تعد المحاصصة أبرز متغير سلبي صعد مع تغيير النظام الاستبدادي في العام 2003على يد قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، فبعد حكم الحزب الواحد ذو النزعة العسكرية الشمولية المناطقية، جاءت التجربة مختلفة في اطرها العامة. من المعلومات في ادبيات الديمقراطية انها ترتكز على الانتخابات، والتداول السلمي للسلطة، ومنح الشعب حرية الاختيار، وانتخاب ممثلية بصورة دورية لكل اربع سنوات على مستوى المجلس النيابي وكذلك الحكومات المحلية، ومنح حرية تأسيس الأحزاب والكيانات السياسية، لكل هذه المرتكزات وغيرها من العناصر السياسية التي نظمت وفق ما جاء في دستور عام2005والذي هو احد العناصر الجديدة التي وضعت بعد تغيير النظام الاستبدادي غير القانوني ، وهي وان كانت في التقييم العام مبادى إيجابية للغاية، فانها شوهت ، ومن الملفت أيضا ان هذه المبادئ جاءت في بيئة جيوجغرافية وجيوسياسية شهدت لعقود من زمن الشمولية السياسية، وسيطرة حكم الحزب الواحد، وانعدام الثقافة السياسية المواطناتية، وشيوع ثقافة الهويات الفرعية المكوناتية والطائفية، بمعني ان الحكم تحت الحزب الواحد، وسيطرة حكم الرجل السياسي العسكري.
كل هذا جعل من المواطنين في العراق يقدمون الانتماءات الاثنية والهوية الفرعية على هوية الوطن والدولة الدستورية الجامعة، وليس مستغربا عندما ترى المواطن بعد التغيير في العام 2003يقدم هويته المكوناتية والطائفية على الهوية السياسية الوطنية، كرابطة جامعة ينضوي تحتها كل المواطنين وتكون كل الروابط الأخرى منصهرة كالرابطة الدينية والمكوناتية والعرقية منصهرة تحت الرابطة السياسية القانونية الوطنية.
ولد صعود الروابط الدينية والمكوناتية والطائفية تداعيات كثيرة منها على المستوى السياسي صعود طبقة سياسية الى دفت السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية تعبر عن حالة الانقسام المجتمعي وصعود الهويات الفرعية المكوناتية والعرقية، ساهم ذلك بان يحكم العراق من قبل هذه الهويات، وعندما تحكم الهويات الفرعية فالنتيجة تغييب حكم القانون، وانعدام سيادة الدولة الوطنية، وتقاسم للمواقع السيادية والسياسية والوزارية.
وهنا تستعمل قوى المكونات والطوائف، الديمقراطية كاليه للوصول الى السلطة وتدعس عليها في سلوكها السياسي فالديمقراطية باتت تطبق بصورة مشوهه فلا هي ديمقراطية اغلبية سياسية ولا ديمقراطية توافقية ولا حتى ديمقراطية مجتمعية، فالديمقراطية التوافقية التي هي من المفترض ان تكون الأقرب للحالة العراقية لا تعبر عن سمات هذه الديمقراطية من حيث تشكيل الائتلافات السياسية كتلك المعمول بها في سويسرا على مستوى العالم المتقدم او ماليزيا على مستوى دول العالم الثالث، ولعل ديمقراطية العراق التوافقية المشوهة هي الأقرب للديمقراطية في لبنان اذ تسوده حكم الطوائف والمكونات منذ اتفاق الطائف لكن الفارق ان العراق لم ينص دستوره على التوافقية المكوناتية والطائفية، واصبح تقاسم وتوزيع السلطة عرفاً سياسياً أدى الى تداعيات كثيرة مثلما ذكرنا منها المحاصصة والتي هي الأخرى نجم عنها الفساد المالي والإداري بحكم سيطرة حالة المحاصصة وتغييب دور القانون.
ان صلاح ذلك ليس مستحيلا لكنه يحتاج الى تضافر الجهود السياسية والثقافية والمجتمعية، يساهم في ذلك الرغبة المجتمعية الشعبية في الإصلاح والتغيير ومنها حركات الاحتجاجات الشعبية وأول معالم الإصلاح والتغيير هي التغيير السياسي عبر صناديق الانتخابات ومن ثم يأتي دور المجلس النيابي، وتطبيق القانون من قبل السلطة التنفيذية بعد اقراره من قبل السلطة القضائية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*
كلية العلوم السياسية - جامعة الكوفة

عرض مقالات: