مع أن ثمة عاملاً مشتركا يجمع بين كل القادة الذين يتبعون نهج " حكم الفرد الواحد " في الأنظمة الشمولية، لكن يخطأ من يضعهم جميعهم في سلة واحدة من حيث درجة التشدد، ناهيك عن التفاوت فيما بينهم في طريقة الحكم ومدى تفهم مشاعر الجماهير والاقتراب منها بصورة أو اخرى ودرجة امتلاك عواطفها؛ أيا تكن مستويات وعي الجماهير أو شرائح عريضة منها بالديمقراطية بكل أدواتها المعروفة وبخاصة في عالمنا الثالث.

 و في عالمنا العربي مثلاً ثمة فرق هائل في سمات الشخصية بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي أمتلك الكاريزما القيادية الوطنية  في الداخل والزعامة القومية على امتداد  الساحة العربية وبين شخصية دكتاتور العراق صدام حسين الذي حاول بكل ما أوتي أن يشغل فراغه في تلك الساحة عند انقضاضه على السلطة عام 1979 وفشل في ذلك فشلاً ذريعاً ، مثلما فشلت قيادة حزبه  في عام 1963 ملء فراغ عبد الكريم قاسم المحبوب جماهيرياً بوجه عام كقائد لثورة 14تموز  ؛ والذي أعدمه البعثيون  في ثاني يوم انقلابهم  الدموي المشئوم بدار الإذاعة  في نهار يوم رمضاني في شباط من  نفس العام. وكما هو معروف؛ فرغم حمامات الدم التي ارتكبوها في ذلك اليوم لم يتوانوا عن إطلاق تعبير "عروس الثورات" على انقلابهم الفاشي حتى لو كانت هذه " العروس " مخضبة بدماء آلاف الأبرياء.  كما لم يتوانوا عن  توظيف الرقم "14" المحفور في الذاكرة الجمعية الشعبية وفي أوساط محبي الثورة والمستفيدين من مكاسبها الاجتماعية ليطلقوه على انقلابهم المشئوم بهدف سرقة عواطف الجماهير إيهاماً؛ وهكذا أسموا انقلابهم " ثورة  14  رمضان "، مع أنهم كعلمانيين مزعومين لا يتبعون التقويم العربي الإسلامي ، وهكذا فعل دكتاتورهم الأكبر بتسمية تحالف الدول الغربية العربية لإجباره على الانسحاب من الكويت ب " العدوان الثلاثيني " مع أن أغلب جيوشه كان دورها في الحرب أشبه بدور "الكومبارس" والدور المحوري القيادي كان للولايات  المتحدة، وكان يرمي من هذه التسمية استدرار تعاطف الجماهير العربية معه عبر محاولة  إسقاط مسمى " العدوان الثلاثي " لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل  الذي واجهته  مصر الناصرية ؛ وحيث وقفت ضده كل الأقطار العربية بدون استثناء،  بما فيها العراق،  بالتضامن  مع الشعب المصري والذي بفضله اكتسب عبد الناصر شعبية محلية وعربية جارفة لإفشال العدوان  سياسياً؛ مع أن ميزان القوى العسكري كان محسوماً مقدماً - بلا جدال - لصالح المعتدين، ولم يكن فشل العدوان إلا بفضل ظروف تاريخية دولية مختلفة تماماً حينئذ عن الظروف التي أقدم عليها صدام في مغامرته مطلع التسعينيات. 

وإذ عاش الطاغية المقبور " أبو رغد " وعائلته   في  رغد الحياة ؛ لما هو معروف عنه من ولع بمظاهر الترف، من بينها شغفه بتعدد القصور وخلافها من البطر بنعمة الشعب المنهوبة ؛ ناهيك عن عبث أولاده وتسلطهم على رقاب الشعب واسناد لهم مناصب متعددة رسمية وفي المؤسسات المدنية، وبخاصة أكبرهم " عدي " المستفز للجماهير، لم يُعرف عن عبد الناصر سوى عيشه واسرته  في بيت ضابط عادي مملوك للدولة يعادل بيوت متوسطي الدخل ، وأبعد كلياً أبناءه عن شؤون الحكم والسلطة وبادرت اسرته بتسليم البيت إلى رئاسة الجمهورية فور وفاة والدتهم التي بقيت فيه لوحدها سنوات طويلة بعد زواج كل الابناء تباعاً حيث  تم تحويله بعدئذ  ( قبل أربع سنوات فقط ) إلى متحف باسمه، ورغم أخطاء ناصر في سياسته الخارجية في العالم العربي، ومن ضمنها خطيئته بدعم انقلابيي  شباط 1963 ؛ فإنه لم يكن في وارد تحويل حكمه إلى وراثي كما حاول صدام ثم حسني مبارك الذي كانت محاولته التي كان يحاول أن يضمرها من الأسباب الرئيسية للثورة عليه في يناير عام 2011 ، فضلاً عن تفشي الفساد في جهاز الدولة بدءاً من أعلاه بصورة مريعة فاقت احتمال قدرة الشعب  المصري .   

عرض مقالات: