كارل كاوتسكي، الأشتراكي الديمقراطي الألماني، الذي عارض أستخدام العنف في التحول الى الأشتراكية، والذي أدانه لينين بالأرتداد عن الماركسية، كان يرى في بداية القرن العشرين، أن النظام الديمقراطي الذي أقامته البرجوازية، وعبر ما وفره من حقوق مثل حقي التصويت العام والتظاهر، وغيرهما من وسائل الضغط، سيمكن البروليتاريا من تحقيق إصلاحات كان تحقيقها في القرن السابق يتطلب ثورة دامية.

 وفي نقده لطروحات لينين النظرية، شبه كاوتسكي البلاشفة الذين أستولوا، بقيادة لينين، على السلطة في روسيا، شبههم بالقابلة المستعجلة التي تستخدم العنف، لأرغام إمرأة حامل على الولادة في الشهر الخامس من حملها، فيما هي يمكن أن تلد بشكل طبيعي وبأقل ألم ممكن عند إكنال شهر حملها التاسع.

 لينين، من جانبه، أعتبر طروحات من أسماه بالمرتد كاوتسكي، أحط أنواع الإنتهازية التي تقبل الثورة الأشتراكية لفظا وتخونها فعلا.

 مضى لينين وبلاشفته في ثورتهم البروليتارية، وأقامو ((دولة العمال والفلاحين)) وتمكنت أجيالهم اللاحقة من بناء (( معسكر إشتراكي)) مثل سكان دوله في وقت ما نحو نصف سكان العالم، وأنهار في تشرين الثاني ـ نوفمبر من عام 1989. ولم يبق منه من أثر سوى الأسم الذي يحمله الحزب الحاكم في الصين الذي نمت في إحشائه رأسمالية لا تختلف عن الأنظمة الرأسمالية في بلدان العالم الأخرى سوى في منعها للتعددية الحزبية والفكرية.

 أنصار كارل كاوتسكي، في الأممية الثانية، مضوا هم الآخرون في طريقهم، وتعايشوا مع الرأسمالية، بل وتصدوا لقيادة أنظمتها في أكثر دولها تطورا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا وغيرها كثير، وأدخلوا عليها إصلاحات جعلتها مقبولة حتى من قبل نقابات العمال، الذين تغيرت طروف عملهم بفعل الأصلاحات وبفعل الثورة العلمية ـ التكنولوجية.

 لكن الفجوة بين من يملكون وبين من لا يملكون، تلك الفجوة التي حاولت الماركسية ردمها بجتمعة الملكية، أي جعل وسائل الأنتاج ملكية مجتمعية عامة، هذه الفجوة لم تتقلص بل هي إزدادت إتساعا، وفيما كانت ثروات المالكين تتضاعف بالمليارات، شعر غير المالكين بالرضا من أمتلاك منازل وسيارات مرهونة للمصارف، والتمتع بأجازات صيفية، يعودون بعدها للعمل الذي تقلصت أوقاته لكن تسارعت وتائر إنجازه، وربما أمتلك بعضهم أسهما محدودة في أسواق المال. أما من يفقدون أعمالهم، فقد مكنتهم الوفرة الأقتصادية من الحصول على تعويضات بطالة شحيحة، لكنها تقيهم الجوع.

 تلك هي باختصار مخل، مسيرة الحركة الأجتماعية في أوربا وبعض البلدان المتصلة بها خلال القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين. فمالذي سيكون عليه شكل الحركة الأجتماعية بعد وباء كوفيد 19، وما هو شكل العلاقة المنتظرة، بعده، بين من يملكون ومن لا يملكون؟؟

 أسئلة قد تبرز بعض ملامح الأجابة عنها في وقت ليس ببعيد.