عليه والتغني بمآثر قائده الزعيم ((العميد)) عبدالكريم قاسم، والمبالغة في ذلك حد التأليه.

وينسى أنصار الملكية أن نظامها، ورغم ثروات البلاد الهائلة، ترك الغالبية العظمى من السكان في فاقة وحرمان، وأن النظام الملكي الذي أقام ديمقراطية زائفة، يقرر فيها نوري السعيد أو الوصي على العهد عبدالإله قائمة أعضاء مجلسي النواب والأعيان، سمح للأقطاعيين أن يعاملوا الفلاحين معاملة الأقنان، وأن يقتلوهم كلما تمردوا على طغيان الأقطاع، كما فعلوا مع فلاحي آل إيزيريج. كما سمح بقتل عمال النفط في مجزرة كاورباغي، وبقتل المتظاهرين السلميين في وثبة كانون وأنتفاضتي 1952 و 1956.

أما المتحمسون للإنقلاب فلا يضيرهم أن الزعيم الأوحد الذي أتى بالأنقلاب العسكري قد أقام حكما فرديا ديكتاتوريا أدى الى ضرب القوى السياسية التي كانت متحالفة في جبهة الأتحاد الوطني ببعضها في صدامات دموية، وخرب الحياة السياسية بطريقة أدت الى تمكين شركائة في الأنقلاب من الأنقلاب عليه في شباط الأسود عام 1963، وما تلى ذلك من سلسلة أنقلابات ومؤامرات أفضت في النهاية الى دكتاتورية صدام حسين.

ولكي لا نتهم بالتحامل على ((الثورة)) والتباكي على الملكية سنكتفي يتقييم سكرتير الحزب الشيوعي العراقي آنذاك حسين أحمد الرضي المعروف بأسم ((سلام عادل)) الذي وصف النظام الذي أنبثق عن أنقلاب تموز بأنه (( حكم عسكري فردي)) حيث قال في رسالة وجهها الى الأحزاب الشيوعية عقب بدء سلطات عبدالكريم قاسم الحرب في كردستان العراق:

(( قبل أن يحتفل العراق بالعيد الأول للثورة، أخذ الوجه اللا ديمقراطي للسلطات الحاكمة في بغداد يزداد بروزا. إذ بدأت توجه ثقل سياستها في الداخل، لأخفات المد الثوري، ولتفتيت القوى الديمقراطية الواحدة بعد الأخرى، وفرض وإدامة حكم عسكري فردي على البلاد.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة وجهت سهم رمحها في البدء ضد الحزب الشيوعي، بغية تجميد أو كسب القوى الوطنية الأخرى الى جانبها، إلا أنها سرعان ما كشفت حقيقتها المعادية لكل القوى الديمقراطية، وللحقوق والمطالب الديمقراطية لكل جماهير الشعب )).

وفي كلمته أمام المؤتمر الـ 22 للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفييتي نهاية عام 1961 قال الرضي:

(( أحصي حتى الآن (269) شهيدا من الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين المخلصين. وقد أغتيلو على أيدي العناصر الرجعية والأقطاعية وعصابات الإجرام التي تعمل بمعرفة الحكومة، وبأشراف بعض أجهزتها البوليسية، أو نتيجة إطلاق النار على المظاهرات السلمية من جانب قوات القمع الحكومية. كما أصدرت المجالس العرفية العسكرية أحكاما بالموت على ( 106 ) من المناضلين الشيوعيين والديمقراطيين إبدل قسم منها الى السجن المؤبد، أو السجن عدة سنوات. وقد نفذ حكم الإعدام بأربعة من الجنود الذين ساهموا بقمع مؤامرة الموصل. وطبقا لإحصاء أولي لم يشمل جميع الأحكام، أصدرت المجالس العرفية أحكاما بالسجن تجاوزت ( 4 آلاف سنة ) بينها أحكام بالسجن المؤبد. وبلغ عدد المعتقلين عام 1960 وحده، إستنادا الى مصدر رسمي ( 22 ) الف شخص. وتعرضت المنظمات والنقابات العمالية وجمعيات الفلاحين والمواطنين عموما ألى (7510) حوادث إعتداء، وقد إقترنت هذه الإعتداءات بتوقيف وإبعاد الآلآف من ضحاياها، وباستثناء من قتل نتيجة هذه الإعتداءات أصيب ( 1527 ) شخصا بجراح. وهجرت ( 2424 ) أسرة عائلة من محلات سكناها، وأحرق أو نهب الكثير من دور وأكواخ الفلاحين.

كما جرى ولا زال يجري إنتهاك فظ للحركة الديمقراطية فيعتقل البارزون والقادة النقابيون ورجال حركة السلم والكتاب والصحفيون، وبعض قادة الأحزاب الوطنية، وأصحاب المطابع وتضطهد الحياة الحزبية، وتداس كرامة المواطنين، وتخرق القوانين، ويسود البلاد حكم عسكري فردي منذ 14 تموز 1958 حتى الآن )).

السؤال الآن: هل كان سلام عادل ملكيا أو مناصرا للملكية؟؟؟

المصدر: سلام عادل .. سيرة مناضل الجزء الثاني تأليف: ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد. إصدار دار المدى. الطبعة الأولى سنة 2001. صفحات 118 ـ 119.