تسارع التطور العلمي في العالم يشمل جميع مفاصل الحياة وبسرعة فائقة، فالدول المتطورة الكترونيا وعلمياً تتمكن من اللحاق بهذا التطور أما دول العالم الثالث فغالباً ما تكون متخلفة عن ذلك التطور للأسباب أدناه فإنها لا تستطيع اللحاق وبذلك تكون متأخرة مما ينعكس على شعوبها ودولها.

إن العملية التربوية بكل مفاصلها متكاملة ومكملة الواحدة للأخرى لتشكل عوامل نجاحها دون التوقف في أية محطة تعيق تواصلها مع الطلبة في إيصال المادة إليهم بسلاسة ودون تعقيد، وبذلك تحافظ على وتيرة التعلم بيسر. ولكن ما حصل في بلدنا من عقبات في نهاية 2019 –  2020 وإلى اليوم، كان له الأثر الكبير في تعثر العملية التربوية فالتظاهرات الاحتجاجية للشباب الثائر ضد المحاصصة والفساد، أدى إلى تعطيل الدراسة ثم لحقتها كارثة كورونا التي عطلت جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العالم عامة وفي بلادنا، مما دعا الحكومة الى فرض منع التجوال الجزئي أو الكلي في أحيان أخرى والحجر الصحي للمواطنين.

أما بالنسبة للتربية والتعليم فقد نال الحصة الكبرى من الضرر الذي لحق بالبلد، بسبب التوجيهات العشوائية البائسة التي تصدرها الجهات التربوية والمعنيون بالتربوية والمسماة ب (هيئة الرأي في وزارة التربية) هذه التوجيهات العشوائية والتي يظهر أن أغلبها متسرعة وغير مدروسة من خلال تواترها وإلغاء الكثير منها، وكانت تعمم الى جميع المدارس ولجميع المراحل المنتهية وغير المنتهية، لتعود فتصدر غيرها لتلغي ما صدر منها، وهنا يظهر التخبط العشوائي في التوجيهات والتعليمات والذي ينم أما عن جهل المشرفين بأمور التربية أو عدم منح تلك اللجان الوقت الكافي للخروج من هذه الأزمات ووضع الحلول الملائمة .. ولحد اللحظة فإن التعليمات تعد توجيهات غير مؤهلة، أما المدارس فما أن تتهيأ إداراتها للعمل عليها حتى تستلم توجيهاً آخر يلغي ما قبله. ومنها إقامة (منصة نيوتن)، فقد صدرت تعليماتها والالتزام بأن يكون عدد طلاب الفصل الواحد هو (15) طالباً، وهذا إجراء جيد ولكن ألا تعلم (هيئة الرأي في التربية) أن هنالك مدارس تضم أعدادا كبيرة في الفصل الواحد يتراوح مابين (60 إلى 75) طالباً، وهذا يعني أن (الشعبة الواحدة) ستقسم إلى خمسة شعب، فلو فرضنا أن الصف الأول المتوسط فيه عشر شعب و(70) طالباً لكل منها، فذلك يعني أنه يجب تخصيص (47) صفاً لمرحلة واحدة، والكلام ينطبق على المراحل الأخرى ... هذا إن صحَّ، فكيف ستكون حالة المدارس ألثنائية الدوام أو ألثلاثية ؟ وكيف يكون توزيع الحصص والأيام على المدرسين؟ أما مسألة تباعد الطلبة في قرارها الملزم، ممكن أن يكون داخل الصف ولكن هل يحصل ذلك التباعد في الساحة وقت الاستراحة والتزاحم على حانوت المدرسة؟ وماذا بشأن المدرس الذي يقترب من طلابه أو يفتش واجباتهم وغيرها، وبذلك يكون المدرس هو الضحية ...

 يبدو من ذلك أن التباعد لا يحل مشكلة، ناهيك عن الطلبة المصابين أو الملامسين والذين لا تظهر عليهم، وهنا ستقع ذات الكارثة والتي لم تحسب التربية لها حساب، والكل يعرف أن نظام التعليم ينص على إن الطالب لو أصيب بـ (مرض معدٍ) فإنه يمنح إجازة مرضية إلزامية ويمنع من الاختلاط بالطلبة.

وهنالك توجيه بتقسيم المراحل الدراسية بالدوام ثلاثة أيام لكل مرحلتين أو تحويلها إلى (صباحي وعصري).. هذا ممكن أن يحصل في المدارس المتوسطة ولكن كيف سيكون في المدارس الثانوية أو الإعدادية؟ أما تقسيم مواد المنهج الى مواد علمية ممكن تدريسها في المدارس وبحضور الطلبة كـ (اللغة العربية، اللغة الإنكليزية، الرياضيات، الفيزياء والكيمياء.. الخ) والمواد الأخرى كـ (الإسلامية والتأريخ والجغرافية والوطنية) فإنها تدرس على المنصة الإلكترونية والطلبة في منازلهم، وهنا أُذكّر بما عانى منه المدرسون. 

معوقات استخدام المنصة التربوية

استخدم المدرس المنصة التربوية طيلة الفترة السابقة من الشهر الثاني من العام 2019 ولحد الشهر الخامس وهو موعد امتحانات الشهر الأول من الكورس الثاني.. والجميع يعلم بما حصل من معوقات في هذا المجال منها أن العديد من الطلبة لا يمتلكون أجهزة موبايل لعدة أسباب، أو عدم وجود الانترنت في منازلهم لعدة أسباب، علاوة على الانقطاع المستمر للكهرباء وعدم استقرارها.. تلك الأسباب مجتمعة وغيرها كانت من المعوقات التي واجهت المدرس في إنجاح المنصة الالكترونية. أما الأسباب الرئيسية لفشلها رغم المحاولات التي بذلها المدرس من أجل إنجاحها فهي خارج إرادة الأجهزة التربوية وخارج إرادة المدرس حين يكون الانترنت ضعيفاً أو مقطوعاً في بغداد والمحافظات أو انعدامه في المناطق الريفية والنائية، ثم محاولات الكثير من الطلبة التهرب من الامتحانات بحجج واهية كانقطاع الكهرباء أو انقطاع الانترنت، وكذلك حدوث حالات الغش بين طلبة الجامعات كأن يستعين ألطالب بأحد أصدقائه أو غيرهم ليحل له الأسئلة وهذا ما حدث فعلاً.. 

ومازالت التربية وهيئة الرأي في بحث دؤوب عن الحلول لمثل هذه المشاكل المستعصية، ولكنها كما يبدو فإنها لن تصل إلى حلول ترضي إدارات المدارس والمدرسين والمشرفين والطلبة على حد سواء. والسبب الرئيس هو الإهمال الواضح من وزارة التربية وانشغال المسؤولين عن التوجه الجاد نحو التربية، ما أدى إلى فشل العملية التربوية، إذ كان من المطلوب أن تواكب التطور الحاصل في الدول المتقدمة بعقد الاتفاقات والبروتوكولات الثقافية وتبادل الخبرات معها والتي سعت وتسعى إلى الاهتمام الجاد بحقل التربية وتطويره وخاصة الالكتروني والذي وصلت إليه قبل وصول الوباء الكوروني، لذلك تجد أن أغلب الدول ومنها اليابان والصين والسويد والنرويج وحتى بعض الدول العربية كانت مستعدة لمواجهة أي من تلك الظروف ومنها كورونا، حيث بدأت باستخدام التعليم الالكتروني عندما حصل الوباء وبدا ألأمر طبيعياً بتحويل التعليم إلى ألكتروني. فالسويد مثلاً قررت وخلال عامين أن التعليم سيكون متاحاً لكل إنسان وأن يتخرج من الجامعات رسمياً ومجاناً ووعدت طلبتها أنها في العام 2030 سوف لن ينتظموا في فصولهم الدراسية بل يتلقون تعليمهم في منازلهم، وكذلك الولايات المتحدة ألأمريكية التي قررت أنها في العام 2030 ستلغي الصفوف وتتحول إلى جامعات رقمية.

مقترحات

أما (هيئة الرأي) فمازالت الحلول تحيرها، منها تأجيل الدراسة شهراً أو شهرين أو تقليص الدراسة إلى يومين أو ثلاثة لكل مرحلة أسبوعياً، أو اعتماد المنصة الالكترونية، أو حذف فصول من المنهج المقرر أو تأجيل الدوام حتى زوال كورونا.

 ... وهنا أقول هذا لا يمكن وضعه ضمن الحلول لأن كورونا تدخل العالم بمراحل متعددة،

وتبقى وزارة التربية تعيش في دوامة من أمرها وسبل تعاملها التعليم مع الوباء وعدم السيطرة عليه بسبب الوضع الصحي المنهار... وهنا أضع أمام وزارة التربية بعض الحلول المتواضعة التي قد تحل أو تخفف وتساهم في ضمان وسلامة المدرس والطالب والتعليم:

أولاً - حضور المدرس الى المدرسة لألقاء محاضراته في الصف لتوفر جميع وسائل الإيضاح ونقل تلك الدروس للطلبة كـ (بث مباشر).

ثانياً - ألكثير من المدارس تتوفر فيها منظومة كاميرات يمكن الاستفادة منها في تسجيل المحاضرات وبثها عن طريق (Wats up-Telegram).

ثالثاً - لكي يتم العمل بالفقرتين أعلاه يقتضي العمل على تقوية البث في شبكة الأنترنت وتوفيرها مجاناً  ... وهنا لابد من (التضحية). بدلاً من ترك الموضوع على هامش (التجربة).

رابعاً - بالنسبة لطلبتنا في الجامعات فبإمكان الأساتذة الاستفادة من الحدائق ضمن حرمها لقلة أعداد الطلبة وحتى إجراء الامتحانات في الهواء الطلق..