مما لا شك فيه وعلى ضوء ما تصلنا من أخبار وردّات فعل متعاظمة وتذمر متواصل وافقار مقصود لشرائح عراقية مسحوقة أصلا تعد بالملايين، والأرقام المفزعة لنسبة الفقر الذي يثير القلق والمخاوف، ليصل العراق الى مرحلة المجاعة، وهنا تكمن الكارثة، بل والمهزلة العظمى لبلد يعتبر في المرتبة العاشرة من بين أغنى دول العالم، الأمر الذي يمطرنا كمتابعين ومراقبين وكتّابا ومثقفين، بالعديد من الأسئلة التي إذا ما أمسكنا بخيوط احداها أو حزمة منها، تتناسل أسئلة محيرة أخرى، جميعها تصب في خانه واحدة ولها اتجاه وحيد من شأنه، بل ما حدث ويحدث فعلا وبشكل يومي، أن يختلط لدينا الحابل بالنابل، بأن اليأس يتعاظم في نفوس العراقيين من احداث أي تغيير من شأنه أن ينتشلهم مما هم عليه من أوضاع تسير من سيء الى أسوء، حتى وصلت الى التهديد المخيف لوجودهم البشري الذي قد يصل حد الانقراض، وهذا بظني ما يسعى إليه الممسكون بالسلطة وما يمارسونه من أفعال بلغت من القسوة وحب الانتقام ضد أبناء شعبهم بتفضيلهم مصالح برّانية لا تريد الخير لهذا البلد ولا لشعبه. وهذا ما يثير الحيرة والعجب وشدة الاستغراب.
السؤال العريض والأكثر ايلاما هو، ماذا تريد الكتل الحاكمة وأحزاب السلطة ومسؤوليها ومليشياتها وابواقها الإعلامية التي باتت تلوث السمع وتميع الوقت بأكاذيبها وتلفيقاتها ودفاعها عن الباطل، تذكّرتنا بأبواق الجرذ صدام وزمرته الفاسدة من (مثقفين وشعراء ودجالين وعديمي ضمائر وقيم) .
قصدنا من هذه المقدمة الحزينة والمؤلمة، البعيدة عن التهويل والتشاؤم في اتعس حالاته، ما جاء في بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، تحت عنوان:
نداء الى الأحزاب والشخصيات المدنية والديمقراطية وقوى انتفاضة تشرين، جاء في مستهله:
(تمر بلادنا بتطورات متسارعة وأحداث هامة، تؤشر تفاقم الازمة البنيوية وتنامي تداعياتها الوخيمة على شعبنا.
ومع قرب استحقاق الانتخابات البرلمانية المقبلة، المؤمل إجراؤها في 10 تشرين الأول 2021، يحتدم الصراع السياسي، الذي هو في جوهره صراع على خيارات المستقبل وشكل الدولة وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها.
وإزاء انسداد افق حل الازمة الشاملة للبلاد، أصبح التغيير ضرورة ملحة لمواجهة التحديات التي تواجهها بلدنا. وفي ضوء تعقد الوضع السياسي، واختلال موازين القوى، فأن الإصلاح الحقيقي هو المدخل لإحداث التغيير الشامل في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية).
وفي الحقيقية، أن ما نشهده من تصدع ومواجهات وبغض بين الكتل الحاكمة، ينذر بحدوث مواجهات قد لا يوقف جريان دمها، أية قوة من داخل وخارج الوطن، والأسباب ليست غامضة، بل هي طافية على السطح، لنشهد بشكل يومي، تهديدات متواصلة من هذا الطرف ضد الآخر، والأهداف معروفة وجلية، لا بسبب السعي لتجاوز الأخطاء، بل بمن يمسك سدة الحكم ويكّون الكتلة الأكبر، وهذه بحد ذاتها هي معضلة العراق الحقيقية.
ونحن هنا نوجّه خطابنا للمراقب المنصف والقارئ الفطن للاسترشاد بما ما جاء في مضمون هذا البيان، وفي ذات الوقت، نعلم أن الحاقدين ممن باعوا انفسهم للأجنبي، يشكّون في نوايا الحزب ووطنيته التي لا غبار عليها من خلال تاريخه المعمّد بالتضحيات والدماء الطاهرة والنزاهة ومما لاقاه من حقد مستفحل من أعداء الحرية والديمقراطية وكرامة الانسان العراقي، ليظل هذا الفصيل المكافح ضد كل أنواع الاستغلال والظلم وخيانة الوطن، مدافعا عنيداً عن الحرية والكرامة وسيادة الوطن، وعليه نرى من الجانب الآخر، العداء المستفحل ضد الحزب وتطلعاته الوطنية، من لدن أفراد واوساط لا علاقة لها بسيادة الوطن واستقلاله، بل يسعون لإشاعة الفساد والخراب ونهب أموال البلاد وافقار الشعب، تحت يافطات فاسدة وغير نبيلة، الأمر الذي ابقى العراق يدور في ذات المحنة منذ تخلصه من فاشية وقمع النظام البعثي ليدخل في دهاليز أمضى واعتى واشد حقدا من النظام البعثي المقبور.
إن الفوضى الواسعة التي يتخبط فيها الوطن ويعاني من مثالبها الشعب المقهور، يبدو أن الأمل من الخلاص منها بعيد المنال، إذا ما راهنّا على صناديق الاقتراع بشكلها ووضعها ونتائجها المخزية التي اعتدنا عليها في الانتخابات السابقة، لأن الأحزاب والكتل المهيمنة على وضع البلد وتقرير مصيره، قد آلت على نفسها أن تظل متشبثة بالكرسي وغير مستعدة للانتقال السلمي للحكم، بدعوى أنهم كانوا معارضين سابقين للنظام البعثي، وكأن بقية العراقيين الذين كانوا يرزحون تحت طغيان صدام وزبانيته، لا دور لهم في مجابهة اعتى واشرس نظام قمعي كوني، ولكونهم كذلك من أشد أعداء النظام الديمقراطي، الذي لا يعترفون به، جهرا وتسترا، من هنا جاء شعارهم (المقدس)، (بعد ما ننطيها)، ليفهم المراقب أن العراق بعيد تماما عن إجراء انتخابات حرة نزيهة وبعيدة عن التزوير وشراء الذمم وتوظيف السحت الحرام. لهذا امتدت اذرع المليشيات الى ابعد بقعة في العراق، لتكون مصدر تهديد ووعيد ورعب لكل من تسول له نفسه بمجرد التفكير في نيل الحقوق المشروعة والعدالة الاجتماعية عن طريق صناديق الاقتراع، إلا إذا كان الناخب يدلي بصوته تحت سطوة السلاح وتلصص العيون التي تستهدفه اذا ما سولت له نفسه الخروج من الدائرة المرسومة له، فأي امل يترجى من تحقيق التغيير الذي ينشده كافة العراقيين الذين تضرروا كثيرا من نظام محاصصة قمئ، وفساد مشاع ومهيمن على خيرات البلاد، وطائفية لا تبقي ولا تذر بعد أن كانت مصدر خراب لا يوصف، من سماته اباحة الدم بين أبناء الوطن الواحد.
وعودة لما جاء في بيان اللجنة المركزية الذي شخّص التدابير للخروج من أزمات الحكم المستفحلة، وهو يتدرج في التشخيص، ليذكر وبوضوح:
(إن التغيير المنشود، يشترط تحقيق بناء البديل السياسي لمنظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد، وكسر مساعي احتكار السلطة المستندة الى الهويات الفرعية وإعادة إنتاجها، ويؤسس لوعي اجتماعي جديد، وتوجه ثقافي يشكل نفيا لثقافة الاستبداد والاقصاء ولنزعات العودة الى الماضي المناهضة للحداثة والتنوير، ويرسي الاعتراف بالآخر واحترام التنوع).
هنا يتضح أننا أمام تكثيف المساوئ التي يتميز بها الوضع السياسي في العراق، وكما اسلفنا وهي، ان العراقيين إذا ما سعوا بشكل جدي للتغيير المنشود، لا ينبغي لهم القبول بأي شكل من اشكال تغيير الوجوه وابدال فلان بعلان، لأن الأزمة أعمق ما تكون في حالاتها السيئة، لذا ينبغي السعي للعمل على تحقيق التغيير الجذري في بنية الحكم الكارثي بكل سوءاته، وتأسيس وعي مجتمعي جديد بعيد عن المحاصصة والطائفية السياسية ومنظومة الفساد، وبناء بلد حر ومستقل يتميز بقوة القرار ونية البناء لكل مفاصل البلد الذي عانى الأمرّين لأكثر من خمسة عقود وما يزيد.
هنا ينبغي مرة أخرى التشدد على التغيير الجذري لإزاحة المتسببين بتهديم بنية المجتمع واخضاعه للتدخلات الأجنبية من أي طرف كان ومحاسبته بقوة على ما فعلوه من خراب شمل كل مفاصل الوطن والمجتمع، لتحقيق الانتقال المنشود لوطن عريق مثل العراق، وتمتع العراقيين بشكل حقيقي في خيراته وثرواته والدفاع عن كرامة أبنائه وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية واستقلالية القرار العراقي.
ودون ذلك فأن أي مسعى للتغيير الجزئي سيكون مجرد ترقيع لبعض السلبيات وإبقاء "دار لقمان على حالها" ويظل العراق مرهونا بالقرارات الطائفية، وبالتالي عرضه في سوق النخاسة، ليتحول الى شذر مذر ويضيع كل شيء، حتى أن من يمارس سلطة القرار ويحمل السلاح منفلتا كان او مشرعنا تحت أي مسمى، سيجدون أنفسهم بدون وطن يأويهم وسيكونون مصدر احتقار لأقرب المقربين لهم، وسيجدون أنفسهم يرقصون جميعا على نغمة:
(لا حظت برجيلها ولا خذت سي علي)
وقد أعذر من أنذر
اللهم إنّي بلغت.