العولمة عملية متعددة الابعاد، شاملة لكافة جوانب الحياة، فالعولمة تتسع وتتعمق وتشمل كل الابعاد الحياتية اليومية وتؤثر في كل الجوانب بما في ذلك الجناب السياسي الذي يشمل السلم والوعي والفكر والقرار السياسي، الداخلي منه والخارجي وكذلك الجانب الاقتصادي الذي يتضمن نمط الاقتصاد الحر داخلياً، وازالة الحواجز التجارية والحواجز على حركة رؤوس الاموال عالمياً، وكذلك في مجال الثقافة حيث يختزل البعض من أن البعد الثقافي للعولمة هو إشاعة النمط الثقافي الرأسمالي في الملبس والمأكل والفنون. فالعولمة بنية جديدة لتطبيع النظام العالمي القائم على ترتيبات وحيثيات ومواقع مرسومة بفعل تضافر عوامل تاريخية موضوعية لا خيار للمجتمعات البشرية فيها او تستند الى محرك مستقل خاص بها لا يخضع مباشرةً لسيطرة أي من القوى أو ألأفراد المكونين لهذه المجتمعات، وهذا المحرك ذو الاستقلالية النسبية هو الثورة العلمية التكنولوجية وهي ليست مستقلة عن الانسان، اذ أَنَّها تُعَيِّن بالفعل شروط الفعل الانساني، لكنها لا تلقي هذا الفعل نفسه باعتباره فعل إرادةٍ ووعيٍ .
العولمة بشكلها الحديث ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية ثم اخذت بالتطور وصولاً إلى مرحلة النضج في القرن العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتحطيم جدار برلين وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم، حيث اختلفت آراء المفكرين حول كونها ظاهرة طبيعية ناتجة من التطور العلمي الهائل في جميع المجالات، ومنهم من يقول إنها نتاج مخطط استعماري المراد منه فرض الهيمنة الاستعمارية بشكلها الجديد.
تدخل أغلب الدول العربية القرن الحادي والعشرين وهي خاضعة كلياً او جزئياً لمشيئة البنك الدولي مستسلمة لارادته مُنَفِذة لسياسته وذلك تجنباً لإعلان عجزها وافلاسها وبموجب ذلك تلتزم هذه الدول بتوجيه اقتصادياتها نحو عدم النمو ونحو تخفيض الإنفاق ونحو وقف الدعم على بعض المواد الاستهلاكية التي تقدمها لمساعدة شعوبها الفقيرة ، " متناسين إن السبب الحقيقي لإشاعة الفقر هو النقل العكسي للموارد، أصبح حاليا يتم عبر بَوابَتَي الديون الخارجية و الاستثمارات الأجنبية الخاصة. وهذا ما يجعلنا نميل إلى اعتبار أننا أمام ظاهرة استعمارية جديدة أفضع من أشكالها السابقة نظراً لكونها تَحرِم شعوب العالم الثالث من خيراتها وفوائضها الاقتصادية والمالية مع تشديد استغلال قوَّتَها العاملة وتعريضها للفقر والبطالة. المجتمعات الفقيرة المحرومة تمثل احد المجالات الحيوية للعولمة فكلما ضعفت المناعة الاقتصادية ضَئِلَ تأثير المناعة الثقافيـة لدى الشعوب مما يجعل السـقوط والانهيار تحت ضربات العولمة الثقافية اكثر احتمالاً في ظل هذه الأحوال، بتعبير آخر أن الفقر متمثلا بتفاوت الثروات وتركزها بيد قلة ستؤدي إلى زيادة معدلات البطالة و التضخم في منطقة ما وسيؤدي إلى ضعف التوجه نحو التركيز على التعليم ورفع المستوى الثقافي ،" حيث يُعتَبر الاقتصاد جزءاً حيوياً في تطوير ثقافة الشعوب ومواكبة التطورات وهنا يمكننا أن نضع المعادلة التي تؤشر طبيعة العلاقات في انتقال المستويات السياسية ــ الاقتصادية ــ الاجتماعية ــ الثقافية بشكل متداخل لا يمكن فصله ضمن الثوابت العربية ، بمعنى أن الثقافة ومستوياتها قد انبثقت من التناقضات الاجتماعية التي ولدتها الأوضاع الاقتصادية "(1) -الجميل ،سيار، العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الأوسط، ص-142 .إن سوء الحالة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن سيقوده وأفراد عائلته إلى العمل بغية الحصول على قوتهم اليومي ليؤمنوا متطلبات العيش وبالتالي فلا مجال للتعليم الأساس في قاموسه كون أنَّ الغذاء عنده أهم من شراء كتاب لقرائته، أو قضاء ساعات من يومه يقضيها في المدرسة أو المؤسسات التعليمية الأخرى.. ومن ثم فقد عانت المجتمعات العربية والإسلامية من تفشي آفة الأمية التي استفحلت في القرن الأخير.
تُعد السياسة من أبرز اختصاصات الدولة التي تحرص على عدم التفريط بها ضمن نطاقها الجغرافي ومجالها الوطني. وهذا الحرص ضِمن المجال المحلي، وبعيداً عن التدخلات الخارجية ترتبط أشد الارتباط بمفهوم السيادة وممارسة الدولة لصلاحياتها وسلطاتها على شعبها وأرضها وثرواتها الطبيعية. والدولة القومية هي نَقيض العولمة، كما أن السياسة ونتيجة لطبيعتها ستكون من أكثر الأبعاد الحياتية مقاومة للعولمة التي تتضمن إلغاء الحدود الجغرافية وربط الاقتصاديات والثقافات والمجتمعات والأفراد بروابط تتخطى الدول وتتجاوز سيطرتها التقليدية على مجالها الوطني والمحلِّي ، كون مثل هذه الإجراءات سوف تؤدي الى تقويض دور الدولة ورفع سيطرتها المركزية عن العديد من المؤسسات الاقتصادية والإدارية وان تحل محلها الشركات العابرة للقارات،وتَغيِّر قواعد اللعبة السياسية وتحويل القرار السياسي من يد الدولة الى يد الشركات بما تتمتع به من ثقل اقتصادي ممكن ان يؤثر في صنع السياسات الخارجية للبلدان التي تَستثمر فيها. فالدولة التي كانت دائماً الوحدة الارتكازية لكل النشاطات والقرارات والتشريعات أصبحت الآن وكما يوضح "ريتشارد فويك، مجرد وحدة ضمن شبكة من العلاقات والوحدات الكثيرة في عالم يزداد انكماشاً وترابطاً . فالقرارات التي تُتَّخذ في عاصمة من العواصم العالمية سرعان ما ينتشر انتشاراً سريعاً إلى كل العواصم، والتشريعات التي تخص دولة من الدول تستحوذ مباشرة على اهتمام العالم بأسره، والسياسات التي تستهدف قطاعات اجتماعية في مجتمع من المجتمعات تؤثر تأثيراً حاسماً في السياسات الداخلية والخارجية لكل المجتمعات القريبة والبعيدة".- بالحاج محمد الكوني، العولمة والهيمنة، دراسات؛ العدد6 ،2001, شبكة المعلومات-.
ترتبط " العولمة السياسية ببروز مجموعة من القوى العالمية والإقليمية و المحلية الجديدة خلال عقد التسعينات، والتي أخذت تنافس الدول في المجال السياسي، ومن أبرز هذه القوى التكتلات التجارية الإقليمية كالسوق الأوروبية المشتركة لِتُشَكِل وحدة نقدية تعمل من خلال المصرف المركزي الأوروبي الذي أُنشأ عام 1999 ليشرف على عملة اليورو. التحليلات تُشير على أن ألمانيا، أو أى دولة أخرى منفردة لا تستطيع أن تتحمل أعباء الإنتعاش الاقليمين إلى جانب الاستمرار فى دعم الاقتصادات الأوروبية. لذلك كان مثيرا التحليل الذى توصل إلى أن الحل يكمن فى شراكة تكون ألمانيا طرفا فيها ويمكن للصين أن تكون طرفا ثانيا. وعند عودتنا إلى الأرقام إكتشفنا أن ميزانية خطة مارشال التى بدأت فى تنفيذها فى إبريل 1948 لم تزد عن 13 بليون دولار وهو رقم يعادل الآن، نحو 130 بليون دولار, للمملكة المتحدة 26% منها وفرنسا 18% وألمانيا الغربية 11%. كان هناك استعداد من جانب الدول الاوروبية الغربية لتنفيذ الشروط الأمريكية وهى إزالة الحواجز بين الدول وزيادة إنتاجية العمل وتحديث الصناعة وأساليب الادارة وتشكيل نقابات للعمال ومحاربة المد الشيوعى. كذلك كانت الثقة كبيرة فى قدرات هذه الشعوب على العمل والإنتاج. وقتها الرئيس الأسبق هربرت هوفر فى تقرير له بعث به من ألمانيا كتب يقول: (هناك من يتوهم أننا يجب أن نفرض على شعب ألمانيا أن يعيش على رعي الغنم، تنفيذ هذه الرغبة يتطلب منا إبادة 25 مليون شخص، هم سكان ألمانيا حينها).
ويجرى نقاش حول اختيار ميناء بيريه من جانب الصين نقطة ارتكاز لطريق الحرير فى أوروبا واختيار ممباسا نقطة ارتكاز الحزام فى شرق إفريقيا ومنه إلى الداخل. لماذا التركيز الصينى على دول جنوب أوروبا.؟ وذلك لأنها، حسب رأى الاستاذ وانج شوجوانج من الأكاديمية الصينية للعلوم، دول ضعيفة اقتصاديا منذ تعرضت لأزمة اليورو وبالتالى هى الأرخص فى ثمن الأراضى والعقارات والشركات. ويشير أيضا إلى التأثير المهم لرحلة ماركوبولو فى العقل الايطالى. أما الاستاذ ويى مين من جامعة شنغهاى فيكتب عن التردد الصينى فى الإقدام والإحجام فى الشرق الأوسط. يتهم إجراءات التأشيرات والفساد وقوانين الحماية وانعدام الشفافية فى إجراءات التقاضى وعدم تنفيذ العقود بالمسئولية عن تأخر العمل الاستثمارى الصينى فى مصر وصعوبة استفادة مصر من مبادرة الحزام. الأستاذ جاو جون يقدم توصيات لتحسين العلاقات مثل إقامة جهاز مشترك بين البلدين ومجموعات عمل تعمل باستمرار لخلق بيئة مناسبة للاستفادة من المبادرة. أن الصين في عهد الإصلاح والانفتاح اتجهت لاستيعاب العولمة الاقتصادية بصورة شبه تامة وعملت بصبر للانضمام لمنظمة التجارة العالمية وقبول معظم شروطها، وطورت الصين صناعاتها الوطنية فزاد إنتاجها وأصبحت القوة الثانية عالمياً في مجال الاقتصاد. والصين كيان سياسي موحد في دولة مركزية وليس من السهل تفكيكه, ومن ثم فإن الأسلوب المتبع مع الصين حَفَّزَ مناطق الأطراف في الدولة لإثارة المشاكل.وقد استغلت الصين التحولات الاقتصادية العالمية التي عرفتها المعمورة خلال القرن العشرين للانخراط في العولمة والاستفادة منها في الدفع بعجلة تطورها ونمائها مستفيدةً من قوتها العَاملة الضخمة والرخيصة، ورؤيتها التي اعتمدت على جذب رؤوس الأموال، والتكنولوجيات المتطورة، والخبرات الدولية. ربطها بِكِين ضمنيًا بمبادرة الحزام والطريق، ويحتل فيها الاقتصاد، والجغرافيا السياسية، والتجارة العالمية حيزًا مهمًا إلى جانب عمليات تطوير البنى التحتية المرتبطة بها، والتي تحتاج لإنجازها تطوير آليات جديدة تكفل حل الخلافات التي تقف حجر عثرة أمامها. الدور الذي تضطلع به غرفة التجارة الدوليّة لطريق الحرير بوصفها حلقة وصل تعمل على تذليل الصِّعاب بإرساء علاقات جيدة بين الشركات والحكومات، وتوفر منصة تعاونية فعّالة إلى جانب ما تقوم به من أنشطة ترويجية للمبادرة التي تحتاج إلى دعم.و سعت الصين دائمًا ضمن خططها الطموحة في مبادرة الحزام والطريق إلى تعميق علاقاتها متعددة الأبعاد ليس فقط مع محيطها الحيوي، بل وحتى مع محيطها الإقليمي غير المباشر من منطلقات تسعى إلى تحقيق المنافع المتبادلة، ومن الأمثلة على ذلك جهود بكين لتطوير علاقاتها مع القارة السمراء. ونلاحظ هنا أهمية تطورات العلاقات الاقتصادية بين الصين ومحور إندونيسيا وماليزيا حتى قبل الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق، إذ أنها شهدت تطورًا مطردًا؛ ففي عام 2010 وقعت إندونيسيا مع الصين أكثر من 20 اتفاقية تعاون غطت مجالات البنية التحية، وصناعة الحديد، والزراعة، والتقنيات المتطورة، والصناعات المبتكرة، وحماية المُلكية الثقافة. كما عَرَفَ حجم المبادلات التجارية بينهما تطورًا لافتًا إذ قفز من نحو 1.80 مليار دولار عام 1990 إلى نحو 31.5 مليار دولار عام 2008. وقد تعززت علاقاتهما أيضا عام 2018 بتوقيع خمس عقود بقيمة 23.3 مليار دولار غطت عددًا من مشاريع البنية التحتية من بينها محطات لتوليد الطاقة الكهرومائية بقيمة 20 مليار دولار، ومشروع مصنع للحديد بقيمة 1.2 مليار دولار.
إن مواجهة العولمة بأسلوب منطقي وفعّال تكون بتبني مزيد من العولمة, والإدارة الجادة للعولمة تعني عدم تجاهلها وعدم معارضتها وإنما نَقدَها وتطوير النظم في الصين والدول العربية سياسياً واقتصادياً وثقافياً بما يعكس حقائق العالم المعاصر.
العالم العربي يعاني منذ تسعينات القرن العشرين حالة تدهور وتفكك اقتصادي وسياسي على المستوى القومي،أفقيا من الخليج إلى المحيط،وعموديا بين المجموعات الإقليمية التي يتألف منها بعد فشل المشروع الوحدوي،حتى بين الدول ذات إيديولوجية واحدة ،"وواجهت أنظمة عربية أخرى باسم هذه الوحدة،والوظائف التي أدتها الدعوة إلى فكرة (الوحدة العربية) ذات الأساس القومي ظلت محدودة ومفارقة،ساهمت بقوة في إلهاب الشعور والحماس الوطني، وتعبئة فئات واسعة في الرأي العام بأفق قومي وبدونه ضد الاستعماريين القديم والجديد، وضد ما أُعتبر رجعي أو تبعي في أنظمة الحكم والتدبير والتفكير، وفي سبيل بلورة وعي متحمس ومثالي ينتصر لما اعتبر قضايا مصيرية بالنسبة للعالم العربي وأهم من ذلك إنعاش حركة فكرية وأدبية وفنية "عميقة تتواصل امتداداتها بروح تجديدية من لون باحثين أو مؤسسات متخصصة غير حكومية في الغالب" .
" يجابه عالم اليوم الكثير من التحديات التي تعترض مسيرة حياته، ويعاني من تغيرات سريعة طرأت على شتى مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية مما جعل من الضروري على المؤسسات التعليمية على خلاف أنواعها ومستوياتها أن تواجه هذه التحديات بتبني وسائل تربوية معاصرة وأنماط غير مألوفة ، وان تُكيِّف نفسها وفق ظروف العصر ومقتنياته.ولعل المتأمل لصورة التعليم والتربية اليوم يجد أنها قد تغيرت عن عالم الأمس القريب تغيراً جذرياً، وستتغير على الدوام، ذلك لأن نظام التعليم المستقبلي لم يعد ينظر إليه على اعتبار الطالب مستودعاً للمعلومات كما كان في الماضي القريب " الأسلوب البنكي في التعليم "(1) المطيري، عواطف بنت خالد، مقارنة بين التعليم التقليدي والالكتروني، مجلة علوم إنسانية، العدد 35، خريف 2007، ص17-19.، وإنما أضحى التعليم أداة من أدوات الحركة والتغير، وإكساب المهارات والاتجاهات المختلفة التي تمكن الأفراد من النمو الحقيقي ، وبالمثل فلقد أصبح من أبرز أغراض التعليم اليوم تنمية الوعي والإدراك لدى أفراد المجتمع بما يدور حولهم وتوجيههم للعيش في مجتمع متغير ومتجدد.وبما أن العالم يعيش ثورة علمية وتكنولوجية كبيرة، كان لها تأثيٌر على جميع جوانب الحياة المختلفة ، أصبحت مؤسسات التربية و التعليم مطالبة بالبحث عن أساليب ونماذج تعليمية وتربوية جديدة لمواجهة العديد من التحديات على المستوى العالمي،حيث انه يوجد في كل ثقافة من الثقافات العالمية وفي كل نظام من نظم معارف الأمم الكبيرة بعض العناصر المفيدة وبعض العناصر الضارة ،بعض الأمور الموافقة لحاجتنا وبعض الأمور المخالفة لها فيترتب علينا أن نقتبس من كل واحدة منها ما يفيدنا وما يساعدنا على النهوض والتقدم دون أن نتقيد بإحداها على وجه الانحصار.
وبغض النظر عن مناقشة جدوى أو عدم جدوى تعميم استعمال العولمة على مستوى التعليم في المؤسسات الجامعية ، فأننا مطالبون بوضع إستراتيجية جديدة للنهوض بالتعليم العالي في جامعاتنا العربية، خصوصاً بعد أن أصبحت عالمية المناهج الأكاديمية جزءاً من التقدم المطلوب لخططنا الدراسية ولتطوير البرامج إذ أخذت برامج الجامعات العالمية تتقدم بسرعة مع ازدياد المعرفة العالمية وفعالية طرق الاتصال،فان الدول التي كانت معزولة بفعل صعوبة الاتصالات والقيام بالأعمال الكترونيا، ومع تطور تكنولوجيا الاتصالات أصبحت هناك مجموعة من الأدوات لاستخدامها في التعليم فلم يعد هناك حاجة إلى الاعتماد الكلي على تحريك الطلبة والأساتذة حول العالم ، فبالإمكان الاستفادة من وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة لزيادة التعاون بين الدول.
الخوف من استلاب الهوية لا يعني أن ندير ظهورنا و أن نقف مكتوفي الأيدي أمام رياح العولمة بحجة الخوف على ثقافتنا وهويتنا، بل على العكس من ذلك علينا القيام بمهمة التجديد والإصلاح مع الاحتفاظ بالثوابت وتقدير الوعي المطلوب لتأسيس النهوض العربي المأمون، وإذا اعتبرنا بان الفكرة الدينية تمثل أساساً مركزياً في السياقات الثقافية عامة، وفي نسقنا الثقافي العربي الذي هو أكثر مركزيةً وحضوراً.
لابد أن يكون الانفتاح نحو العالم الخارجي والعالم الغربي بشكل خاص يرافقه نوع من الحذر وقدر عالٍ من السيطرة ، وان يكون الانفتاح بشكل متوازن بعيداً عن الاندفاع الشديد الذي تنقصه العقلانية و أن يكون التعامل مع الجهات والمنظمات المشار إليها مسيطر عليه بنوع من المراقبة لضمان عدم الاختراق ودس ما هو ضد السياسة الوطنية لدولنا العربية وأمنها الداخلي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما إن على الحكومات العربية ومنظمات المجتمع المدني والجهات المحلية الأخرى ذات العلاقة الأخذ على عاتقها بتثقيف مجتمعاتها وتوجيههم التوجيه الصحيح في كيفية الاستخدام الصحيح لوسائل الاتصال المذكورة والاستفادة القصوى مما يمكن الاستفادة منه وعدم الاهتمام لما يتعارض مع ثقافتنا العربية ، والتأكيد على أن التفاعل الحضاري والتعامل الثقافي والانتقائي يجب ان يكون بحذر حفاظا على عقيدة الأمة وهويتها وأخلاقها وأصالتها من عبث العولمة الفكرية والثقافية.. ولا يتم ذلك إلا بإحياء مشروع نَهضَوي ثقافي شامل يعيد للأمة ثقتها بثقافتها واعتزازها بتاريخها وفخرها بهويتها، على أساس الالتفاف حول حضارتنا وقيمنا التي تعتبر من من اقدم الحضارات بعد الحضارة اليونانية والابتعاد عن الجانب المتخلف والتمسك بالاخلاق الحميدة فيها والكفاح من أجل بناء مجتمع متماسك إيجابي ،و فهم صحيح يضع الثوابت والمتغيرات في مواضعها الصحيحة ويوجه الاجتهاد الشرعي العصري توجيها سليما .وذلك لأن الموقف الرافض العاجز عن التعامل مع حقبة العولمة، يحمل من المخاطر على أمتنا وطمس هويتها وتوهين قيمها وعزلها عن الواقع العالمي الشيء الكثير. وفي تصورنا هناك العديد من وسائل السيطرة والمراقبة والمنع على الصعيد الرسمي (الإجراءات التي تقوم بها الدولة) وعلى الصعيد الفردي (العائلة) لما هو غير مرغوب فيه من وسائل الترويج والدعاية والبرامج غير الأخلاقية التي يثير حفيظة العائلة والمجتمع العربي من خلال وسائل الاتصال وشبكات الأقمار الصناعية وغيرها من وسائل الاتصال السمعية والمرئية.