يحتدم الجدل الان حول الربط السككي بين العراق وإيران والكويت وكأنه بديل او مكمل مع المفاضلة بين المشروعين، رغم ان كلا الدولتين لهما نصيب في طريق الحرير، علما ان كليهما لهما مواقف غير منسجمه تماما دوليا او اقليميا.

الموقف الرسمي العراقي يقول بتأجيل الربط السككي على لسان محافظ البصرة.

في عام 2016 أعلن العراق عن افتتاح المرحلة الاولى من مشروع ميناءالفاو، واقتصر الأمر على انشاء كاسر الامواجمنذ وضع حجر الاساس عام 2010 بطول 14 كم والذي يهدف الى حماية السفن القادمة للعراق من الامواج العاتية.

الخلفية التاريخية للتجارة الدولية في هذا الامر ليست بعيده عن رحلة الشتاء والصيف وصولا لاكتشاف راس الرجاء الصالح في القرن الخامس عشر حتى افتتاح قناة السويس عام 1869التي اخترقت وقصرت الطريق. الآن مشروع الفاو يأتي في هذا السياق. حيث أدرك كبار الاستراتجيين الحاجة الى مشروع قطار برلين بغداد لأهمية المنطقة. لا يفوتنا الإشارة الى ان التجارة الصينية كانت مواكبة والآن تدخل مؤسسة لمشروعها الكبير الحزام والطريق. هنا لابد من تساؤلات في ضوئها تتضح الصورة.فهناك من يقول إذا ما سارت الخطة قدما فان الحلقة الذهبية المؤلفة من الصين وباكستان وإيران وروسيا وتركيا سوف تصبح القلب النابض لمبادرة الحزام والطريق اذ ترتبط الصين بإيران، ثم تمضي الى اسيا الوسطى وبحر قزوين فالبحر المتوسط عبر العراقوسورية. و رغم ان الصينأكبر شريك تجاري للولايات المتحدة ورغم استمرار العلاقات الثنائية الواسعة بين القوتين العالميتين فان المنافسة تشتد وتتأزم في ميادين عديدة مختلفة الى حد جعل المراقبين يجادلون بأن العالم يسير الى حرب بارده.(جريدة الصباح صفحة بانوراما 26/8/ 2020).

لا شك ان هذا الفعل الكبير له افاقه ومستحقاته دوليا واقليميا، فلضخامة المشروع هذا في منطقه قلب العالم ستكون ارتداداتها شديدة، خصوصا وان الرسالةالصينية هي سلمية ومن خلال مشروع طريق الحرير والحزام بخلق مجتمع مشترك للبشرية. في حين مددت الولايات المتحدة الولاية القضائية طويلة الذراع لتشمل مناطق اوسع، رغم ذلك وحسب احصائيات الامم المتحدةفان التجارة بين الصين والولايات المتحدة زادت 4،4 مره بين عام2001 - 2017.

نستطيع ان نفهم ذلك بين أطراف متكافئة، ولكن غير مسموح لدولة مثل العراق ان تناور سياسيا او اقتصاديا مع العمالقة ما لم تكتمل عناصر السيادة محليا واقليميا وتملك قرارها. وبذلك يأتي بناء الميناء حسب موسوعة غينتس للأرقام القياسية حيث جرى تصنيف كاسر الامواج العراقي في ميناء الفاو الغربي برأس البيشة  في البصرة مؤخرا على انه الأطول في العالم، ما يجعل العراقيين يأملون ان يكون له دور مهم في تنمية المنطقة مستقبلا. (عن صحيفة أرب ويكلي حسب الصباح الاقتصادي في 1/9/ 2020).لهذا سميناه قطار الفاو كونه سيقطر باقي مشاريعنا لدرجة تتكيف معه جميع مشاريعنا في الاقتصاد الحقيقي؛ زراعة وصناعة وخدمات، اضافة لمركز إستراتيجي، يؤهلنا للعب دور اقليمي متكافئ ودولي يحسب له كموقع بإرادة تلائمه.

فقد علمنا ان هناك صندوقا لهذا المشروع الستراتيجي يتم تمويله من النفط بمئة ألف برميل يوميا لمواجهة تكاليفه، ويبدو أن هناك ضغوطا ثلاثية أمريكية في إطار الحرب التجارية مع الصين بدعم خليجي من خلال الربط السككي والكهربائي، او مشروع الشام الجديد مع الاردن ومصر، اذ ليس هناك مصلحة مباشره للضاغطين الثلاثة،أو ان القرار السياسي بأطرافه المعروفة غير المنسجمة إستراتيجيا غير متحمسين كونه غير مبرمج حسب اجندة المحاصصة. ولكن من الناحية العملية سياسيا ان السعودية وإيران لاعبان اساسيان في التأثير على القرار العراقي، فلماذا لا يتكامل العراق معهما وهما طرفان رئيسيان اقليميان في مشروع الحزام والطريق الصيني؟ فقد تم توقيع اتفاقيات تعاونية تتجاوز 28 مليار دولار بالتمحور حول

الترابط الصناعي بين مبادرة التشارك في بناء الحزام والطريق ورؤية السعودية عام 2030، وتوظف الصين وإيران مزاياهما الفريدة في مختلفالمجالات لتعزيز الالتقاء والتعاون في مجالات الطرق والبنية التحتية والطاقة وغير ذلك. (الصباح الاقتصادي /جريدة الصباح ليوم11/تموز/ 2019). 

في ضوء ذلك يكون المشهد بلاعبين سياسيين مؤسسين لواقع وفلسفه للسياسة الدولية عموما والإقليمية خصوصا، فان الشراكة الإيرانية الصينية قد تشكل المشهد الأمني في المنطقة، وربما هذا ما يفسر ويأول الموقف الامريكي المعزول دوليا بعد الخروج من الاتفاق النووي 5+1.

لابد من جهة اخرى ان ننوه، باننا نصدر غالب نفطنا الى الصين الآن وفي المستقبل المنظور، اللهم حتى تحل البدائل في الطاقة مثل الغاز ونحن ايضا جاهزون من حقولنا الغازية ومحروقاتنا المصاحبة المهدورة الان، كما ان الصين الآن أكبر شريك تجاري، اذ تقدر سنويا 30 مليار دولار، اضافة الى ان الصين تتمتع بأفضل العلاقات مع جارتينا إيران وتركيا والمؤثرتين اقليميا وهذ تحسب للعلاقة مع الصين).

كما ان الصين تدخل باب السياسة الدولية من أوسع وأهم أبوابها وهو تفوقها الاقتصادي والتقني بثقافة اقتصادية جديدة. فمن الواضح مثلا ان الحزب الشيوعي الصيني يراهن بوجوده وشرعيته على رفع مستويات المعيشة وعلى توفير مزيد من السلع لمزيد من المستهلكين. (كارلغيرث /على خطى الصين يسير العالم/ترجمة طارق عليان /ص212/ 2012). ولذلك سميت الصين بمعمل العالم، كما ان الصين ليست لها مشاكل في الشرق الاوسط سواء كانت سياسية او تاريخية او اقتصادية، في حين ترتبط سياسات الغرب عموما بالإشكالات التاريخية التي ترسم سياساتها الان كما نلمسها الآن.

السؤال الان هل بنيتنا التحتيةجاهزة لمشروع الفاو الكبير الذي يمكن ان نسميه خط الشروع لدولة يسعها لعب دورها كما تمليه معطيات الامكانات المتاحة الآن من نفط وزراعة وصناعة وموقع إستراتيجي وسياحي ديني (تتقاسمه ثلاثة دواوين بمسمياتها المعروفة) رغم ان سياحتنا كنز له فرادته.

فالبنيةوالبيئةالمستقبلة لمسار قطار التنمية المنطلق من الفاو الى زاخو،جاهزة او على الاقل من ناحية الربط السككي الداخلي. اذ لدينا مشاريع غير مكتملة وقسم منها سبق وأن عملت وهي: أولا خط بغداد القائم عكاشات بطول اجمالي 510 كم. ثانيا مشروع سكة حديد بغداد كوت بصرة ام قصر بخط مزدوج إذا اضفنا خط الناصرية اذ يلتقيان في البصرة، بطول 910 كم. ثالثا مشروع خط سكة حديد بغداد بعقوبة كركوك اربيل الموصل مع خط فرعي الى خانقين، بطول اجمالي 600 كم.(رعد العمري /بحث مقدم لندوة اقامها مركز دراسات الوحدةالعربية /ص192/1982). اما الطرق السريعة الرئيسية ايضا فقسم منها لا زالت كمشاريع. 

هذه الطرق والسكك ستصبح قيد الانشاء والانجاز عندما نجتاز عتبة الباب التي عادة ما نطلق عليها شعبيا (ثلثين الدرب عتبة الباب). اذ المخطط للميناء ان يستوعب 25 مليون حاوية حيث سيضم تسعين مرسى مصمم لاستقبال السلع التجارية، اضافة الى سته اخرى للنفط.

نأمل ونعتقد ان الربط السككي خليجيا وايرانيا عامل لوجستي مكمل لشبكتنا البرية والسككية،ولنا أن نتصور الأهمية الكبرى لهذه الانعطافة الإستراتيجية لكونها تؤسس لوحدة وطنية بحيث تصبح المصلحة الوطنية العامة هي الجامع لعراقنا شعبيا بعيدا عن هويات فرعية مسيسة طالما كانت ولا زالت اوراق ضغط اقليمية،

كما يمتد التصور ان النفط لم يحسم ملفات البطالةالمتفاقمة ولن يحسمها ونحن نسابق الزمن بل ستتراكم كما ونوعا مع تراجع في ملف الزراعة والمياه والصناعةوالسياحة. ما دمنا نراهن على نفط ترسم سياسته التسوقية من الخارج.

العراق ليس صغيرا بموارده ولا بتاريخه ولا بثقافته ولا بموقعه ولا بأبنائه. لا شك ان الخلل سياسي بامتياز نأمل ان يكون بمرحلتهالأخيرة.

عرض مقالات: