"بعد عقود من الانقسامات والنزاعات، ها نحن نشهد فجر شرق أوسط جديد"، بهذه الكلمات، حيا الرئيس دونالد ترامب، في الاحتفال الذي عُقد في البيت الأبيض يوم الثلاثاء في 15 أيلول/سبتمبر الجاري، توقيع اتفاقَي التطبيع بين إسرائيل، من جهة، والإمارات العربية والبحرين، من جهة ثانية. وأضاف أن"خمس أو ست دول إضافية" تتأهب للتوصل إلى اتفاقات لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل "في القريب العاجل". وبعد أن عبّر عن اعتقاده بأن إسرائيل"ليست في عزلة"، صرّح بأنه تحدث إلى ملك العربية السعودية"، وأن  بلده سيلحق بهذه المسيرة "في الوقت المناسب".

بينما رأى بنيامين نتنياهو أن هذين الاتفاقين"يمكنهما أن يضعا حداً للنزاع العربي-الإسرائيلي"، ويشكّلان"منعطفاً تاريخياً" في المنطقة. وأضاف:"إننا نحمل الأمل لجميع أبناء أبراهام". ومن جانبه، حيا الأمير عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات "التغيّر الحاصل في قلب الشرق الأوسط"، وشكر نتنياهو شخصياً "لأنه اختار السلام ولأنه أوقف ضم مناطق فلسطينية"، علماً بأن هذا الأخير أكد مراراً أن الأمر يتعلق بإرجاء الضم وليس بإيقافه. بينما دعا وزير خارجية البحرين، عبد اللطيف الزياني، إلى "حل الدولتين" لوضع حد للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

لقد وعد ممثلو إسرائيل والإمارات والبحرين، الذين تحلقوا حول دونالد ترامب في البيت الأبيض، بحلول غد مزدهر لـ "شرق أوسط جديد"، وهنأوا أنفسهم بأنهم أظهروا للعالم أن طريق السلام في المنطقة هو "طريق واقعي"، وهذا كله في تجاهل للقضية الفلسطينية بوصفها جوهر الصراع العربي- الإسرائيلي وفي تغييب للفلسطينيين، الذين لم يتم ذكرهم سوى بصورة عابرة (1).

تخلي النظامين العربيين عن القضية الفلسطينية

يعتبر أنطوان بصبوص مدير مرصد البلدان العربية أن "اتفاقات أبراهام" "دفنت القضية الفلسطينية"، وأن التوافق ما بين دولة الإمارات وإسرائيل "سيغيّر بعمق التوازن الدبلوماسي في الشرق الأدنى، ولكن من دون أن يضمن الحماية في وجه تهديد إيراني".

ويعود بصبوص إلى التاريخ، فيرى أن الزمن الذي شهد في سنة 1967 انعقاد القمة العربية في الخرطوم التي طرحت اللاءات الثلاث: "لا سلام، لا اعتراف، لا تفاوض" بات  بعيداً جداً عنا. وعندما  قام الرئيس أنور السادات بزيارة القدس، بعد عشرة أعوام على "لاءات الخرطوم"، ثم توصل إلى اتفاقيات كمب ديفيد، "قاطعت دول الجامعة العربية مصر ونقلت مقرها إلى تونس"، بينما نرى اليوم أن هذه  الجامعة العربية نفسها "رفضت طلب فلسطين" بإدانة الخطوة الإماراتية. ويقدّر الباحث نفسه أن الأنظمة العربية راحت تتخلى عن القضية الفلسطينية "غداة أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، إذ أرادت الدفاع عن نفسها أمام التهديدات التي وجهتها إليها واشنطن بالتواطؤ مع الإرهاب أو باتخاذ مواقف ضعيفة إزاءه". وهذا التوجه "تعاظم بعد انفجار أحداث"الربيع العربي"، ثم عقب ظهور "داعش"، بعد "القاعدة"، وتفاقم التهديد الإيراني" (2).

أما المراسلة الصحافية آلين جاكوتيت فترى، في مقال نشرته يوم 15 أيلول الجاري، أن"خيانة" القضية الفلسطينية تمثّلت في مسارعة أبو ظبي والمنامة إلى عقد "اتفاقَي سلام مع إسرائيل من دون أن تطالبا بنهاية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة دولة للفلسطينيين". وبعد أن تشير إلى نتائج اجتماع محلس الجامعة العربية الأخير، تقدّر أن "تخلي الأنظمة العربية بهذا الشكل عن الفلسطينيين، يعود، إلى حد كبير، إلى الضغط الذي تمارسه واشنطن عليهم" (3).

إنه نجاح  لدونالد ترامب وبنيامين نتنياهو

يرى العديد من المحللين أن اتفاقَي التطبيع، اللذين لم يكونا  مفاجئين، ينبغي إدراجهما في إطار السياسة الداخلية الأميركية والحملة الانتخابية التي يخوضها دونالد ترامب لتجديد ولايته الرئاسية. فهما وإن لن يكونا حاسمين لإعادة انتخابه، إلا أنهما يشكّلان نجاحاً لا يمكن إنكاره  لرئيس يواجه صعوبات، في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي إلى تراجع تأييده الشعبي منذ أزمة كوفيد 19 وتداعياتها الاقتصادية. وهذا النجاح لم  ينكره حتى منافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي صرّح مساء يوم الأربعاء في 16 أيلول الجاري بما يلي:"من الجيد أن نرى آخرين في الشرق الأوسط يعترفون بإسرائيل ويتعاملون معها كشريك"، وتابع قائلاً: "إن إدارة بايدن-هاريس ستستند إلى ما تحقق، وتطرح تحدياً أمام الشعوب الأخرى كي تتبع هذه الوتيرة وتسعى للاستفادة من هذه الروابط المتعاظمة لضمان إحراز تقدم نحو حل الدولتين ونحو منطقة مستقرة وسلمية" (4).

كما شكّل هذان الاتفاقان نجاحا  لبنيامين نتنياهو، الذي ورث بعد وصوله إلى الحكم في سنة 2009 علاقات جنينية بين إسرائيل ودول الخليج. لكن هذه العلاقات شابتها برودة ما منذ اغتيال أحد قادة "حماس" في مدينة دبي في سنة 2010، ثم الحروب الإسرائيلية المتعاقبة على قطاع غزة، وذلك إلى أن تم التوقيع على الاتفاق النووي، في تموز/يوليو 2015،  بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، من جهة، وإيران، من جهة ثانية. وكما يقول دور غولد، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن "البلدان العربية الكبرى شعرت آنذاك بالخوف؛ لكن الوحيد الذي تجرأ على إبراز ثغرات الاتفاق كان نتنياهو. وهو عندما عارض الاتفاق أمام الكونغرس الأميركي كان يفعل ذلك من أجل إسرائيل، ولكن أيضاً، بمعنى من المعاني، من أجل كل الشرق الأوسط، وخصوصاً من أجل البلدان العربية". ومثّل توقيع الاتفاقين نجاحاً لـما سماه البعض بـ "عقيدة" نتنياهو، الذي يتبنى مبدأ "السلام مقابل السلام"، وليس مبدأ "السلام مقابل الأرض"، والذي صرّح في 16 آب/أغسطس 2020 للجريدة اليمينية "إسرائيل هيوم"، تعليقاً على الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي بما يلي: "لأول مرة منذ ربع قرن، توصلنا إلى سلام ليس قائماً على تنازلات أو انسحابات إسرائيلية" (5).

طبيعة اتفاقَي التطبيع وبواعثهما وخصوصيتهما

يحلل شلومو بن عامي، وزير خارجية إسرائيل السابق، طبيعة اتفاقَي التطبيع وبواعثهما، فيرى أن إسرائيل "بوصفها قوة عسكرية وتكنولوجية كبرى في الشرق الأوسط أصبحت الحليف الضروري للأنظمة المحافظة التي هزها "الربيع العربي"، وتهديد الراديكالية الإسلامية والنفوذ الإقليمي المتعاظم لإيران"، وأن "الخوف من انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من المنطقة هو ما جعل هذه الأنظمة، بصورة أساسية، تتقارب مع إسرائيل، وذلك بعد أن لمست كيف أن ترامب رفض أن يرد مباشرة في أيلول 2019 على الهجمات التي استهدفت المنشآت النفطية في العربية السعودية، والتي تم اتهام إيران بالوقوف وراءها، كما لم يفعل شيئاً قبل ذلك بشهور للرد على قيام الإيرانيين بإسقاط طائرة مسيرة أميركية حديثة فوق مضيق هرمز". ومن جهة أخرى، فإن  فكرة السلام مع إسرائيل تعني - كما يتابع بن عامي- "السلام مع أميركا"؛ فأنور السادات "وقّع اتفاق السلام [مع إسرائيل] في سنة 1979عندما أراد تغيير توجه بلاده الاستراتيجي من الاتحاد السوفييتي نحو الولايات المتحدة، وكانت مساعدة الملياري دولار التي تحصل عليها مصر سنوياً من الولايات المتحدة النتاج المباشر لهذا السلام". صحيح أن  دولة الإمارات "ليست في حاجة إلى الأموال الأميركية، لكنها في حاجة إلى مشاركة أميركا المتواصلة في شؤون الشرق الأوسط، وإسرائيل هي الضمانة بأن الولايات المتحدة ستبقى في هذذ المنطقة، وتوفر للإمارات طريقاً للوصول إلى الكونغرس حيث تتم الموافقة على اتفاقات التسلح". ويخلص وزير خارجية إسرائيل الأسبق إلى أن قرار إدارة ترامب الظاهر ببيع الإمارات طائرات اف 35 "شكّل هدفاً مهماً لاستراتيجية السلام التي انتهجتها إزاء إسرائيل؛ فهذه الطائرات الحديثة جداً، التي لا تمتلكها حالياً سوى الولايات المتحدة وإسرائيل، ستسمح بضمان التزام أميركا بالوقوف إلى جانب الإمارات وبتعزيز هذه البلد الصغير الذي لديه طموحات عالمية وأعداء كثيرين" (6).  

ويتفق البروفسور هاغاي سوبل مع هذا التحليل، إذ هو يعتبر، في مقال بتاريخ 20 آب/أغسطس 2020، أن عقد التحالفات الجديدة في الشرق الأدنى نتج، بصورة أساسية، "عن إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية في عهد إدارة أوباما نحو آسيا والمحيط الهادي، وأن أوباما في سعيه إلى ذلك قام  بتسليم مفاتيح المنطقة إلى إيران على حساب حلفائه التقليديين في الأنظمة العربية السنية، الأمر الذي جعل التقارب ممكناً بين هذه الأنظمة وبين إسرائيل" (7).

وفيما يتعلق بخصوصية اتفاقَي التطبيع هذين ومدى اختلافهما عن معاهدتَي السلام بين مصر والأردن، من جهة، وإسرائيل، من جهة ثانية، يرى بعض المحللين أن السلام بين الإمارات والبحرين من جانب، وإسرائيل، من جانب آخر"لا ينطوي على البعد الرمزي نفسه الذي انطوت عليه المعاهدتين مع الأردن ومصر"؛ فالأمر، في هذه الحالة، يتعلق "باتفاق بين المال العربي والتكنولوجيا الإسرائيلية، وبين عالم الأعمال وعالم الاستخبارات"، وهو اتفاق "تحتل فيه القضايا السياسية، بما فيها القضية الفلسطينية، مكانة ثانوية"، وسيفتح الطريق أمام تعاون ثنائي مكثف. وبينما انطوى الاتفاق البحريني- الإسرائيلي على عبارات عامة، لأنه وقّع في اللحظة الأخيرة، فإن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي كان مفصّلاً، إذ تضمن اتفاقات ثنائية في خمسة عشر مجالاً، شملت عالم المال، والتجارة، والطيران، والطاقة، والاتصالات، والصحة، والزراعة والمياه (8).

هل تستطيع إسرائيل أن تؤمن الحماية لهذه الأنظمة؟

إذا كان ما يُقال عن "تهديد إيراني" هو الذي دفع هذين النظامين، ومن سيتبعهما، إلى التصالح مع إسرائيل، فهل هذه الأخيرة قادرة على تأمين الحماية لهما ؟

إن الباحث أنطوان بصبوص يقدّر "أن الشكوك تحوم حول الفوائد الأمنية التي يمكن أن تجنيها الممالك والإمارات العربية من هذه الاتفاقات [مع إسرائيل]، في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة شيئاً فشيئاً من الشرق الأوسط، وتظهر إيران لهذه الممالك والإمارات أن ناطحات سحابها وبناها  التحتية لا تبعد سوى 100 كيلومتر عن حدودها"، معتبراً أن التساؤل حول مصداقية الردع الإسرائيلي يبقى مشروعاً، خصوصاً وأن إسرائيل "أصيبت بنكسة في الحرب مع "حزب الله" في صيف سنة 2006؛ فإذا لم ينفع الردع في مواجهة فاعل لا دولتي يقف على أبواب إسرائيل، فكيف يمكنه أن يشكل غطاءً لممالك وإمارات  عربية تواجه التهديد الإيراني، وتبعد عن إسرائيل نحو 2150 كيلومتراً؟" (9).

لا سلام في المنطقة من دون حل عادل للقضية الفلسطينية

في حوار أجري معه في 18 آب 2020، أكد ديدييه بيليون، المدير المساعد لمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، في تعليقه على الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي أنه "لا يجب الاستهانة بمواقف الرأي العام العربي" إزاء اتفاقات "السلام" مع إسرائيل، معتبراً أن القضية الفلسطينية تبقى"قضية مقدسة" بالنسبة لقطاعات واسعة من هذا الرأي العام (10). ويرى باحثون آخرون أن تغييب الفلسطينيين، والزعم بإيجاد حل للقضية الفلسطينية من دون الفلسطينيين هو "سخافة". وفي هذا السياق، صرّح يائير لبيد زعيم المعارضة الإسرائيلية، كما تنقل عنه وكالة الصحافة الفرنسية في 15 أيلول، بما يلي: "إن الحكومة [الإسرائيلية] تقول إننا توصلنا إلى اتفاقات سلام مع بلدان سنية معتدلة من دون أن ندفع ثمن التفاوض مع الفلسطينيين. ولكنني أقول إن الأمر لا يتعلق بدفع ثمن، وإنما بمصلحة إسرائيل في أن تتفاوض مع الفلسطينيين... علينا أن نتقدم وأن نتفاوض مع الفلسطينيين على قاعدة حل الدولتين... لكن هذه الحكومة ليست لديها أي نية لتتفاوض مع الفلسطينيين لأن هذا بالنسبة لنتنياهو خطر سياسي، وهو مع المشكلات القضائية التي تقلقه يحتاج إلى قاعدة انتخابية تعارض أي اتفاق مع الفلسطينيين" (11).

وأنهي هذا المقال بما  نقلته المراسلة الصحافية  آلين جاكوتيت عن  مروان، وهو  فلسطيني ترعرع في أحد  مخيمات مدينة بيت لحم، وفقد عمله كدليل سياحي جراء تداعيات أزمة كورونا؛ فبعد أن عبّر مروان عن غضبه من  مشهد "السلام" الذي صنعوه في واشنطن قال: "يتوجب على الزعماء الإسرائيليين أن يصنعوا السلام مع العرب هنا، وليس في أبو ظبي أو المنامة؛ فالشعب الفلسطيني موجود، وهو سيواصل مقاومته، مع أو من دون دعم العالم العربي" (12).

الهوامش:

https://www.lemonde.fr/international/article/2020/09/15/vers-un-nouveau-moyen-orient-depuis-washington-trump-scelle-l-alliance-entre-israel-et-des-pays-arabes_6052315_3210.htm -l.

2- https://www.liberation.fr/debats/2020/09/14/la-cause-palestinienne-enterree-par-les-accords-d-abraham_1799360.

3- https://www.letemps.ch/monde/cause-palestinienne-poignardee. 

4- https://news-24.fr/un-nouveau-moyen-orient-israel-signe-des-pactes-avec-les-etats-arabes-de-bahrein-et-les-emi

5-https://www.lemonde.fr/international/article/2020/08/22/israel-l-accord-avec-les-emirats-est-un-succes-personnel-pour-benyamin-netanyahou_6049636_3210.html.

6- https://algeriepartplus.com/analyse-les-consequences-de-la-paix-entre-israel-et-les-emirats-arabes-unis

7- http://destimed.fr/Tribune-du-Pr-Hagay-Sobol-Pourquoi-l-accord-de-paix-entre-les-Emirats-Arabes.

8- https://news-24.fr/un-nouveau-moyen-orient-israel-signe-des-pactes-avec-les-etats-arabes-de-bahrein-et-les-emirats-arabes-unis.

9- https://www.liberation.fr/debats/2020/09/14/la-cause-palestinienne-enterree-par-les-accords-d-abraham_1799360.

10- https://www.lavoixdunord.fr/851808/article/2020-08-14/derriere-l-accord-entre-les-emirats-arabes-unis-et-israel-l-iran-est-omnipresent.

11https://www.lalibre.be/international/asie/israel-doit-negocier-la-paix-avec-les-palestiniens-mais-benjamin-netanyahu-n-a-aucune-intention-de-le-faire-5f6081c2d8ad58621913f2aa.

12- https://www.letemps.ch/monde/cause-palestinienne-poignardee.