دعوة السيد الكاظمي لإقامة حوار مع كافة الأطراف، من منتفضين ومتضررين من السياسات الهوجاء وفقراء لا يجدون قوت يومهم بسبب سياسات النهب والفساد وبين كتل سياسية تلطخت اياديها بدماء الضحايا ومن مليشيات ما زالت تصادر أرواح الناس الأبرياء ومع فاسدين معروفين ومتمادين بالخراب واطراف عبث بالدولة ومؤسساتها غيّبت أية قيمة لمعنى وجود دولة، بتكريس نظام محاصصة بجرائمه المعروفة وواقع حال مترد، سببه السياسيون الذين ما زالوا متشبثين بسلطة القرار وتكريس نظام طائفي بغيض معاد للُّحمة الوطنية، يدعو الى التفريق بشكل وقح بين أبناء الشعب الواحد بدعوى الحفاظ على الانتماء الديني والطائفي والعرقي والاثني والقومي والمناطقي وتطبيقات هذا الانتماء الذي فتّت المجتمع العراقي المسالم وحوله الى طوائف وكتل ومكونات وغذّى النزوع العدواني المقيت الذي اضر كثيرا ببنية المجتمع العراقي وتلاحمه الوطني، مشتغلين بشكل خبيث وشيطاني على العمل في البقاء على هذه السموم القاتلة والتي استفادوا منها كثيرا في تكريس العداء بين مكونات المجتمع العراقي اعتمادا على مشروعهم المعادي للانتماء الوطني، بتغليب الطائفية المقيتة على أي اعتبار آخر من شأنه أن يذيب الخلافات ويبني مجتمعا متعافٍ من هكذا أمراض قاتلة، ناهيكم على رهن واقع العراق بيد الأجنبي المعادي لهذا البلد، وبشكل وقح.

إزاء هذه الصورة القاتمة للمجتمع العراق والتي لا يختلف في فهم سوداويتها عراقيان، يأتي السيد الكاظمي ومن يدور في فلكه بدعوة قرقوشية، بفتح حوار (وطني) يضم كل هذه المتناقضات المخيفة، دون أن يكلّف نفسه في التفكير بمحاولة التخلص من كافة المعوقات للقيام بهكذا حوار يتطلب أجواء نقيّة وصافية واستعدادا نفسيا ومجتمعيا واخلاقيا للوصول الى النتائج المبتغاة بالسعي لإبعاد كل من تسبب في احداث هذه الشروخ القاتلة، لا القيام بدعوات، لا يقبلها حتى الأطفال، إذ كيف يتسنى أن يلتقي الضحية بالجلاد من أجل حوار وطني، لا يعدو كونه فعلا فنطازيا ودعوة مضحكة وهزيلة، فيا للهول أن يحتكم رئيس وزراء على هذا المستوى من الوعي، ولا نعرف سبب هذه الدعوة المضحكة المبكية، وهل فكّر السيد الكاظمي مليّا وبعقلية المسؤول الذي ينبغي أن يزن الأمور بميزان بيض النمل، لا أن يخرج لنا بهذه الدعوة التي تعدو كونها ضحكا على الذقون واستخفافا فاضحا بحقوق الناس، الأحياء منهم والأموات، وكيف سمح لنفسه أن يجمع بين الخير والشر وهما نقيضان لا يمكن أن يلتقيان.

إذا طرحنا على العقلاء هكذا مشروع للحوار بين أطراف تتهم بعضها البعض بوجود ملابسات لا يمكن فك اشتباكاتها الا بإجراء تنقية الأجواء وتطهير بعض لأطراف وابعادها عن الحوار، بل والقيام بفعل حقيقي لمحاسبة من يكون العائق الحقيقي للحوار، هل يقبل أي مسؤول يحتكم على ذرة حكمة مثل هكذا مشروع، ميت منذ ولادته؟

إنها المهزلة بعينها أن يصل الاستخفاف بدم الشهداء وحقوق ضحايا العنف الأهوج ونهب المال العام وإطلاق يد القتلة من مليشيات منفلتة وموجهة، وأتباع أحزاب معروفة بعدائها للوطن والناس ومن سهّل لمجرمي داعش باحتلال البلاد والتنكيل بالعباد ومن كان السبب بمجزرة سبايكر ومصادرة أرواح حياة آلاف الشباب الأبرياء، وسقوط ثلث البلاد بيد مجرمي داعش ومن كرس الطائفية المقيتة لتشتيت اللحمة الوطنية، وعدّدْ ولا حرج من خراب وهدم وافقار وبطالة وعوز دائم للفقراء ومئات الحالات المخزية التي يشيب لها الرأس.

كل هذا البلاء الذي سبّبه ساسة الصدفة الطارئين وناهبي خيرات البلد وقاتلي الشباب الأبرياء وسواها من صيغ خراب يشيب لها الرأس، ويأتي السيد الكاظمي ليوجه دعوة الحوار الوطني بين القاتل والضحية.

إن الحوار الوطني لا يتم ولن يكتب له النجاح، إذا كان بين اطراب متناحرة ولا تقبل بعضها البعض، لأن أنهار الدم هي التي تفصل بينها، لذا ينبغي على السيد الكاظمي أن يراجع نفسه، ليمكّننا من الاعتماد عليه وعلى سلامة إجراءاته، رغم أننا بتنا على يقين، بأن ذلك غير ممكن من خلال تجارب الأشهر الماضية من حكمه والتي اثبتت أنه غير قادر على قيادة بلد اسمه عراق.

 

عرض مقالات: