تأسس المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) The Arab Forum for Environment and Development في عام 2006، كمنظمة غير حكومية إقليمية ، غير ربحية، تجمع الخبراء والأكاديميين مع هيئات المجتمع المدني ومجتمع الأعمال ومؤسسات الاعلام والإعلان، لتشجيع سياسات وبرامج بيئية متطورة عبر العالم العربي..
دأب خبراء (AFED) على دراسة وتقييم الأوضاع البيئية والصحية في البلدان العربية. وقد أطلق المنتدى منذ عام 2008 سلسلة “ وضع البيئة العربية” كتقارير سنوية، سلّطت الضوء على التحديات البيئية، ضمن مواضيع رئيسية، كتغيُّر المناخ، والمياه، والطاقة، والاقتصاد الأخضر، والبصمة البيئية، والاستهلاك المستدام، وتمويل التنمية المستدامة، والتعليم البيئي، وغير ذلك. أوصت بحلول لها، رافعة إياها الى الجهات الحكومية المعنية، مقترحة تغييرات في السياسات، وحفّزت الكثير من الإجراءات عبر المنطقة العربية، بهدف تحسين وتطوير تلك الأوضاع. ولو أنها نفذت لحصلت فيها طفرة نوعية..
اَخر إنجازات (أفد) لحد الآن إطلاقه لتقريره السنوي الثالث عشر في السلسلة المذكورة، بعنوان “الصحة والبيئة في البلدان العربية”، وذلك في مؤتمر دولي افتراضي(بسبب جائحة كورونا)، إستضافته الجامعة الأميركية في بيروت للفترة 10 – 11 تشرين الثاني الجاري،. وشارك فيه نحو 600 من الهيئات الحكومية والخاصة والجامعات وهيئات المجتمع المدني من 45 بلداً، إرتبطوا إلكترونياً عن طريق مركز للتحكم.،وتم بث وقائع الجلسات عبر منصات التواصل الإجتماعي للمنتدى وللجامعة الأمريكية، التي يزيد عدد متابعيها على 1.5 مليون شخص.:
عمل أكثر من 150 أستاذاً وخبيراً من جامعات ومراكز أبحاث عربية وأجنبية على إعداد التقرير عن الصحة والبيئة ومراجعته. كانت كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت الشريك الأساسي في إعداد التقرير، كما ساهم باحثون من جامعة الخليج العربي في البحرين، وجامعتي القاهرة والإسكندرية ومؤسسة كيمونِكس للإستشارات البيئية في مصر، وجامعة القديس يوسف في بيروت. وشارك في التقرير المركز الإقليمي لصحة البيئة التابع لمنظمة الصحة العالمية.
هدف التقرير إلى تسليط الضوء على المخاطر الصحية البيئية الرئيسية التي تواجهها المنطقة، مع التشديد على التوصيات والدروس التي يمكن تعلّمها من الأزمات البيئية والصحية، السابقة والحالية، بما في ذلك جائحة كورونا (كوفيد-19)..
أكد التقرير ان الصحة والبيئة مترابطتان عضويا،ً وفقاً لمعادلة تقوم على استحالة وجود مجتمع إنساني يتمتع بصحة سليمة إذا كانت البيئة الطبيعية ملوثة، في مقابل استحالة الوصول إلى بيئة سليمة في مجتمع تتدهور فيه صحة الإنسان. فالحفاظ على التوازن بين كليهما أمر ضروري، ولا سيما في ضوء التحديات الناشئة نتيجة أنماط الحياة الحديثة والقضايا المناخية والصحية المستجدة.
إن معدل الوفيات المنسوبة إلى العوامل البيئية آخذٌ في الارتفاع، وهو يقدّر حالياً بنحو 23 في المئة من مجموع الوفيات في المنطقة العربية. كما ان الأخطار البيئية مسؤولة عن نحو 23 في المئة من العبء الإجمالي للأمراض في المنطقة أيضاً.
اثر البيئة على صحة الإنسان ورفاهية عيشه ليس بالأمر الجديد. إلا أن الترابط بين الإثنين يكتسب اهتماماً أكبر الآن، بينما العالم واقعٌ في قبضة جائحة فيروس كورونا. ضمن هذا السياق، فإن موضوع التقرير السنوي للمنتدى لسنة 2020 ، يأتي في الوقت المناسب، لاسيما وان إحدى استنتاجاته الرئيسية هي أن الوباء كشف نقاط ضعف متعددة لأنظمة الرعاية الصحية العربية.
ونبه التقرير الى ان العلاقةُ بين الصحة والبيئة لا تزالُ ضعيفةً في المنطقة العربية مع أنه صدرتْ “الاستراتيجيةُ العربيةُ للصحةِ والبيئةِ” في إطارِ عمل للفترة 2017 – 2030 في سعيهِا المتّسق لتقليص عبءِ المرض والعجز والموت المبكر الناجمِ عن المخاطر البيئية، وكذلك في تنسيقِ أنشطةِ جامعة الدول العربية ومنظمةِ الصحةِ العالمية وبرنامجِ الأمم المتحدة للبيئة لدعمِ هذه الجهود.
وأشار التقرير الى مجموعة من العوامل الخطرة، التي واجهت المنطقة العربية، من ينها ممارسات التنمية غير المستدامة، وحالات الطوارئ الإنسانية الناجمة عن النازحين واللاجئين، والتوسّع الحضري السريع، وتضاؤل الموارد الطبيعية، وتدهور الأراضي، وزيادة التفاعل البشري مع الحيوانات. وقد أدّت عوامل الخطر هذه إلى العديد من العواقب الملحوظة، كتلوث الهواء وإدارة مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة على نحو غير ملائم، وأخيراً وباء كورونا المستجد. يُعدّ تلوث الهواء من أكثر المشكلات البيئية شيوعاً في البلدان العربية، وتتزايد الوفيات الناتجة من سوء نوعية الهواء بشكل ملحوظ. كما ان العصرنة والنمو السكّاني يولّدان أيضاً المزيد من النفايات، التي تُعالج بعد ذلك بطريقة سيئة، الأمر الذي يزيد المخاطر الصحية تفاقماً. إلى ذلك، كشفت جائحة كورونا المستمرة منذ نهاية 2019 ضعف أنظمة الرعاية الصحية في المنطقة العربية، والقدرة المحدودة في معظم البلدان على التعامل مع الأزمات الصحية الطارئة. كما أظهرت الجائحة أنه لا يمكن الحفاظ على صحة الناس فقط باستهداف المجموعات التي يمكنها تحمّل تكاليف خدمات الرعاية الصحية. فالهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة هو وجوب توفير “الصحة للجميع”، وليس للقادرين فحسب.
وناقش التقرير العوامل البيئية الرئيسية التي تؤثر على مختلف جوانب صحة الإنسان في البلدان العربية،
حيث تتناولت فصول التقرير السبعة العلاقة بين الصحة والمياه والهواء والنفايات وتلوث المحيطات وتغيُّر المناخ، فضلاً عن التقدم والعقبات باتجاه تحقيق محتوى الصحة البيئية لأهداف التنمية المستدامة.
ونبه التقرير الى أن: أكثر من 676 ألف مواطن عربي سوف يفقدون حياتهم قبل الأوان سنة 2020 نتيجة التعرض للمخاطر البيئية التقليدية.
وتشمل الأمراض المدفوعة بالأسباب البيئية في البلدان العربية أمراض القلب والأوعية الدموية، والإسهال، والتهابات الجهاز التنفسي، والسرطان.
وحدد العوامل الرئيسية للأخطار البيئية لهذه الأمراض، وهي تلوث الهواء الخارجي والداخلي، وعدم توافر المياه النظيفة، والتلوث البحري، والتمدد الحضري غير المنضبط، وتدهور الأراضي، والتعرُّض للنفايات والمواد الكيميائية الضارة.
بالنسبة للمياه، أشار الى ان جائحة كوفيد-19 سلطت الضوء مجدداً على الافتقار إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية الآمنة.
- يفتقر نحو 50 مليون عربي إلى خدمات مياه الشرب الأساسية، كما ان 74 مليون شخص في المنطقة لا يحصلون على خدمات الصرف الصحي الأساسية.
- خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة السيئة هي السبب في 40 ألف وفاة مبكرة سنوياً، كان في الإمكان تجنّبها.
- 9 دول فقط من أصل 22 دولة عربية تسير على الطريق الصحيح لتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة من حيث المياه النظيفة والصرف الصحي.
- أدّت الحروب وتدفّق اللاجئين إلى زيادة الضغط على موارد المياه الشحيحة أصلاً.
- يتعيّن على البلدان تطوير وتنفيذ برامج المياه والصرف الصحي، والتزام التمويل الكافي، وتعزيز الظروف والإجراءات التي تجعل تنفيذ السياسات والقوانين والخطط القوية ممكنة.
وبالنسبة للهواء فان مستويات تلوث فيه قد تتجاوز ما بين 5 و10 أضعاف الحدود التي وضعتها منظمة الصحة العالمية. وان مدناً عربية عدة تُعدّ من المدن الـ 20 الأكثر تلوثاً في العالم.
- سُجّل ارتفاع كبير في عدد الوفيات التي تُعزى إلى تلوث الهواء الداخلي والخارجي.
- العبء الإجمالي للمرض الناجم عن تلوث الهواء آخذ في الازدياد، مع ارتفاع معدل انتشار أمراض القلب والرئة، والإصابة بالسرطان، والمزيد من حالات الربو.
- أشاع ظهور فيروس كورونا وانتشاره إحساساً إضافياً بالضرورة الملحّة لتحسين نوعية الهواء، إذ أظهرت الدراسات أدلّة على العلاقة بين تلوث الهواء وزيادة الحالات وحدّتها.
ويتعين تحسين مستويات تقويم المخاطر الصحية المستندة الى معلومات، بناءً على دراسات رصد الهواء والنمذجة، التي ستزوّد صانعي السياسات العرب الأدوات الصحيحة للحدّ من تأثير تلوث الهواء على الصحة العامة.
ونبه التقرير الى تزايد توليد النفايات الصلبة في المنطقة العربية بمعدّل يُنذر بالخطر، نظراً إلى النمو السكاني السريع والتوسع الحضري المنفلت والتغيُّرات في أنماط الاستهلاك والإنتاج.
- إبرز المشاكل الصحية التي تُعزى إلى إدارة النفايات على نحو غير ملائم: إضطرابات الجهاز التنفسي، التهابات العين، التهابات الجهاز الهضمي.
- 53 في المئة من كل النفايات تُرمى عشوائياً بطريقة غير صحية.
- زادت جائحة كوفيد-19 من استعمال المواد ذات الإستخدام الواحد، مثل الأقنعة والقفازات، مما ولّد المزيد من النفايات الخطرة.
- استبدال مرافق النفايات القديمة بأخرى جديدة يمكن أن يقلّل من المخاطر الصحية المرتبطة بها وتوقف انتشار الملوثات.
- اعتماد نهج دائري لإدارة النفايات، يقوم على التخفيف واعادة الاستعمال والتدوير، يُعتبر أمراً بالغ الأهمية لإضعاف التأثير الضار للنفايات على صحة الإنسان والطبيعة.
وأكد التقرير بان صحة السكان العرب تتأثّر بالتصريف المباشر لمياه الصرف الصحي غير المعالجة في المناطق الساحلية، والتنقيب عن النفط واستخراجه في البحر، ورمي المواد البلاستيكية الدقيقة.
- تُنتج الدول العربية نحو 12 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي سنوياً، يُعالج أقل من 60 في المئة منها، ويعاد استعمال نصف كمية المياه المعالجة. أما الكمية المتبقية فتصرف بمعظمها في البحار.
-يمكن أن تؤدي مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى انتشار الأمراض بين البشر.
- تسبّب التنقيب عن النفط واستخراجه ونقله في تلوث كبير للبيئة البحرية، كما تسبب في تلوث الأسماك، التي يستهلكها البشر لاحقاً، بالمعادن الثقيلة.
- ثمة حاجة إلى مزيد من البحث لاستكشاف التأثير المباشر لحالة البيئة البحرية على صحة الإنسان في المنطقة العربية، مع التركيز على مسببات الأمراض ونقل السموم إلى الإنسان ومقاومة مضادات الميكروبات.
وتوقف التقرير ملياً عند تغيُّر المناخ، مشيراً الى ان الآثار الصحية المباشرة لتغيُّر المناخ تشمل: أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي وضربات الشمس. ومن المتوقع أن تؤدي زيادة الحرارة درجة مئوية واحدة إلى زيادة معدل الوفيات بنسبة 3 في المئة.
وان قضايا الصحة العامة مفقودة عموماً ضمن الاستراتيجيات الوطنية للتكيُّف مع تغيُّر المناخ.
وتفتقر المنطقة إلى حدٍ كبير إلى خطط التكيُّف الوطنية التي تتناول الاستجابات التشريعية والعملية، بناءً على المخاطر الصحية المتوقعة، لموجات الحر والظواهر الجوية الشديدة وتلوث الهواء والأمراض المعدية.
وتحتاج البلدان العربية أن تكتسب فهماً أفضل للعوامل المختلفة التي تؤثر على نتائج تغيُّر المناخ على الصحة، من أجل تصميم استراتيجيات فعالة للتخفيف والتكيُّف، تلبّي الحالة الخاصة بكل بلد، مع تأثيرات مباشرة وواضحة على صحة السكان.
وأكّد التقرير أنه لم يعد في الإمكان إنكار تأثير المخاطر البيئية على صحة الإنسان. وعند النظر إلى المنطقة العربية على وجه التحديد، وجد أن الإفتقار إلى المياه المأمونة، وزيادة توليد النفايات وسوء طرق التخلص منها، وتغيُّر المناخ، وتلوث البيئة البحرية، كلّها عوامل ذات تأثير سلبي ملحوظ على صحة السكان. ودعا التقرير إلى تبادل الخبرات في التخصصات المتعلقة بالصحة والبيئة عبر البلدان العربية، مع تكثيف التعاون الإقليمي، بما يشمل التأهب للطوارئ لمواجهة الكوارث الصحية والبيئية.
واختتم التقرير بأنه لطالما كان الترابط بين البيئة الطبيعية وصحة الإنسان مصدر قلق جدي، لكن خطر تفشّي الأوبئة يضعه اليوم في مركز الصدارة. الآن، أكثر من أي وقت مضى، بات واضحاً أن البيئة الطبيعية الصحية هي شرط أساسي لصحة البشر.
وأنه ثمة حاجة إلى تبادل الخبرات في التخصصات المتعلقة بالصحة والبيئة عبر البلدان العربية، مع تكثيف التعاون الإقليمي، بما يشمل التأهب للطوارئ لمواجهة الكوارث الصحية والبيئية.
ويبقى إنشاء نظام رعاية صحية أولية، بما في ذلك التثقيف الصحي، مهمة ملحّة. وفي نهاية المطاف، تبقى الحاجة إلى استراتيجيات إقليمية تحدد أهدافاً مشتركة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.