أسقطت انتفاضة تشرين، الجزار عبد المهدي لكن نصب مصطفى الكاظمي خلفاً عنه ليستكمل نهج سلفه الذي لا يختلف مسلكه سوى بأشكال أداء القمع المكرس على حراك الشارع المنتفض. ومن أوجه الاختلاف كان السلف " عبد المهدي " يبرر بصورة ساذجة لشراسة ارهاب السلطة. غير أن الخلف " الكاظمي " يعطي في الكلام حلاوة ويروغ عن القمع، كقوله المكرر السمج انه " ولي الدم " وسينتقم وسرعان ما " يُغلس " التزاما بما يُفرض علية " التغليس ".

             لقد أخذ رئيس الوزراء في الآونة الاخيرة يتبع سياسة تبديل الأجهزة القمعية، للهروب من معالجة التدهور، فيستخدم" الوية حفظ النظام " الشرسة التي أسسها عبد المهدي ليحصد بها أرواح سبعمائة شهيد وعشرين ألف جريحاً. ولكي يلوذ الكاظمي بغشاوة باهتة لعلها ترضي الشارع المنتفض، فيقدم على حل هذه التشكيلة القمعية. ويبدو لم تقبل مراجعه، " الكتل  المتنفذة " فالغى قرار الحل. كعادته في سرعة تراجعه عن قراراته السابقة.

 وعندما أوغلت كثيراً بعدوانها الهمجي على المنتفضين استبدلها بـ " وحدات مكافحة الشغب" ولم يصل إلى مبتغاه فجاء بالشرطة الاتحادية، ولم تتحقق له غايته ايضاً، المتمثلة باخماد جذوة الانتفاضة. ثم راح مؤخراً يجرب حظه باستخدام الجيش.  وهكذا دواليك على غرار تبديل وجوه الحكام الذين لم يلامس احدا منهم مع معالجة الازمة البنوية الشاملة الطاحنة في عموم مفاصل الدولة العراقية. بل تفننوا بصناعتها وإدامتها.  هذا اذا ما كانت هنالك دولة.

             وحينما أصبح منتفضو ساحة الحبوبي في الناصرية الملتهبة، يلخصون انتفاضة تشرين في هذه {البؤرة الثورية} الباسلة. وتصاعدت النداءات بقلع مستوطنات الفساد ورمزها المحافظ، درج رئيس الوزراء على ذات السلوك المخادع أي المعالجة بالمسموح له باستخدامه، ألا وهو التبديل لا غير، بغية التمويه على الأزمة وأسبابها الناطقة بالفساد والفشل.. وقد تنادى رموز المحاصصة لتشويه جوهر تجدد الانتفاضة، فجاءت تصريحات " المالكي " رئيس كتلة دولة القانون التي جاء فيها: الصراع في الناصرية يمثل تمهيداً لإعلان اقليم في هذه المدينة" كما ترادف معه تصريح رئيس" كتلة الفتح " الذي كان يصب في ذات المجرى بالقول " إن التظاهرات في الناصرية هي مجرد صراع حول مركز المحافظ.

             لعل بعض التصريحات قد تشير إلى أحد أوجه الصراع وهو أخذ مركز المحافظ الذي يعني الاستحواذ على أموال إعمار المحافظة التي خصصت لها في موازنة 2021، لكي يتم استثمارها في دعم حملات الفاسدين الانتخابية. ولا ينفصل عن الوجه الاخر الهادف إلى إبعاد الأسباب الحقيقية للانتفاضة لما لها من صدى وتأثير على الجماهير العراقية الواسعة المكتوية بنار انحطاط الأوضاع المبشرة بسقوط الدولة العراقي برمتها. بعد أن تداعت أركانها وأصبح البلد بلا دولة رسمية انما تقوده الدولة العميقة.

             وبما أن رائحة تعفن الدولة العراقي قد فاحت لابد من أن تشمها أنوف الذئاب الإقليمية المسعورة حيث استنفرت وغدت تتناحر حول هذه الفريسة الدسمة. لقد ظهر ذلك من خلال المناكدات التي جرت علناً في الاعلام بين سفراء كل من ايران وتركية. وكأن أحدهم يحذر الآخر من التمادي على فريسته. في حين يبقى المتسلطون في العراق غافلين فارغين الرؤوس حتى النخاع من الشعور الوطني. غارقين في صراع حول نهب المال الحرام وقد اسفروا بلا أي تحفظ عن غربتهم بل وعدائهم لشعبهم.  

عرض مقالات: