طياً مقابلة أجراها مراسل صحيفة الأومانيته مع السياسي اللبناني "شربل نحاس".

الأومانيته: هل ستكون زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان حلاً  للتحديات التي تواجه لبنان؟

شربل نحاس: لا توجد حكومة في لبنان. أي أنه لا توجد أية إمكانية لصياغة القرار السياسي، سواء في العلاقات الخارجية أو في خيارات السياسة المحلية.

كان هناك خليط من الأخطاء في الماضي جرى إرتكابها بدعم من مختلف الأطراف الخارجية كالولايات المتحدة وسوريا والمملكة العربية السعودية ، إلخ)، الذين كانوا متفقين إلى حد ما حول إدارة الوضع في لبنان، ولكن هذا لم يعد سارياً في الوقت الراهن. فهناك الآن إدارة مشتركة لستة من القادة، ولكل واحد منهم إدراك متباين عن المجتمع. ويتلقى كل من هؤلاء القادة الدعم من ما يسمونهم بـ "أتباعهم"، ولديهم علاقات متينة إلى حد ما مع أطراف خارجية. إذن المشكلة ليست فرنسا ولا لبنان.

الأومانيته: كيف تصف الوضع الاقتصادي في لبنان؟

شربل نحاس: لقد بلغ لبنان إلى مستوى متقدم للغاية  في مجال التمويل المالي. وليس هذا وهم مالي فحسب، بل إن العملة اللبنانية هي خداع نقدي مقابل شبه الدولار اللبناني. نحن نشهد الآن انهيار كل ذلك. و من البديهي أنه مع انخفاض المدخرات والدخل، وكذلك عدم القدرة على امتلاك "عملة" قوية ، فقد أصبحت جميع البورصات الاقتصادية عاجزة ومشلولة.

الأومانيته: كيف تصف الوضع الاقتصادي في لبنان؟

هذه ليست حالة غريبة، لنلقي نظرة إلى ما يحدث في العالم. فبالإضافة إلى التأمين المحلي، يمثل لبنان نموذجاً لتطور ظواهر جديدة في المجتمع. ونحن نرى أن هذه الظواهر في المجتمع تنمو في كل مكان وبأشكال مختلفة بمظاهر من  التمييز الدينيوالمذهبي أو ظواهر أخرى. ففي لبنان ، هيمنت الطائفية خلال الحرب الأهلية وتم إضفاء الطابع المؤسسي عليها منذ ذلك الحين. هناك مؤسسات سياسية تكتسب كل واحدة منها شرعيتها من قسم من السكان بينما تتجاهل بقية المجتمع.

إن هؤلاء لا يعتبرون أنفسهم قادرين على اتخاذ القرار لأنهم ليسوا ملتزمين بمنظومة الحكم، ولا يوجد أحد في لبنان يقول إنه في حالة الإفلاس، يجب منح البنوك جميع الممتلكات العامة، أو العكس ، يجب تأميم البنوك. لذلك لا يتم اتخاذ أي قرار، فالمؤسسات تتكون من الأغنياء والفقراء والمصرفيين ، ولكن لم تتخذ أياً من هذه المؤسسات حتى الآن موقفاً ولا يمكنها التعبير عن موقفها بشأن أية قضية محددة. لذا فإن المجتمع بأسره ينزلق بسرعة إلى الوراء.

لقد أدت هذه الحالة في تقديم المساعدة للدوائر المالية والطائفية المتطرفة على تحويل لبنان إلى مختبر. وأعتقد أن النضال الذي نخوضه له مديات داخلية وإقليمية ويسلط الضوء على قضايا تؤثر على العالم كله.

الأومانيته: هل يمكن للقاء مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودرين أن يغير شيئًا؟

شربل نحاس: هناك علاقات تاريخية بين لبنان وفرنسا وكذلك اقتصادية وثقافية وما إلى ذلك. وتعمل فرنسا على تطوير سياسة خارجية تساهم فيها دول البحر المتوسط ​، بما فيها لبنان، وهو أمر مهم للغاية. لذلك ، هناك اهتمام خاص من كلا الجانبين. بطبيعة الحال، عندما يكون لفرنسا حضور "اقتصادي" في بلد صغير، فلا ينبغي تجاهلها. لكن المشكلة هي أن السياسة الفرنسية تدعم الأنظمة الحاكمة إلى حد كبير منذ 30 عاماً. وقد أطال هذا من عمر هذا النظام في لبنان، وهو نظام مخرب بشكل أساسي. لقد تم فرض هجرة واسعة النطاق على لبنان، وزادت الديون الحكومية، والأهم من كل ذلك، أن العلاقات الاجتماعية في البلاد أضحت غير منسجمة تماماً. ويلف الغموض حول السياسة الفرنسية بشكل واضح هنا.

أولاً ، العلاقة المتبادلة في فهم البلدين، وبعد ذلك جرى دعم ممنهج من مختلف الحكومات الفرنسية التي إستلمت السلطة التي أثرت على النظام في لبنان لمصلحتها. على هذا النحو، حصلت كارثة، مما وضع  فرنسا وجهاً لوجه أمام ما يجري في لبنان. على أي حال ، تواصل فرنسا دعم مجموعة غير كفؤة وملتزمة عملياً بسياسة إجرامية حقيقية. يجب أن تدرك الحكومة الفرنسية أن هذه العصابة فقدت كل وسائل التأثير على الواقع. ويجب على فرنسا أن تلعب دورها في التغلب على الأزمة الحالية في لبنان من خلال دعم إنشاء دولة علمانية، علماً أن لبنان كانت الدولة الأولى في المنطقة التي قامت على التمييز المذهبي، إلى جانب اسرائيل من بعد.

الأومانيته: من يحمل حزمة الحلول الجديدة في لبنان؟

شربل نحاس: لم يتوقف الخلاف حول هذا الوضع منذ الثلاثين سنة الماضية. وسيستمر هذا الفساد ما دامت الفدية تقدم إلى اليسار واليمين. المعارضة ستبقى ضعيفة. إن ما حدث في نهاية عام 2019 لم يكن أزمة مالية، بل هو انهيار النظام السياسي. ولقد بدأت بالفعل ديناميكية جديدة. بالطبع، أبطأ مما كنا نتوقع. وهو ينم عن تطور لمشروع اجتماعي بديل "جديد حقًا". كل شيء يتغير تدريجياً. نحن المواطنون جزء من الدولة، وإنضم إلينا معظم المتقاعدين من الجيش ، ويعد هذا حدث عظيم ليس فقط من حيث الأعداد ولكن أيضاٍ بسبب الدور الذي يلعبونه هؤلاء المقاعدين في المجتمع. كما انضمت إلينا أحزاب علمانية ويسارية وكل شيء في حالة حراك. إنه ظهور مشروع بديل للركود. ونحن في لحظات خطيرة للغاية!

الأومانيته: كيف تتدخل الجغرافيا السياسية في المنطقة في الشؤون اللبنانية؟

شربل نحاس: عبّر قادة مجتمعنا عن آرائهم حول المفاوضات أو استمرار النزاعات القائمة، لكن لبنان كدولة، لم تجلس بعد على طاولة المفاوضات الحقيقية، والأرجح أن هذا لا يزال قطعة من الكعكة. المفاوضون الحقيقيون الآن - معظمهم من الأمريكيين والإيرانيين والنتيجة غير معروفة تماماً لجميع الأطراف المحلية الفاعلة. فهل سنرى أن فرنسا لديها الشجاعة لإيجاد حل والوقوف ضد هذه القوى؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. شربل نحاس ولد في عام 1954، وزير الاتصالات اللبناني من 10 نوفمبر 2009، في أول حكومة يرأسها سعد الحريري، وهو واحد من ثلاثة وزراء ينضمون إلى الحكومة من التيار الوطني الحر، التي يرأسها العماد ميشال عون.  وفي 13 يونيو 2011 تولى وزارة العمل في حكومة يونيو 2011 التي شكلها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي.

عرض مقالات: