انطلقت انتفاضة الأول من تشرين الأول/ 2019 في ظل ظروف الآليات السياسية التي اتبعتها القوى المتعاقبة على الحكم منذ تغير النظام الدكتاتوري في عام 2003 والملوثة بالفساد والإقصاء والتهميش والتهجير الطائفي والخطف والقتل.. الخ اضافة الى إقصاء شريحة الشباب وتغييب دورهم بالكامل من المشاركة في بناء الدولة،وأيضا الظروف الاقتصادية الخانقة التي واجهتهم لدرجة انهم لم يتمكنوا من سد رمق معيشتهم وتحقيق احلامهم الوردية في مستقبل أفضل.
كل هذه العوامل وغيرها فجرت الشارع العراقي لينتفض شباب العراق على الواقع المأساوي والكارثي الذي يعيشه أبناء بلدنا علما بأن هذه الانتفاضة الشعبية الباسلة كان اندلاعها بصورة عفوية وبدون قيادة وتوجيه وهذا مؤشر صحي على ظهور الوعي الوطني وعودته الى الشباب بعدما حاولت القوى السياسية الحاكمة واحزابها المتسلطة على رقاب المواطنين من احتكار وعي المواطن وعلى مدى (17) عاماً.
ان من أبرز ملامح هذه الانتفاضة الشعبية هو انطلاقها بمشاركة شبابية ونسائية ملحوظة للغاية وسابقة لم تشهدها جميع الانتفاضات الشعبية التي انطلقت سابقاً في العراق اضافة الى انها كانت بمثابة ثورة مجتمعية أرعبت كافة الكتل والاحزاب السياسية القابضة على السلطة بما أفرزته من معطيات وطنية وثورية حركت من خلالها كل طبقات وفئات المجتمع العراقي لتتعاطف معها وتساندها وتلتف حولها.. فهناك من حمل الأطعمة لهؤلاء الشباب المنتفض وهناك من جاهد في سبيل اسعافهم من القنابل الدخانية والرصاص الحي والمطاطي وتضميد جراحاتهم،وهناك من عمل على تنظيم خيمهم.. الخ لذا نشاهد ان هؤلاء الشباب اندفعوا الى الشوارع والمدن العراقية وجمعتهم صور التلاحم البطولي والتكاتف الرائع وصمودهم وإصرارهم بضرورة أحداث التغيير الشامل وهم يصرخون بأعلى أصواتهم (نريد وطن.. نريد وطن) بوجه السلطة الحاكمة واحزابها وميليشاتها لدرجة أرعبت هذه الأحزاب والكتل السياسية وبالتالي حاولت هذه القوى وبشتى الطرق المتاحة قمع هذه الانتفاضة الباسلة لكنها بقيت مستمرة بالرغم من كافة عمليات القتل والخطف والتعذيب والترهيب والاعتقال.
ان هذه الانتفاضة شكلت فرصةلأعداد كبيرة من النساء ومن مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية لإيصال أصواتهن الى العالم بعد أن حذفتها القوى الحاكمة،وقد حصلن أيضا على موطئ قدم في ساحات الاحتجاجات من خلال وضع خيمة للنساء في ساحة التحرير تحت مسمى من أجل الحريات والحقوق والمساواة وللمبادرة بالتعريف عن حقوق المرأة العراقية والدعوة لمساندتها.
ان الانتفاضة التشرينية انطلقت من اجل الكرامة والعدالة والحرية وهذه المطالب الثلاثة لايمكن تحقيقها بغياب المرأة العراقية عن المشهد العام،لان حضورها المؤثر في انتفاضة تشرين الأول يعتبر أحد أهم العلامات البارزة فيها، بمشاركة أخوية وودية وادبية من جميع زملائها المتظاهرين من الذكور وقد سجل هذا الحضور والمشاركة نزعا لجدار العزل والتمييز وساهم في خلق اجواء اجتماعية وإنسانية بناءة.
ان نزول المرأة العراقية إلى الشارع تحت عنوان (نازلة اخذ حقي) برهنت على قدرتها في المشاركة بكافة شؤون الحياة العامة واستعدادها لتحمل كل المواجهات التعسفية التي مورست ضد تطلعاتها الثورية لتساهم وبقوة في ثورة الشباب وحركة التغيير المنشود رغم كل الظروف والأوضاع الملغومة في الشوارع العراقية لذا فإن الدور الذي لعبته المرأة العراقية في ظل هذه الظروف القاسية هو دور عظيم بكل المقاييس ناهيك عن استشهاد العديد منهمن برصاص الغدر والخيانة من قبل عناصر مسلحة تابعة لأحزاب ماسكة بالسلطة في مسعى لكبح دورهن الكبير والمؤثر في التظاهرات الشعبية اضافة الى كل ذلك تم الاعتداء على قسم كبير منهن بالضرب والطعن بالسكاكين والاختطاف وخاصة من كن يعملن كمسعفات في ساحة التظاهر.
ألف تحية لانتفاضة تشرين الباسلة.. انتفاضة الشعب العراقي بمناسبة الذكرى الأولى لانطلاقها وكلنا امل في تحقيق أهداف هذه الانتفاضة الشعبية الباسلة لأحداث التغيير المنشود وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.. دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية.