نشرت صحيفة (الحداثة) السودانية لقاء مع الرفيقة آمال الزين، الناطقة المكلفة باسم الحزب الشيوعي السوداني، تناول قضايا راهنة مختلفة في الوضع السوداني. نعيد هنا نشر هذا اللقاء الذي أجراه مصعب علي:
* سبق وأن أعلن “الشيوعي” عن عدم اطمئنانه بخصوص محادثات السلام، ما الذي يود أن يطرحه وفده في أديس أبابا بخصوص ملف السلام؟
- أعلنا مواقفنا المبدئية حول قضايا الحرب والسلام في بيان صدر عن المكتب السياسي للحزب، في الثاني من أيلول الجاري، وأكدنا من خلاله تأييدنا لأي خطوة نحو وقف الحرب وتحقيق الأمان والاستقرار للسكان المقيمين في دائرة الحرب، وتمكينهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي كمنتجين، وإتاحة فرص العمل والتعليم وتلقي الخدمات الضرورية ولو بشكل مؤقت.
والذي حدث في جوبا فيه هدر للوقت والأرواح؛ لأن احتمال العودة مجدداً للحرب يظل قائماً، طالما كان السلام منقوصاً ولا يستجيب لتطلعات وطموحات الجماهير التي قادت الحراك والتغيير، وكان مطلب السلام الشامل والعادل في مقدمة شعاراتها وأهدافها، ورؤية الحزب الشيوعي حوله واضحة ومحددة، وتشترط تناول الأزمة السودانية في شمولها، وتخاطب جذورها التاريخية والراهنة، وأن تستوعب المفاوضات جميع القوى السياسية والاجتماعية التي شاركت في التغيير، وأن ينضم أصحاب المصلحة عبر ممثليهم الحقيقيين وإتاحة العدالة، وهي لن تتأتى عن طريق غض الطرف عن الانتهاكات وجرائم الحرب التي أحدثت العديد من المظالم، وهذا يتطلب المكاشفة والشفافية في تحديد المسؤولين عنها أياً كانوا، واتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهتهم وإظهار حقوق الضحايا، ويأتي العفو أو التمسك بحقوق الضحايا، في القصاص والمحاسبة بعد ذلك.
* هل ترين أن هذا الملف يهدد إقرار السلام ؟
- من المؤكد أن هذه الغبائن المتراكمة لن تزول بإعمال سياسة (عفا الله عما سلف)، التي سادت روح اتفاق جوبا وذهبت العدالة كمبدأ أدراج الرياح، نتيجة تذويبها في نصوص مائعة وتفتقر للحزم القانوني لغةً وأحكاماً. ومن نتائج الالتفاف على العدالة وانتهاج سياسة الإفلات من العقاب أباحت استمرار المليشيات الحكومية في ارتكاب جرائم القتل والاغتصاب في دارفور، حتى أثناء مفاوضات جوبا واستمرار جنوحها الاجرامي بعد التوقيع على الاتفاق، ذلك لعدم وجود ضمانات كافية في الاتفاقية تلجم هذه الممارسات، خاصة وأن ملف سلام جوبا قد اختطفه العسكر الضالعون بشكل كبير في أزمة الإقليم، وفي الجرائم التي حدثت، ولا تزال أهدافهم في الإقليم قائمة، وهي ليست منبتة من موافقهم الأيديولوجية والتزاماتهم تجاه المحاور الإقليمية وغيرها.
ومن هذا المنحى نثمن عودة ملف السلام ولو جزئيا لرئيس مجلس الوزراء من خلال مفاوضته رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال عبد العزيز الحلو، وهذا ما ظللنا نطالب به منذ تكوين هياكل السلطة الانتقالية، باعتبار أن الوثيقة الدستورية قد نصت على إدارة ملف السلام بواسطة الحكومة المدنية، وأن دور المجلس السيادي هو رعاية العملية في مراحلها المختلفة فقط، وليس لدينا خلاف حول إعلان المبادئ الذي تم الاعلان عنه في أديس أبابا، وسنعمل على تقديم رؤيتنا للطرفين.
ونؤكد أن الحزب أبدى اهتماماً شديداً بذلك التطور، حيث أوفد سكرتيره السياسي وعضو مكتبه السياسي الأستاذ صديق يوسف الى أديس أبابا للقاء الحلو، وطرح رؤية الحزب إليه لتفادي الأخطاء الجسيمة والقصور الواضح في اتفاق جوبا.
* التعقيدات التي صاحبت الحوار حول السلام، يرى مراقبون أنها أنتجت محاصصات أكثر من أن تكون حلاً جذرياً لقضية السلام ؟
- بالطبع فإن النهج الذي أتبع بالتقسيم الى مسارات مختلفة، أضاف تعقيدات جديدة الى ملف السلام، وأفضى لمحاصصات لا علاقة لها بجوهر الأزمة، بل إنها قد تؤدي إلى المزيد من النزاعات، آخذين في الاعتبار أن هناك عدداً من الحركات المسلحة أعلنت رفضها للاتفاق، وأن الحركات التي تم الاتفاق معها هي جزء من حركات الكفاح المسلحة، كما أن أي قسمة للسلطة والثروة يجب أن تذهب مباشرة لأصحاب المصلحة.
* دعا حزبكم إلى إعادة هيكلة القوات المسلحة وبناء جيش قومي، وإخضاع كافة المليشيات وحملة السلاح خارج القوات المسلحة، إلى أي حد يمكن تحقيق ذلك؟
- شكل الترتيبات الأمنية الذي تم الاتفاق عليه مع الجبهة الثورية يهدد - في واقع الأمر - قومية القوات المسلحة؛ لأنها تبقي على جيوش ومليشيات الكفاح المسلح وغيرها ككتل داخل القوات المسلحة، بل وإشراكها بذات الصفة في حماية مناطق النزاعات وهذا الأمر برأينا يشكل خطورة على استدامة السلام، بل ويحمل بذرة الحرب.
* طالب “الشيوعي” بضرورة عقد مؤتمر دستوري يناقش كل القضايا، إلا أن هناك اعتراضات من قبل حركات الكفاح على عقده قبل الاتفاق، ويطالب الشيوعي الآن بعقد مؤتمر مصغر يشارك فيه أصحاب المصلحة، لماذا؟
- لا شك أن معظم القوى الحية تعلم أن حل الأزمة في السودان لا يمكن أن يتم بالتجزئة، كما ذكر بيان المكتب السياسي الذي أشرنا إليه آنفاً، ولابد من الاتفاق على إجابة سؤال كيف يحكم السودان، وحل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإدارة التنوع وهيكلة الدولة وغيرها من القضايا، ولهذا لابد من قيام المؤتمر الدستوري الذي يشارك فيه الجميع.
أما في ما يتعلق بمؤتمر السلام الذي يرى الحزب ضرورة عقده، فهو لمناقشة قضايا السلام العادل الشامل والمستدام وترتيبات العودة الطوعية والتنمية والإعمار والوصول للعدالة والخدمات وغيرها، وهي قضايا لا يمكن أن تناقش على المستوى الرسمي فقط ووفقاً لرؤية حركات الكفاح المسلح، بل لا بد من إشراك جميع أصحاب المصلحة وأخذ رؤاهم في الاعتبار، بل لابد من تحويل السلام ومطلوباته إلى فعل شعبي تمسك به الجماهير وتتولى صياغته ومتابعة تنفيذه.
ــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الحداثة” 7 أيلول 2020