لم يعد خافيا أن عملية نمو متواصلة ومتراكمة تقوم على تحريك ديناميات الاقتصاد لا تتم الا عبر تحريك كافة قطاعاته الاقتصادية، والاستثمار الأمثل لخيراته الاقتصادية المتاحة وموارده الطبيعية من دون اصدار المزيد من أوراق ملونة عبر منطلقات نظرية مؤدلجة لا تنتمي الى الواقع بصلة.
إن أية مبادرة حكومية لرسم سياسة اقتصادية تتخطى خيبات السياسات السابقة لابد ان تأخذ في الاعتبار مجمل التحديات التي تواجه هذه العملية التنموية، فحسب العديد من المراكز البحثية المهتمة بالشأن الاقتصادي ومنها على سبيل المثال معهد بروكغنز، أن ما يؤدي الى فشل النمو الاقتصادي في دول بينها العراق تتمتع بموارد طبيعية مرتبط بعوامل الصراع السياسي وفساد قواه النافذة ما يؤدي الى عدم الاستقرار الاقتصادي. بيد أن التحديات التي واجهت النمو الاقتصادي منذ عام 2003 وما زالت أكبر مما تلخصه هذه الدراسات على المستويين الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الداخلي هناك تفاقم حدة الصراعات من اجل الاستحواذ على السلطة والمكاسب عبر فرهدة الموارد المالية من خلال التزوير والاحتيال في المشاريع الوهمية المبالغ في تكاليفها. وما زاد في حدة هذا الصراع هو الاعتماد على الريع النفطي وفشل الاصلاحات الحكومية المتمثلة بفرض نظام ضريبي عادل نتيجة لانتشار المحسوبية وضعف المساءلة التي لو مورست بجدية واخلاص لشكلت جوهر الاجراءات الناجحة لبناء الدولة. والأهم في مجمل هذه التحديات هو غياب العقد الاجتماعي الراسخ بين النخب الحاكمة والشعب من خلال الفشل في تحقيق المطالب الاجتماعية مثل تحسين مستوى الخدمات وقلة فرص العمل وتعاظم التشظي السياسي في سباق محموم لتوسيع قاعدة الناخبين والمؤيدين.
وتلعب التدخلات الخارجية دورا مباشرا في رسم السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتي حولت العراق الى ميدان للتحديات الجيوسياسية ولعل ابرز تجليات هذه التدخلات سعيها المستمر في الضغط لإيقاف المشاريع التنموية وتعطيلها عن تلبية الحاجة الداخلية، فعلى سبيل المثال أن العراق بلد نفطي ذو وزن مؤثر في الدول المنتجة للنفط ولكنه لم يعر اهتماما لإنتاج الغاز في وقت مبكر لسد الطلب المحلي كوقود لتشغيل محطات الكهرباء او تعطيل الاستثمار في عمليات تصفية النفط لكي يقوم العراق باستيراد المشتقات النفطية من دول الجوار بمليارات الدولارات فضلا عن تعطيل القطاع الزراعي وتقليص الدعم الحكومي لكي يتم استيراد السلع الزراعية وينسحب الامر على المنتجات الحيوانية .
إن الاساليب الأكثر نجاعة في تنشيط النمو الاقتصادي تكمن في اعتماد أقل على النفط في تغطية النفقات التشغيلية في جهاز الدولة المتعب وتوظيفه في عمليات الاعمار في البنى التحتية المتدهورة أصلا، واعادة النظر في عقود التراخيص وتعزيز الثقة بين السلطة والشعب عبر العقد الاجتماعي الذي يعيد الثقة المفقودة ووضع نموذج اقتصادي فاعل يعمل على تنويع مصادر الدخل واتباع سياسات ضمن اطر سياسية متوازنة تعمل ايجابيا في خدمة مصالح العراقيين كافة عبر تطبيق العدالة الاجتماعية.

عرض مقالات: