في الآونة الأخيرة، وقع حدث مهم في العلاقات بين تركيا والعراق، لم يثير الإهتمام كما جرى في قصة شعر "آراس" الذي ردده أردوغان في زيارته لأذربيجان، في حين أن الحدث الأخير مهم للغاية وينسجم مع قصة "آراس".

لقد ترأس رئيس الوزراء العراقي الكاظمي وفداً عراقياً إلى أنقرة، واستقبله أردوغان باحتفال كبير على المستوى الرئاسي. وتم التوصل بين الطرفين إلى اتفاقيات اقتصادية وأمنية، وتم ذكر ما يجب وصفه بالقواسم الاستراتيجية المشتركة بين البلدين في مؤتمر صحفي مشترك.

عبر أردوغان في خطاب ترحيبه بالضيف على الوجه التالي: تركيا تولي أهمية كبيرة لحماية وحدة أراضي العراق ومستعدة لتقديم أي مساعدة لعملية إعادة الإعمار ... نحن نعتبر جميع شرائح الشعب العراقي بغض النظر عن القبيلة والعرق أشقاء لنا، وهناك إمكانية لزيادة التجارة بين بلدينا التي تبلغ قيمتهما الآن 20 مليار دولار سنويا ... ومن خلال إصلاح خط الأنابيب الذي دمره داعش، نريد حقن نفط كركوك بكميات أكبر في الأسواق العالمية ... ويجب أن تكون قضية المياه أرضية للتعاون بين الجانبين وليس قضية صراع".

وأجاب الكاظمي بكلمته:"الشركات التركية لها نصيب مهم في الاستثمار في العراق ولن نسمح بأية عملية من الأراضي العراقية ضد تركيا ... نريد زيادة الشراكة مع تركيا ووقعنا اتفاقيات مع أنقرة". (إسنا ، 2 كانون الثاني)

وتحت قيادة القادة السابقين والحاليين، كان أداء تركيا جيداً بشكل عام، بالإضافة إلى السلوك غير المقبول مثل القمع الدموي للأكراد، من حيث تأمين مصالحها الوطنية وتوسيع نفوذها الإقليمي دون الانخراط في الحرب. وتمكنت من حل قضية المطالب الكردية بشكل ديمقراطي نسبي من خلال التغلب على أيديولوجية الأتاتوركية والقومية المتطرفة، بالطبع من غير المرجح أن تصبح نموذجاً ناجحاً للغاية للعالم الإسلامي وغير الإسلامي.

في نزاع ناغورنو قره باغ ، بالتنسيق مع روسيا ، أجبرت أرمينيا على الاستسلام، وفرضت جمهورية أذربيجان سيطرتها على أراضي أكثر من ذي قبل. والآن حان دور العراق. أردوغان يعطي نقاط  حول مياه دجلة والفرات، ويحصل مقابلها على ثلاث نقاط مهمة:

1-النفوذ الاقتصادي والسياسي في العراق

2- سيطرة القيادة العراقية على الشريط الحدودي

3- تقليص نفوذ إيران في العراق

منذ الآن فصاعداً، ابتعدت السوق العراقية بسرعة عن إيران، وهي التي كانت تسيطر إلى حد كبير قبل خروج ترامب من الإتفاقية النووية التي رعاها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومكنها حتى من الالتفاف على بعض العقوبات ضدها، ليسيطر الآن على السوق منافسون إقليميون، المملكة العربية السعودية وتركيا.

في مقال بعنوان "تحرك العراق البطيء نحو الجبهة السعودية وآفاق العلاقات القطرية السورية مع السعودية"، ذكرت في نيسان عام 2019 إن العراق أخذ يبتعد ببطء في مساره الاستراتيجي عن مسار إيران.

وبالنظر إلى الهيكل المتنوع لإنتاج المصانع التي تتميز بقدرة تنافسية، ستواجه تركيا الشيء نفسه مع صادرات إيران كما فعلت في آسيا الوسطى. وإذا ما كان لدى المملكة العربية السعودية القدرة على تقديم دعم مالي مرتفع وبنية تحتية، وتوفير الملاعب والمستشفيات التي تبرعت بها والتأثير على الرأي العام العراقي، فإن تركيا لديها القدرة على تلبية احتياجات العراق من السلع والخدمات الهندسية الفنية والمشاركة في مشاريعها الاستثمارية وفقًا للمعايير الأوروبية. وهذا ما يرجح تحقيق حلم تحول مزاج العراق صوب تركيا لدى الرأي العام في هذا البلد، وسيخلق فجوة أكبر بينها وبين إيران.

وتتمتع الدولة التركية بقدر من الفهم للسلطة والأمن القومي، بغض النظر عن الانتقادات الموجهة إليها. فهي وقدر الإمكان، لا تقع في فخ المواجهات العسكرية. وعندما أسقطت تركيا طائرة روسية وقتلت طياراً حربياً روسياً، اعتذر على الفور رسمياً وتجنبت من التحول إلى حرب وجهاً لوجه. إنها إنقلبت على إسرائيل، لكنها لا تذهب بعيداً بما يؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معها. وفي ظل التحديات مع الولايات المتحدة حول مختلف القضايا، تبدي تركيا المرونة في الوقت المناسب. إنه صراع على جميع الجبهات، لكنه لا يؤدي إلى مواجهة مباشرة. وتسعى تركيا إلى تأمين مصالحها الوطنية بالاعتماد على نتائج مكونات القوة الوطنية (الاقتصاد والدبلوماسية والقوة العسكرية).

حزب العدالة والتنمية هو نموذج من إحزاب الإسلام السياسي. ولكنه على عكس الأصوليين المتعصبين لمعتقداتهم الغير قادرين على فهم القضايا بشكل صحيح، والتواصل مع قوى مختلفة التي لا تؤمن بالمعتقدات الدينية. المشكلة الوحيدة مع هذا الحزب وأردوغان هي إرث الهيمنة الأتاتوركية، وهي عدم القدرة على التفاعل بشكل صحيح مع المجموعة الاجتماعية الكردية، الذي ينبع من ربط الأمن القومي بالقومية المعادية للأكراد، وليس الحدود الدينية.

في المستقبل، هل من الممكن النظر إلى العراق على أنه أذربيجان آخرى؟ بالنظر إلى ما قيل، فليس ببعيد أن تتسلل تركيا إلى هذه البلاد بشكل أسرع عن طريق توفير أفضل للحاجات الرفاهية للشعب، وبذلك تستقطب العراق إلى جانبها.

 

عرض مقالات: