يسميها السياسيون هامشا من الديمقراطية تختلف عن زمن الدكتاتورية التي عاشها العراق قبل سقوط الصنم واحتلال العراق، برنامج ظهر بعد محاولات عديدة تنقلت بين فضائيات مختلفة يحمل هم مقدمه على مدى سنوات عمره، بدأت في انتماء ديني طائفي ترجم الى عمل سياسي وانتهى بصوفية لم تنجح ان ترى النور، حتى جاء الوقت لظهور شخصية اعلامية مثيرة للجدل في مجال عمل كله جدل.

برنامج المحايد للاعلامي دكتور سعدون محسن ضمد جاء ليرفع الضيم عن برنامج المراجعة وان كان بصورة مختلفة، ومواضيع وضيوف واحاديث تمت بصلة من بعيد، كلاهما يحمل هم التنوير والحوار عمودا لتفتيح العقول وخلق جو معرفي ووعي جديد لم يكن ولا يوجد له مثيل في القنوات العراقية.

البرنامج يعده فريق عمل دؤوب ويبحث في كل زاوية عن باحث يسلط الضوء على تاريخ واحداث، يكتبها بطريقة منهجية لكنها تبقى حبيسة حلقة ضيقة من القراء، ليس لان كتاباتهم لا تحمل الجدية والاهمية، انما سوقها محدود بسبب سياسة الحكومات العربية، الدكتاتورية منها ونصف الدكتاتورية، فريق اعداد ذهب بعيدا في بحثه عن الضيوف لدرجة انهم يضعون امام المشاهد فقرات من كتاب للضيف، ليحاوره المقدم دكتور سعدون محسن ضمد.

تابعت البرنامج في زحمة مسلسلات رمضان وبرامج الفضائيات العراقية التي تقدم اسوأ ضيوف من برلمانيين فاسدين ووزراء لا يستحقون الاحترام، وسط فوضى الفوضى الخلاقة، التي لم تخلق لنا لليوم اي نتيجة ايجابية غير الديمقراطية المعلبة، والتي اطلق عليها هامش الديمقراطية، اما لمصلحة او بسبب عمى الالوان الذي يصيب الطبقة السياسية العراقية، البرنامج يعرض على القناة العراقية الفضائية التابعة للحكومة العراقية، والتي طالما اكد مقدمو برامجها انها تعمل على اظهار منجزات الحكومة، فهل اختلفت هذه المرة؟

متابعاتي للبرنامج تتوقف عند نهاية شهر نيسان، وما يحتويه المقال لا يتعدى حدود تلك الايام، عليه قسمت مواضيع حلقات البرنامج الى الاقسام التالية

1.التاريخ الديني لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، بحث فيه الاستاذ فاضل الربيعي، وقد حمل معوله في تحطيم كل الاوثان الدينية التي كنا نحملها نتيجة ثقافة مدرسية مبنية على مؤلفات مستشرقين، منحوا بقدرة قادر المنزلة العلمية وامتلاك الحقيقة، ثم استدار الاستاذ الربيعي ليعلق فأسه برقبة رجال الدين على ما حرصوا ان يقدموه من تفاسير هشة للقرآن الكريم، ولا يمكن هنا تغافل الباحث سعيد الغنامي في حلقة مهمة اكمل على ما بدأه الربيعي.

  1. الايديولوجيا ودورها في المجتماعت العربية في تحريف دورها من وسيلة استرشاد الى اداة تخويف وتضليل للمجتمعات، ادت في النهاية الى خلق مفاهيم مغلوطة تتعارض في ممارساتها مع اصل الفكرة والنظرية، مثل الامة والوطن والعلمانية والعولمة والماركسية، تناول هذه المفاهيم باحثون مختلفون اذكر بعضهم، كريم مروة ودكتور فالح مهدي ودكتور حيدر سعيد والباحث حسن حنفي واخرون لا يقلون اهمية.
  2. الانقلابات العسكرية في الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا ومصر، دورها في نكران الجميل للدول الاستعمارية التي منحت تلك الشعوب دولا لم يكونوا ليتمكنوا من اقامتها في ظل الاحتلال العثماني، وفق رأي الباحث العراقي الراحل فالح عبد الجبار، الذي ايده الباحث العراقي دكتور فالح مهدي، ثم اضاف عليه الباحثان السعوديان عبدالله الغذامي والدكتور توفيق السيف، ان النموذج الغربي والدول العربية التي حافظت على شكلها كملكيات وامارات اثبتت نجاحها واستمرارها على عكس الجمهوريات التي سقطت في فخ الدكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان.
  3. الاسلام السياسي والذي جرى التطرق له ليس كمحور اساسي، انما اسئلة مررت في عدة لقاءات على ضيوف لم يترددوا في تعريته، كون انه انقلاب على الدين لمصلحة حركات وشخصيات وفق تفاسير تتعارض مع النسق التاريخي والعلمي وتطور المجتمعات في مختلف بقاع العالم.

لو كان من المناسب الرد على بعض آراء الضيوف الذين كانوا مخلصين لخطهم الفكري ولم يحيدوا عنه، فلا بد من اخذ عدد من القضايا على محمل الجد، لا التعامل معها على انها آراء قيلت في سياق حديث، بل هي افكار يراد التثقيف بها، في زمن يبدو عليه غياب الطريق وسط مفهوم الفوضى الخلاقة.

مثلا ان الدولة العراقية كانت هدية من الاستعمار البريطاني لم يجر التعامل معها بطريقة تصب في مصلحة الشعب العراقي، والحقيقة ان بريطانيا جاءت للعراق ليس بهدف تأسيس دولة انما فرض ارادتها وتحقيق مصالحها كدولة مستعمرة لمنطقة غنية بالموارد الطبيعية والجغرافية والبشرية، ولم تكن حالة الوعي برفض المستعمر والدستور والعمل الحزبي غير رد فعل انساني لما عاشه الشعب العراقي من ظلم على يد المحتل واعوانه من العراقيين، الذين ابقوا العراق في عصر الاقطاع والعبودية والارتهان لمصالح المحتل، أما سير الجمهورية العراقية باتجاه الدكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان، فهو لم يتم الا بتخطيط وتنفيذ القطب الامبريالي بعد الحرب العالمية الثانية، وقد اشار لذلك عدد من ضيوف البرنامج.

كان واضحا ان دعوة قد جرت عبر بعض ضيوف البرنامج، تثقف بان الانقلابات العسكرية في العراق وسوريا ومصر تعارضت مع النموذج الغربي، فكانت النتيجة ان انقلبت الجمهوريات الى دكتاتوريات على عكس الملكيات والامارات التي استمرت ونجحت في احترام حقوق الانسان، مثل دول الخليج ومملكة المغرب، هنا يجب التوقف عند قول (بتصرف مني) الاستاذ زهير الجزائري ان بعض هذه الامارات هي مجتمعات صغيرة تنعم بموارد مالية عملاقة ليست بحاجة الى تنظيمات سياسية لتقودها وفق مفاهيم حقوق الانسان، بالاضافة الى ذلك فان العديد من الملكيات في العالم ذهب الى الاطر الديمقراطية والحياة السياسية الفعالة لتسيير حياة الدولة، وهي تؤكد بذلك ان الدستور والتنظيمات الحزبية هي الاساس لبناء الدولة الحديثة، بعد ان يتحقق عنصري الارض والشعب بدعم من الممارسة الديمقراطية.

من المثير للانتباه ان طرحا غير متفق عليه قد تناول الاديولوجيا على انها وسيلة سياسية لاخافة معتنقيها من الاخر، وعندما جرى تناول الماركسية والرأسمالية والاسلام السياسي عبر مفاهيم العولمة والعلمانية والستالينية والمذهب الديني، ما اراه ان فوضى المفاهيم لا يترك مجالا للمتلقي ان يفرز الاشارات عن بعضها، وهنا لا اتردد في ان أثبت بان البرنامج بمقدمه واعداده قد ارتكب خطأ فادحا، عندما طرح مفاهيما كبيرة دون ان يضع لها تعريفات او اسس اتفاق بين الضيوف، مثلا مندما يجري الحديث عن حالة 14 تموز توصف بعقلية اليوم، مرة انقلاب ومرة ثورة، بعيدا عن اسباب قيامها وشخصيات منفذيها. عندما يوصف الحزب الشيوعي العراقي بانه في زمن ثورة 14 تموز كان مراهقا، لا يجري ربط ثقافة اعضائه بثقافة المجتمع العراقي في ذلك الزمن، عندما تذكر حقبة الملكية العراقية ولا تذكر الممارسات اللاانسانية كونها اسست لمفهوم العنف السياسي باعدام قيادات من الحزب الشيوعي العراقي بسبب انتمائهم السياسي، ونفوذ الاقطاع والمرجعية الدينية، والتغاضي عن فتوى دينية ادت الى قتل العديد من العراقيين وترميل وتيتيم اخرين، كل هذا يذوب في البرنامج امام دعوى التفريط بمكسب الدولة العراقية التي منحها لنا الاستعمار.

ما اريد طرحه في هذا المقال ان البنامج فتح بابا كان قد اغلق منذ زمن بعيد، الا وهو حوار التنوير، شاء المقدم وفريق الاعداد ام ابوا، فقد اثار البرنامج حزمة من القضايا كنا بحاجة الى تناولها بعقلية مفتوحة حتى نصل الى فهم مشترك لجملة من المفاهيم الشرقية والغربية التي تتحكم بحياتنا، لا بد ان نفهم ان العالم لا يعمل بمفهوم رد الفعل على العكس من مجتمعاتنا الشرقية، ولا يؤمن بالقدرية والغيبية، هناك دائما دراسة تفصيلية علمية وتخطيط مستقبلي لا يعتمد فقط على العلوم التطبيقية، انما يهتم كثيرا بالعلوم الانسانية لما لها من تاثر مباشر على حياة المجتمعات، وهذا ما نجح البرنامج في اثارته في نقاش قد يستمر لحلقات اخرى قادمة لا ترتبط بشهر رمضان فقط. شكرا للدكتور سدون محسن ضمد على ما يثيره من نقاش حول قضايا محورية في حياة الشعب العراقي، والشكر موصول لفريق الاعداد على هذا المجهود الاستثنائي، ولا بد من التاكيد ان الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

 

عرض مقالات: