يرى الباحثون عن التغيير أن الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، دولة المواطنة، هي البديل عن ما حل من خراب شامل في العراق. ولا يخفى على فاهمة أو فاهم بأن أي تحول من حال الى حال مختلف، لم ولن يتم من دون حراك متواصل. و بـ "الحركة بركة " كما يقال.. في الظرف الراهن تكشف الجهود المبذولة لاستنهاض حالة الانتفاض في ساحات التظاهر مستوى القناعة والاصرار لدى القوى الديمقراطية رواد الحرية. يُلمس ذلك ضمن مضمار المواجهة في معادلة الصراع الطبقي القائم .. أولاً دفة طبقة أغنياء سراق طغاة، وبين دفة طبقة فقراء مسلوبين كل شيء، ما عدا شيّمهم المتمثلة بالارادة والوعي.

تأجلت مرحلة انتصار انتفاضة تشرين جراء الهبوط النسبي لحدة المواجهة في ساحات الحراك، لظروف موضوعية صحية قاهرة، وكانت تتمتع بظرف ذاتي جبار. مع انها قد دارت رحاها بين صدور عارية تُقتنص برصاص غادر، وبين أطراف عارية صدورها تماماً عن أي واعز من ضمير، وبلا شعور انساني، ولا حس وطني. وكانت ضحاياها جسيمة.

 مقتصر القول: ما العمل بعد فشل وسقوط ما سمي بـ " العملية السياسية "..؟. لا شك أن الأمل كل الأمل يشمخ، بمفاعيل التمسك بحراك الشارع واستنهاض شتاته الذي ما برح يستلهم العزم من تضحيات شهدائه في مختلف سوح الوغى، دون شك بات بركاناً يبعث بدخانه منذراً بثورته الحتمية. ولكن هذه المرة ينبغي أن يحكمه قيد وحدة قواها المحركة والقائدة ورصانة برنامجه السياسي ولا بأس حتى برنامجه الانتخابي المعبرين عن مطالب الجماهير.

             التيار الديمقراطي أحد أهم أطراف "حراك الشارع " ورائداً في انبثاقه، يُعلمنا اليوم باستعداده لانعقاد مؤتمره الثالث في شهر اذار القادم. غير أن الجمهور الملسوع بنار الكدح اليومي المهلك، والفقر المدقع، وضياع المستقبل المخيف، وانعدام العدالة، وفقدان معالم الدولة، لن يكفيه عقد المؤتمرات بقدر ما ينتظر نتائجها التي ينبغي أن تخبز ما اختمر في موقد الانتفاضة التشرينية، بمعنى استكمال مشوار التغيير.

              تلوح في الافق غيوم سوداء تتلبد منذ تشكيل حكومة الكاظمي حيث جيء برئيس الوزراء بقبول الكتل المتنفذة عن مضض. وكان مقيداً بشروط لا دستورية، لو التزم بها ستسقطه الجماهير لا محال. واذا ما خالفها يكون قد وضع نفسه تحت رحمة من اتى به مشترطاً. إلا أنه لو اتكأ على الجماهير سيكون في منأى وحماية الجموع الثائرة. غير أنه ظل كفاقد البوصلة حيث ظهر سالكاً سياسة " خد وعين " التي لا تتناسب مع ارادة الاحزاب الحاكمة، ولا تقبلها قوى الشارع المنتفض ايضاً. ومثل هكذا" زكزاك سياسي" لم يسجل له التاريخ نجاحاً يذكر. انما تنتصب قُصاده حتمية الإزاحة من أي طرف لا يرضى بادائه. بمعنى من المعاني إذا لم يقرع جرس انقاذ البلد وبهمة نضال فذة تغادر مربعات الكلام والتنظير السياسي، والانتقال إلى الفعل الملموس، فالكارثة حاضرة وتبدو مرئية على الاعتاب.

             هنا يأتي هدف التغيير حاكماً ملزماً لكل من يعنيه مصير البلد، فالانخراط في حراك الشارع بات { فرض عين } . ولم يتوقف الأمر عند الباحثين عن بناء الدولة الديمقراطية العادلة. انما يشمل المغيبين عن الوعي، و الغافلين عن هذا الواجب الوطني الملح.. يقال إن انتخابات قادمة كفيلة بالتغيير. غير انها مازالت في عداد السراب، ما دامت تحت رحمة السلاح المنفلت ومسخ الديمقراطية ورخاوة القوانين الضامنة لسلامتها. ولم يحلق طائر العنقاء.

 

عرض مقالات: