إذا سلمنا بان الاصلاح الاقتصادي هو عملية اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية شاملة ومستمرة تستدعي فك الارتباط بين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية واعادة صياغتها بما يؤدي الى تبني قيم وافكار جديدة تتماشى مع الواقع الملموس في اية دولة وصولا الى زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق الرفاهية الاجتماعية للمواطنين، بأن هذا التعريف هو الأكثر شمولا بين التعاريف الاخرى فما محتوى ورقة الاصلاح الاقتصادي الذي ستعده وزارة المالية؟
استنادا الى ما نشر عن اعتزام وزارة المالية اعداد ورقة الاصلاح الاقتصادي تمهيدا لإرسالها الى البرلمان بعد اقرارها في مجلس الوزراءوتشتمل على السياسة المالية والسياسة النقدية وسلم الرواتب، وهذه الورقة ان اقتصرت على هذه المحاور كما نشر وربما كانت ردة فعل للأزمة المالية الراهنة والتي تدخل عادة في صلب مهام وزارة المالية،فإنها ستكون بكل تأكيد قاصرة لأن الاختلال في الاقتصاد يشمل معظم القطاعات الانتاجية والخدمية والتي تدخل ضمن اختصاصات الحكومة بمختلف أجهزتها،وبالتالي فان الانطلاق من الخاص الى العام سيؤدي الى الاصطدام بمتاريس وعوائق لا تحقق الاهداف المرسومة لها .
ومن الواضح للمتابع للشأن الاقتصادي بعد الاحتلال سيدرك ان السياسة الاقتصادية التي وضعت وفق نصائح صندوق النقد الدولي والبنك الدولية بالتوافق مع رؤية الحاكم الاداري الأمريكي. ان الاصلاح المقصود عند هذه الاطراف يدخل ضمن ما اصطلح عليه بالتكيف الهيكلي والتي يفترض ان تعالج هياكل الاقتصاد التي تعاني من الاختلال، غير ان هذه الرؤيا ذهبت الى ابعد من ذلك فاشتملت على سياسة خصخصة واقتصاد السوق وحرية حركة رؤوس الاموال وفتح الحدود امام حركة السلع المستوردة.
ونتيجة لاستنساخ التجارب العالمية التي ثبت فشل الكثير منها فان الاقتصاد العراقي تعرض الى العديد من الاهتزازات والازمات التي ادت الى ازمات اجتماعية عميقة،فان البطالة زادت عن 40 في المائة وتدهور في البنية التحتية ولم يزد
النمو الاقتصادي عن 2 في المائة ولم تزد الايرادات المالية من القطاعات غير النفطعلى 10 في المائة وظل القطاع النفطي هو المهيمن.
ومن الضروري في ورقة الاصلاح الاقتصادي أن يؤخذ في الاعتبار اسباب الازمة الاقتصادية المستعصية التي يمكن تلخيصها في،أولا غياب الترابط بين التحولات والسياسية الاقتصادية والاجتماعية واعطاء الاولوية للتحولات الاجتماعية. وثانيا ضبابية السياسة الاقتصادية والضياع في الاختيار بين التخطيط وسياسة اقتصاد السوق، وثالثا شيوع الفساد واقترانه بالإرهاب والاختلال الأمني مما ادى الى الهيمنة على موارد الدولة وبالتالي تأخير عملية التنمية الاقتصادية الشاملة، ورابعا ضعف الادارة الاقتصادية وهيمنة قوى الفساد على الملف الاقتصادي مما ادى الى فرهدة الثروة بين اطرافها وتحول الأنشطة الاستثمارية الى جعجعة في وسائل الاعلام.
إن اية ورقة اصلاحية لا تأخذ في الاعتبار هذه العوائق وشمولية القطاعات الاقتصادية وتقتصر على السياسة المالية والنقدية والتوقف عند ازمة الرواتب والانفاق العام،فإنها ستنتهي الى ذات المآلات التي وصل اليها مشروع قانون الاصلاح الاقتصادي الذي اعد في عام 2013 او ما يسمى بمجلس الاصلاح الاقتصادي، وكلاهما لم يريا النور لما فيهما من مكاسب فئوية وغياب الجدية والرؤيا العلمية الواقعية.

عرض مقالات: