لاتتعب نفسك في البحث عن بلد تتشابه فيه الأحداث مع العراق، وأن وجدت بعضاً من التشابه هنا وهناك، فأن تفرد الفوضى في العراق طاغ في جميع المجالات .
أن ماحدث ومازال يحدث منذ الاحتلال، من فوضى عارمة وفساد نوعي وغير مسبوق منذ تأسيس الدولة العراقية قبل قرن من الزمان، تجاوز سيناريوهات المخططين له والمستفيدين منه، ليصل الى حافات انهيار النظام برمته، بعد أن خرجت الاحداث عن سيطرتهم في أكثر من توقيت ومكان، فتداركوا أمرهم بالموافقة على استقالة (حكومة)، واللعب على الوقت لتجاوز الذروة، في سابقة أولى وخطيرة لم يحسبوا لها( قبل حدوثها) حساب .
حين ضاقت المخازن بملفات الفساد المغطى بالتوافق السياسي، بعد مقاربة حصصه مع خرائط توزيع المناصب والمسؤوليات في مواقع السلطة على مساطر الطائفية، اعتمدت السلطات شعار حماية الفاسدين مسؤولية مشتركة، على قاعدة ( ملف مقابل ملف ) لضمان الأمان لجميع اللاعبين .
لكن وصول مستويات البطالة والفقر والامراض وسوء الخدمات الى حدودها المرعبة في العراق، خول حياة المواطنين الى جحيم لايطاق، فجاءت انتفاضة تشرين العارمة لتسقط الستار عن منظومة السلطات برمتها، التي قامرت بارواحهم ونهبت ثرواتهم و لم تحسب حساباً لمستقبل أجيالهم .
لقد تجاوزت السلطات مسؤلياتها في حماية المتظاهرين السلميين، لتكتب بالرصاص والغاز قوائم طويلة من الشهداء والجرحى الابرياء، ناهيك عن جرائم الاغتيال والخطف والتغييب، للناشطين المطالبين بحقوق الشعب المشروعة، والمكفولة بالدستور والقوانين .
في العراق وخارجه، هناك مراقبة مستمرة لتسلسل الوقائع والاحداث، وتطوراتها وتفاصيلها والفاعلين فيها والضحايا والدوافع والنتائج وردود الافعال، وباتت الوثائق والارقام والتوقيتات شهادات ادانة بالصوت والصورة للجهات والافراد المسؤولين عن الجرائم الكبرى، ناهيك عن الشهادات الحية للمشاركين والشهود .
على هذا يرقى الصمت على الفساد الى مستوى المشاركة فيها، وهو تصرف لا يقبل الجدل والمخادعة في التفسير والتأويل تحت أي ظروف، لأنه يتعلق بسفك الدماء ونهب الثروات و قمع الحريات وتعريض حياة الناس للمخاطر في الحاضر والمستقبل .
إن أبواب المواجهة بين الشعب وقوى الفساد باتت مفتوحة على مصاريعها، لأنها السبيل الوحيد لعبور العراقيين الى ضفة الأمان والحياة الكريمة التي يستحقونها، وهي سفينة نجاتهم من طوفان الخراب الذي يعيشونه، ومؤهل ركوبها هي الوطنية، بطاقة الذمة الصادقة والبعيدة عن الفساد، وعن سموم والطائفية .