تعتبر الانتخابات شريان الحياة الديمقراطية، فهي من يحافظ على صحتها وتُنشط ممارسة الجماهير الشعبية سياسيا لإحدى حقوقها الطبيعية التي تسعى الدول توفيرها للمواطن تلقائيا دون مناشدة، لذا فان الانتخابات القادمة التي دعا إليها منتفضو تشرين في عام 2019، و قوبلت بالرصاص الحي الذي حصد أرواح أكثر من 700 شهيد من الشباب المنتفض، وألاف الجرحى والمعوقين، الذين يتطلب رعايتهم وأسرهم من قبل الحكومة، التي تعاني من أزمات اقتصادية غير بعيدة عن فساد الأحزاب المتحاصصة لخنق الانتفاضة التي عقد شعبنا المغلوب على أمره آمالا في كنس سيطرة المتحاصصين عن الحكم.
فالانتخابات المبكرة التي رضخت الأحزاب الولائية لوسائل صيرورتها في الأول من حزيران القادم، تكتسب أهمية كبيرة في حياة الشعب العراقي ولدى حاملي همه الذين دعوا اليها مبكرا ضمن شروط، اذا اتخذت شكلها الصحيح ورافقـت عملية إجرائها، ستوفر مساحات واسعة من الديمقراطية، وتكون ذات مصداقية مقبولة من طرف ابناء الشعب، الذين سيشاركون فيها بزخم كبير، فبدون ذلك تصبح ضربا من الخيال، لكون الأحزاب المتمسكة بالسلطة وبنهج المحاصصة المقيت، لا يعجبها إجراءاها بالشروط التي ستبعدهم عن تزويرها، كما هو حال الانتخابات السابقة التي حظيت بمشاركة طفيفة من قبل الجماهير
لقد بدأت الأحزاب المتحاصصة مبكرا بوضع العصا في دولاب مسار الانتخاب المبكرة خشية اهتزاز عروشها بعد اجرائها، بدءا بمعارضة الإشراف الدولي الذي اشترطه المنتفضون عليها، وانتهاء بعرقلة التصويت على تعدد الدوائر الانتخابية، لتغطية ما سيصيبها من فشل وخذلان في فقدان ما تخطط له من مقاعد (تحصل عليها بالتزوير)، باستعمال المال السياسي، وغيره من الوسائل التي بواسطتها وصل الوطن لحافة الهاوية خلال 17 عاما من التأخر الحضاري وعدم مواكبة التطور الذي حصل في العالم.
كان من المفروض عند الإعلان عن موعد إجرائها أن يبادر مجلس النواب، (باعتباره ممثلا للشعب !!) على إقرار قانون الانتخابات، و استكمال عضوية المحكمة الدستورية بالاضافة لتعديل الدستور وتخليصه من المواد ذات الصيغ الحاملة لقنابل موقوته، ويكون واضح المفاهيم، كما طالبت الجماهير الشعبية ومريدو الانتخابات الديمقراطية قبل عقود، فبالإضافة إلى كونها سترسم الشكل الذي سيضع العراق على ميناء الأمن والاستقرار وتعزيز سيادته الوطنية التي فقدها لعقود، منذ تسلط البعث الصدامي على رقاب العراقيين، وتسليم العملية السياسية والديمقراطية التي جاءت بعد احتلال العراق في عام 2003 الى الأحزاب الإسلامية والإثنية، وتبنيهم نهج المحاصصة المقيت، الذي سهلوا به فتح الابواب امام تدخلات دول الجوار خصوصا إيران وتركي, فحولت وإياهما الشعب العراقي إلى العيش على ما تصدره لنا من انتاجهما الزراعي والصناعي، بعد أن وُضعت العراقيل أمام تنميته صناعته وزراعته كحجب المياه عنه في أجواء صمت الأحزاب المتحاصصة، وعدم إعادة وتطوير عجلة المصانع التي توقفت بالحصار ودك مواقعها من قبل قوات الاحتلال عمدا، مما أدى إلى إعاقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فطبيعة سلوك مريدي المحاصصة السياسية قد عززت فقدان ثقة الجماهير بالحكومات التي واصلت التحاصص، فكانت وراء مطالباتها بالتغيير والإصلاح عبر تظاهراتها التي عبرت عن طموح الجماهير الشعبية، ومسقطة في الوقت نفسه، قناع الوطنية الزائف وزيف تدينهم الذي خدعوا به بسطاء الناس، وكشفت صورتهم الحقيقية وخاصة عند شدهم الأحزمة في بهرجة المواكب الحسينية التي أخذت طابعا وقتيا ولمرة واحدة. عندها أدركت الجماهير الشعبية استحالة تحقيق المطاليب بالتغيير والاصلاح لأن الأحزاب المتحاصصة قد تمسكت بالمواقع القيادية في الحكم الذي شمل كافة مرافق الدولة الإدارية والأمنية، وعبرها استطاعت بناء أسس دولة عميقة يقودها حيتان فساد تحميها ميليشيات مسلحة بذلت كل ما من شأنه إعاقة سيطرتها في مرافق الدولة، فالأحزاب الإسلامية بمختلف طوائفها لا يهمها سوى ربط الحكم بالدين وبمذاهبهم، وبالتالي القضاء على كل من يتطلع فتح ملفات فسادهم العديدة والتي لم تمس ليومنا هذ أرغم مطالبة الجماهير الشعبية بفتحها. حيث وقف وراءها عدم توفر القدرة اللازمة للجم تحرك السلاح المنفلت، وحصره بيد الحكومة، والتردد في ملاحقة مرتكبي الجرائم وبسط سلطة القانون، وتكوين ظروف مناسبة يعيش فيها شعبنا بأمن واستقرار، وهو مطمئن على مستقبل أجياله