أصبح الحديث عن الفساد موضوعا لمن لا موضوع له، وهو كأي وباء أو مرض، يجتهد في معالجته الجميع، وتوضع لنا الوصفات الطبية بالأدوية الصالحة أو التي نفذت صلاحيتها، وأحيانا يقدم لنا العلاج الشعبي بالأعشاب والتعويذات.
وتملأ المحطات الفضائية ساعات بثها بالحديث عن هذا الكابوس، لأنه يجلب لها نسبة مشاهدة أكبر، ويعد بديلا من انتاج مسلسلات تلفزيونية أو نتاج برامج أخرى.
وما يميز جديد اخبار (قبائل الفساد) كونه هذه المرة، صادر من شخصيات متنفذة، وهي تطلب من السلطات أن تقارع الفساد، ولكن على طريقة (دون كيشوت) الذي ينازل طواحين الهواء التي تبدو له كفرسان العدو.
فالنائبة عالية نصيف تعلن أن شركة سويسرية احتالت على عراقيين بمليار دولار! بخدعة استثمار أموالهم في هذه الشركة.
والمدير المفوض الذي جلب هذه الشركة الى العراق هو فوزي اكرملي دراغ وهو عراقي يعمل في وزارة الصحة ويقال إنه حالياً في تركيا.
تتحدث النائبة عن أساليب احتيال هذه الشركة، وتحذر السلطات من (حرب شوارع)! وأن بسببها تحصل (الدكات العشائرية).
ولم تخبرنا النائبة عن رأي البرلمان في هذا الأمر، وفي أي خندق سيكون؟
ويشكو وزير الموارد المائية من التجاوزات على الأنهر من البعض الذين يدعون (إنهم متنفذون ولديهم سلطة وينتمون الى بعض الأحزاب).
وكشفت لجنة الخدمات في مجلس النواب أن هنالك 6000 مشروع متلكئ أغلبها يعود لوزارة الاعمار والإسكان والبلديات.
وأغلبها مضى على البدء بها نحو 10 سنوات.
ويخبرنا وزير الزراعة أن سفراء بلدان لم يعرفهم (زعلانين) من إجراءات وزارته بدعم المنتوج الوطني ولا تسمح بدخول المنتوج الأجنبي المنافس. ولا عجب بالأمر، فمعروف أن (زعل) السفراء يعني زعل كل السماسرة المتعاونين معهم من مجموعات الجريمة المنظمة، مما أضطر الوزير أن يستنجد (بالجمهور) على طريقة برنامج (من يربح المليون) كي يجد له حلا، ذلك قبل أن يقال أو يرسل بصندوق خشبي إلى أهله أذا أبدى عدم التعاون، و أصر على التفريط بالمنصب المغري، والنفس أمارة بالسوء!
وتستمر نشرة اخبار الفساد في سرقة الهواء الذي نتنفس، تخنقنا برائحتها الكريه، والفاسدون يتنمرون، فمعروف أن حياتهم وبقاءهم كما ذكر أحد قضاة النزاهة يتوقف على استمرارهم في السرقة والنهب، وألا سيواجهون المساءلة والوقوف خلف القضبان.
ولهذا هم يغتالون، يدمرون، يهددون، كي تبقى الغلبة لهم.
ليس هذا فحسب انه يعدون متاريسهم، ويحرصون ان يكون بارودهم جافا، وأول أعمال حفر الخنادق، بدأت في جبهة الانتخابات، والتلويح العصا لمن عصى، وبدأت باغتيال السيد علي الدليمي وشقيقه. وكان الدليمي يشغل منصب مدير حملة الانتخابات للنائب رعد الدهلكي. وفي جبهة الاقتصاد جرى تعويم الدينار وتهريب العملة الصعبة واللجوء الى البنك الدولي والصندوق الدولي للاقتراض، وذلك لزيادة التراجع عن الدعم الحكومي، وزيادة الفقراء فقرا.
وعلى صعيد الشارع الساخن المطالب بحقوقه، فليس لدى (قبائل الفساد) رد سوى القمع، وأحيانا سياسة الاعتذار الناعمة عن (سقوط الضحايا)، ما دام الناس (قشمر)، ويجري (الضحك عليهم بسهولة)، كما يعتقدون.
كل هذا يزيد من الآلام التي يكتوي بها الشعب من جراء البطالة والعوز وقلة الأمان وتفجيرات عصابات داعش.
إن (قبائل الفساد) ستجد نفسها في الحفرة التي حفرتها لغيرها، ولن تخرج منها، فعناقيد الغضب عند الشعب بدأت تنضج ولا بد أن تنفجر ثانية وتهيل التراب عليها. ومن يخيفنا من نتائج الصراع نقول له: نحن في وسطه، مكتوين بنيرانه، وليس أمامنا سوى الإعلان عن نزع العلامات الوطنية المزيفة التي يحملها الفاسدون، ونعيد حسابنا في التمييز بين الشعب والذين يقفون معه، ومن هم يعملون على تحطيمه وجعله عبر التزييف والخداع، أسير (المحبسين)!