تنهمك الحكومة العراقية حاليا في حل ألغاز الأزمة المالية الراهنة التي تجسدت قبل كل شيء في توفير رواتب موظفي الدولة، ومع أنها في كل عام حينما تجري مناقشات الموازنة التي تخطط لها على أساس التوقعات في حجم النفقات العامة والموارد المالية تجد نفسها في ورطة أسوأ من سابقاتها فما أسباب ديمومة هذه الازمة؟
ليس بدون فائدة مراجعة بيانات الموازنات السنوية للفترة من عام 2003 حتى عام 2019 والتي بلغت 1258 مليار دولار، أي ما يعادل 1450 تريليون دينار، وأن نسبة المنفق من الايرادات المالية الاجنبية 99،5 في المائة من حجم الايرادات الكلي، وفضلا عن ذلك بلغ حجم التنفيذ المالي للموازنات السنوية 489 مليار دولار أي ما نسبته 70 في المائة، ناهيك عن المنفق على الاستيرادات الحكومية وعقود التراخيص النفطية والمدفوعات العسكرية وخدمة الديون الأجنبية وسواها.
ومن السهل على المتابع ملامسة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الافراط في الانفاق الحكومي في أوجه استهلاكية ناتجة عن مضاعفة القوة الشرائية التي تجسدت في تضخم الجهاز الاداري وتعاظم نفقاته التشغيلية والزيادة المفرطة في عرض النقد المقترن مع سوء الادارة المالية، ويقف على رأس كل هذه الاسباب عمليات الفساد والهدر المالي الناتج عن فشل الادارات الحكومية عبر عقود وهمية وانتهاك للعقود المبرمة، وكثرة شراء السيارات للأغراض الشخصية مع ما تتطلب من نفقات لتغطية الوقود والصيانة، والاعظم من كل ذلك عبء الرواتب الناتجة عن تعيينات لا حاجة بها الا لأغراض انتخابية .
إن ضعف الإدارة المالية وفشلها في ضبط ايقاع الانفاق العام قد وفر ثروات للكثير من القوى السياسية وتمثلاتها في اللجان الاقتصادية المنتشرة في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة التي استحوذت على هذه الثروات من المشاريع الوهمية ونفوذها على نافذة البنك المركزي والمضاربات المالية في السوق الموازية، وكل هذه الثروات لم تتحقق لولا عجز البرلمان عن أداء دوره الرقابي وتغييب الحسابات الختامية عند مناقشة الموازنات السنوية في انتهاك للمواد الدستورية ذات الصلة، ولهذا تشير البيانات الحكومية أن مجموع المبالغ المسروقة والمهربة تصل منذ عام 2006 الى 360 مليار دولار .
ان هذا الخلل الكبير في هدر الأموال العامة لا يتأتى من خلال الضغط على رواتب موظفي الدولة حسب منطق الورقة البيضاء وإنما عبر وسائل أكثر فعالية نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:
- وضع برنامج حكومي واضح يتعلق بمراجعة وتدقيق شامل للنفقات الحكومية بأدق تفاصيلها وتحديد أوجه الهدر والانفاق في غير احتياجاتها الملحة.
- مراجعة شاملة لمصادر التمويل وتشمل المنافذ الحدودية وجرد ممتلكات الدولة وخاصة العقارات في الداخل والخارج ومراجعة عمليات بيعها وايجارها منذ عام 3003 بما يتلاءم مع اسعار السوق في أوانها.
- اصلاح النظام الضريبي وتحديث جهازه واصلاح اداراته وتحسين ادوات عمله وعصرنتها بما يشمل الضرائب التصاعدية والسيطرة التامة على الوعاء الضريبي ومنع التهرب.