تكتسب المعركة السلمية الشرعية التي خاضتها وتخوضها والدة الشهيد المغدور إيهاب الوزني من أجل كشف السلطة الرسمية عن قتلة إبنها والذي اُغتيل بمسدس كاتم الصوت خلال شهر أيار الماضي؛ تكتسب أهمية فائقة بالنظر لدلالاتها المطلبية والسياسية،ليس لمردودها المتوقع على الصعيد الشخصي فحسب؛ بما ستحققه من نتائج مستقبلية مرجوة- سواء كُشف النقاب عن القتلة أم لم يُكشف- بل ولمردودها أيضاً على المدى البعيد بما ستتركه من مغزى ودلالات مهمة للاستفادة منها على صعيد الحركة النسوية والحركة النضالية بوجه عام. فمنذ أغتيال نجلها قبل نحو شهرين ووالدة الشهيد الوزني ما أنفكت تطالب بكل قوة السلطات بتعقب القتلة والكشف عن أسمائهم وتقديمهم لمحاكمة عادلة للقصاص منهم، وكما هو معروف فقد برعت في تعددأشكالها النضالية لتلك الغاية، إذ لم تعدم وسيلة لم تجربها؛ بما في ذلك تهديداتها وتصريحاتها النارية الجسورة شبه اليومية في وسائل الإعلام، وكان آخر وسيلة أحتجاجية لها ما قامت به مؤخراً بنصب خيمة لها أمام محكمة الجنايات في كربلاء، حيث ظلت تقاوم محاولة السلطات إزالة خيمتها مرات عديدة، كما حاولت إيقاف إحدى السيارات التابعة للأمم المتحدة لبث شكواها للوفد الاممي المتواجد فيها الذي لم يكلف نفسه للأسف سماع رأيها ولو لمجرد ثوان معدودة حتى بافتراض القضية لا تدخل في أختصاصه، هذا  في الوقت الذي زارتها قبل أيام خصيصاً في بيتها مبعوثة الأمم المتحدة جنين بلا سخارات للإستماع إليها ومعرفة ظروف أستشهاد أبنها ومطالبها، دع عنك التصريحات النارية التي مازالت تدلي بها اُم الشهيدإلى مختلف وسائل الإعلام. وهي إلى ذلك مافتئت ماضية قدما في تحديها الأحتجاجي متهمةً أحد قادة الحشد الشعبي ممن يحظون بدعم إيراني بالتورط في عملية الأغتيال والذي سبق أن تم أعتقاله على خلفية هذه القضية ثم اُفرج عنه. 

ولم تكن ثمة جريمة للشهيد الوزني- رئيس تنسيقية الأحتجاجات في كربلاء - ليُقتل خارج القانون سوى أنه مارس حقه الدستوري المشروع في التعبير عن رأيه ومواقفه سلميا بكل شجاعة وصراحة في مكافحة الفساد والمفسدين المتغلغلين في مفاصل الحكومة والمطالبة بحماية سيادة العراق لما يشكله نفوذ إيران الطاغي في البلاد من خلال الميليشيات الموالية لها من انتهاك لسيادة الوطن، وكذلك رفضه التطرف الديني والتدخل في الحريات الشخصية بإسم العفة والدين، ولذا لم يكن غريباً أستهدافه بتصفيته من قِبل المتزمتين وأساطين الفساد المتغلغلين في مفاصل الدولة ومؤسساتها؛  فيما السلطة مازالت عاجزة عن مواجهتهم، وهو ليس الأول الذي يُصفى بهذه الطريقة الجبانة فهناك الكثيرون غيره، وليس هو الأول كذلك الذي تفشل الدولة أو لاتجرؤ على كشف أسماء المجرمين.  

إن مواقف وأنشطة والدة الشهيد الوزني للمطالبة بالكشف عن قتلة إبنها وإصرارها العنيد على مواصلته على الرغم من بساطتها وعدم أحترافها العمل السياسي، يكتسب -كما أسلفنا - دلالات مهمة في الحركتين النسوية والسياسية ويقدم مثالاً ملهما لكل اُمهات الشهداء المغتالين والنساء المنخرطات في الحركتين السياسية و النسائية معاً في العراق؛ فضلاً عن الاُمهات في الدول الشمولية والدكتاتورية في منطقتنا العربية. فأذا كان التاريخ النضالي العالمي قد حدّثنا عن أدوار مهمة لعبتها اُمهات مناضلات باسلات منخرطات في الحركتين السياسية والنسائية خلال الحروب أو ضد الدكتاتورية أو قوى الظلم والبغي والاحتلال؛ فإن مواقف الاُمهات العاديات غير المسيسات بما يسطرهن من بطولات في قوة الإرادة والشكيمة من أجل أبنائهن المعتقلين أو المغتالين ظلما وفي سبيل رد الأعتبار إليهم لا يقل شأناً عن مواقف أولئك النساء الحركيات الملتزمات نضالياً بما يصب فائدته في النهاية لصالح الحركة المطلبية الشعبية ، ذلك بأن النموذج النضالي العفوي الذي شكلته وأجترحته والدة الشهيد الوزني والذي تابع العالم بأسره مواقفها الشجاعة الأبية بانبهار وإعجاب هو في حد ذاته أشبه بنضال حزب أو حركة أو جمهرة من الشعب في لحظة ما أو ظرف ما أو محطة من المحطات النضالية، بالنظر لقوة تأثير صمودها النضالي المتواصل في الضغط على الحكومة والقوى الفاسدة المتنفذة فيها، وبالنظر أيضاً لما تشكله أحتجاجاتها السلمية المشروعة التي يكفلها الدستور من إحراج شديد للحكومة وقوى الفساد على حد سواء. ويقيناً هي لا تفعل ذلك فقط من أجل ولدها فحسب، بل من أجل ألا تتكرر وتتكاثر بكل سهولة ثكالى العراق المفجوعات على أبنائهن المغتالين غدراً، سواءً أمام بيوتهم أو في ساحات الاحتجاج والتظاهرات لمجرد التعبير عن آرائهم الأحتجاجية السلمية التي يكفلها الدستور أبداء مواقفهم؛  ومن ثم يصبح الأغتيال عادة ميئوس منها محاولةوقفها. 

وهكذا فلن يذهب في تقديرنا نضالها سُدى، بل سيجعل مكممي الأفواه بكاتم الرصاص مستقبلاً يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على ارتكاب جريمة جديدة مشابهة، كما سيضع الحكومة وقيادتها في مأزق أكثر أحراجاً إذا ما تكرر عجزها أو تخاذلها في الكشف عن القتلة . 

وبهذا فإن والدة الوزني إنما  تقدم للعراقيات مثالاً ملهماً في تجربتها النضالية الفريدة من نوعها وخاصة لاُمهات العراق وللحركتين السياسية والنسوية اللتين يجدر بهما دعم مثل هذه النسوة الاُمهات . 

عرض مقالات: