تجزأت مطالب الانتفاضة حسب عائديتها القانونية  بين سلطتين، التنفيذية من جهة والتشريعية من جانب اخر. فاذا ما تجلى منها على الناصيتين. يمكن ان نقرأه بدءاً في لوحة التشريع الذي حصل حينما ايقظت الجموع الثائرة البرلمان الذي امسى شبه غافِ، وارغمته على التعامل مع ما يعنيه انجازه من حقوق الجماهيرالثائرة. رغم ممارسته لأخس الاساليب، بغية لي عنق القرارات المطلوبة. مع ذلك فلم تسلم من الثلم  تلك الفقرات موضع الجدل في احسن صيغها النهائية، لاستكمال قانون الانتخابات، الذي ما زال عصياً على الولادة السليمة لحد الان، رغم ما يقال عنه قد " انجز". ان هذا الواقع قد اضحى يعلن عن نفسه، من خلال عملية التشريع في اروقة مجلس النواب. الذي لم يتلامس مع ارادة الجماهير المنتفضة. ويبقى المحور الذي يحظى بتطلع  أكبر وبالأهمية البالغة لدى الناس في صدد تحقيق المطالب هو ما تختص به السلطة التنفيذية.

            واذا ما كانت السلطة التشريعية قد خرجت بقرارات مثلومة. فان الجهة التنفيذية ينطبق عليها المثل القائل: " ان شهاباً اتعس من اخيه " ولا بد في سياق الحصر والتأكيد نشير الى دور السيد الكاظمي باعتباره قابضاً  على عتلة التنفيذ في الظاهر طبعاً. لذا يغدو ذلك مدعاة لفحص خلاصات الاجراءات التنفيذية المعنية بتحقيق مطالب الانتفاضة. حيث يتضح للمتابع الى انها تميل الى فتح ابواب اوكار الفساد الثانوية وبتوجس حذر، وتترك المنافذ الاخرى مشرعة للزوغان وافلات الفاسدين. وعلى  سبيل المثال وليس الحصر. يبقى الفاسد الملقى القبض عليه يتمتع باملاكه المنقولة وغير المنقولة التي سرقها، ولم تجمد في أقل تقدير. لان مواضع الدلالة على جريمة الفساد تتمثل في املاكه بمختلف صورها. الأمر الذي يتيح له او لعائلته ولشركائه الفرصة السانحة لتضييع ليس الادلة فحسب، وانما حتى القرائن البسيطة التي تدينه. هذا اذا ما كان قد موهها مسبقاً وبجدارة فساد واحتيال من طراز هذه الايام.

            والحالة تبدو متكررة في مستوطنات الفساد الاخرى ضمن مواقعها الاكثر خطورة. اي المنافذ الحدودية حيث السرقات تتسم بالازدواجية فهي لا تقتصر على سرقة الاموال فحسب وانما تسرق الامن القومي ايضاً، عبر التجاوز على السيادة الوطنية. فما يحز بالنفس حقاً ان يكتفي رئيس الوزراء بتعزيز الحراسة او تغيير الاشخاص، ومن ثم يركن الامر على رفوف التأجيل، دون ادراك ان بقاء الاجراءات بهذه الصيغة ستمنح الفاسدين وقتاً كافياً للتأقلم مع ما استجد من اجراءات، وايجاد السبل المموهة لمعالم فسادهم، التي يمكن ان تسمح له ان يمر بغطاء " مقنن " من شأنه محو اي غبار عنه. وبمعنى من المعاني يبقي الفساد شبيه بعشبة " الثيّل " التي مهما حصدتها سرعان ما تنمو جذورها الباقية بحيوية أقوى من السابق. خلاصة القول: قد جنب السيد الكاظمي نفسه المماحكة المباشرة مع مافيات الفساد. وتوقف عند حدود المنع الشكلي، وليس الملاحقة والمعاقبة القانونية.

ان ما قيل قد تم تنفيذه من مطالب الجماهير المنتفضة ما هو الا النزر القليل المثلوم، او المعلن بعناوين مجردة في طريقها الى عنابر التأجيل، التي تضخمت الى حد الاختناق. على غرار المشاريع الوهمية، التي يمتلئ بها البلد دون معرفة اصلها وفصلها ومستقبلها. ومن موجبات القول ان السيد الكاظمي لم يحقق اي مطلب يمكن ان يسمى له انجازاً ملموساً، فيما يخص مجاله التنفيذي المتعلق بمكافحة الفساد، اوملاحقة قتلة المتظاهرين، وحصر السلاح بيد الدولة، ومعالجة الاوضاع الاقتصادية وفي مقدمتها ايقاف فساد مزاد العملة. سوى وعود غير ثابتة بل سارحة في فضاء الاهمال المقصود اي "بروبكندا " لعل الناس تغفو على وسادة الوعود. و" يفكون ياخته " كما يقال.

عرض مقالات: