الماء عصب الحياة على الأرض فبدون الماء لا يمكن ان تعيش الموجودات من نباتات وحيوانات وهو بأهمية بالغة بالنسبة للإنسان افراد ومجموعات وشعوب على حد سواء، كما يستخدم الماء في الصناعات والبناء والعديد من المسائل الحياتية العلمية ومؤشرات حرب المياه ليس بالجديدة والطارئة وهي محط دراسات على ما أتذكر منذ أواسط القرن العشرين حيث كانت البعض من الدراسات والاستنتاجات تشير انه في القرن الواحد والعشرين ستكون حرب المياه على أشدها خلال الحقب اللاحقة وتنبأ البعض بانها ستكون مأزقاً للعديد من البلدان في ظل نظام غير عادل واستهتار بكل المقاييس الإنسانية ، والواردات المائية الجزئية اثبتت صحة تلك الدراسات والاستنتاجات، وقارنت ذلك بالدول التي تمتلك البترول والدول التي تمتلك جغرافية واسعة لمنابع الجداول والانهار، والعراق يمثل الشكل الواضح لهذه الموضوعة فهو يمتلك البترول الذي تتلاعب به مشاكل كثيرة مما يؤدي الى انخفاضه وعدم استقرار سوقه بسبب سياسة النهب والفساد والهيمنة الاستعمارية، ونرى ان العراق ايضاً على الرغم من النهرين الكبيرين دجلة والفرات وعشرات الجداول والانهار فهو محاط بدولتين ايران وتركيا اللتان تمتلكان الحصة الأكبر من منابع المياه وما جرى من تجاوز على حصة العراق بأغلاق او تغيير الروافد او بناء السدود بدون أي اعتبارات قانونية دولية او بشرية مثلما حدث ان ايران قامت بحرف او تحويل وغلق حوالي ( 45 ) من الجداول والانهار ومنابع المياه التي تصب في الأراضي العراقية واطلاق مياه المبازل والنفايات بدلاً منها مما أدى إلى تلوث واسع في المياه وفي الأراضي الزراعية العراقية وجزء غير قليل من شط العرب، إضافة إلى ما فعلته وتفعله تركيا فيما يخص بناء السدود على منابع نهري دجلة والفرات وحبس مياههما الحقوقية المنصوص عليها في القانون الدولي وحبس المياه اكثر من حقها يؤثر على الأراضي والبساتين والقرى وكذلك المدن، وعلى العموم التأثير الكارثي يصيب أكثرية المرافق الإنتاجية والحياتية مما يخلق مضاعفات اكثر من تدميرية للمواطنين وعلى حياتهم الصحية والإنتاجية، وقال (توبياس فون لوسو) خبير الأمن المائي في معهد ومركز أبحاث هولندي للعلاقات الدولية مؤكداً على الاضرار الكبيرة على البنية التحتية للمياه في دولنا ومن بينها العراق الذي يعيش صراعات امتدت لسنين طويلة وبواقع الحروب والسياسة المائية غير العلمية وأشار فون لوسو " أن بناء سدود جديدة على مدى عقود في تركيا وسوريا وإيران أدى إلى اختناق إمدادات نهري دجلة والفرات اللذين غذيا العراق بالمياه عبر آلاف السنين حتى أطلق عليه اسم بلاد الرافدين" وهذا التأكيد نلمس نتائجه في الوقت الراهن حيث شحت المياه القادمة من ايران وبدأ الجفاف وشحة المياه الصالحة للشرب يؤثر على حياة الملايين من العراقيين وعلى الاراض الزراعية والبساتين فضلاً عن ارتفاع الملوحة في مياه شط العرب والأراضي الزراعية وارتفاع درجات الحرارة حيث اشارت (مها ياسين) مسؤولة التواصل في مبادرة " الامن الكوكبي" عن الحالة المأساوية لحياة المواطنين في البصرة يبلغ متوسط درجات الحرارة في الصيف أكثر من ( 45 ) درجة مئوية، إن الشباب "يريدون فقط الحصول على مياه الصنبور في منازلهم، وبعض الهواء المكيف خلال فصل الصيف" ، اما الجانب التركي الذي لا يقل خطورة ودمار على الحياة في العراق فهو يظهر لمجرد مشاهدة نهري دجلة والفرات ونقص المياه فيهما يرى المأساة التي تحيط بكمية المياه لا بل شحتها تقريباً حيث ترى النهرين في حالة مزرية بعدما شحت المياه واصبحا يثيران الشفقة والتساؤل بعد ذلك الفرح من تدفق المياه في السابق لا بل حتى تهديدها بالفيضان، ان هذه الحالة الجديدة المؤلمة تقف من ورائها تركيا وسدودها التي شيدت وحبس المياه بدون مراعاة العراق والشعب العراقي، وهي جريمة ترتكب بحق الشعب العراقي وتقع تحت طائلة القوانين الدولية، ولا بد اذا سارت الأمور من سيء الى أسوء واستمرت هذه السياسة العدوانية لحبس المياه والتجاوز على الحقوق وحياة المواطنين وبعد فشل الجهود الدبلوماسية والمفاوضات الدولية نقول قد تصل الى حرب طاحنة للدفاع عن حياة المواطنين وعلى وجودهم بالارتباط بالزراعة والصناعة ومياه الشرب، وفي هذا الصدد نرى ان تركيا ظلت طوال تاريخها تحمل نوعاً من العدوانية بهدف التدخل في شؤون العراق تحت طائلة حجج واهية كالمطالبة "بالموصل ومناطق أخرى" او حجة الدفاع عن التركمان العراقيين!!، وزادت من ممارساتها العدوانية بعد بناء السدود وهي سياسة الابتزاز السياسي والعسكري من خلال تعزيز القواعد العسكرية او التدخل بواسطة قصف الطائرات والمدفعية للقرى والمساحات والبساتين ودخول قواتها وتوغلها الى مسافات بعيدة ضاربة بعرض الحائط علاقات الجيرة والعوامل التاريخية والاتفاقيات الدولية ولم تكتف تركيا الطورانية بالعسكر واستغلت المياه لتحارب به كي تصل للهدف المجرم وبهذا فقد قامت ببناء سد ايليسو (ايليصو) على نهر دجلة وسيكون بارتفاع ( 36 ) وبسعة حسب الدراسات المسبقة ( 46,7) وهو مشروع حيوي بخصوص توليد الكهرباء بالماء، وايضاً سيؤدي الى فقدان دجلة والعراق حوالي ( 38 ) بالمئة من المنسوب القادم من تركيا وبهذا تفصح تركيا الطورانية المرتدية الثوب الإسلامي كذباً عن نيتها العدوانية التوسعية وحسب التصريح الصحفي للدكتور مهدي القيسي وكيل وزارة الزراعة العراقي للشؤون الفنية " الايرادات المائية للدول المتشاطئة يجب ان تكون مشتركة، وبالنسبة لتركيا فان كلاً من دجلة والفرات يتأثران بسياستها المائية تجاه العراق" ويسترسل الدكتور القيسي " هناك سدود تركية على نهر دجلة، تحجب من الحصة المائية للعراق مما يتسبب في اضرار جسيمة للأراضي الزراعية ولاسيما بالنسبة للمحافظات الثلاث الرئيسة في زراعة الشلب، حيث انخفضت المساحات المتاحة للزراعة الى( 50 %" ) اما فيما يخص السد الجديد (سد ايليسو (ايليصو) القريب من الحدود العراقية سيتم تحويل نحو( 40 ) بالمئة من المياه الى هذا السد فيجعل من دجلة عبارة عن مجرى جاف لا روح فيه ولا ماء وينذر بموجة جفاف تطال الأراضي الزراعية ومياه الشرب أي تداعيات مأساوية سوف يخلفها جفاف دجلة والفرات . هذا غيض من فيض من المصائب التي ستقع على العراق والشعب العراقي، أما الحكومات العراقية المتعاقبة ( الجعفري، والمالكي، العبادي وعادل عبد المهدي ) كانت تنام في العسل بدون الشعور بالمسؤولية وهمها الأول انعاش الفساد وهدر المال بدلاً من البناء والتقدم والالتفات الى الخدمات العامة وعدم قتل المتظاهرين السلميين واعتقالهم، أما في الوقت الراهن وبعد تكليف السيد مصطفى الكاظمي ما الذي يتعين عليه وحكومته عمله مع إيران الجارة الحميمة واغلاق العديد من الأنهر والجداول وتحويل المياه عن نهر كارون ورمي مياه المبازل والمعامل في شط العرب والأراضي العراقية المجاورة وغير ذلك، وكذلك الجارة تركيا بعدوانيتها العسكرية ومحاولاتها لتجفيف نهري دجلة والفرات، ماذا ستفعل الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي ؟ وهي مسؤولة عن حياة الملايين من العراقيين وحقهم الطبيعي في المياه كمسألة قانونية وإنسانية؟ ماذا ستفعل بعد ملء الخزان وحدوث الكارثة الكبرى ليندثر دجلة وبخاصة بعد السعي لبناء سد آخر يسمى " جزرة"، ان قضية حرب المياه تدق أبواب العراق وهناك جوانب غامضة في هذه الحرب والاجدر برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وحكومته الإسراع في التدخل والمطالبة بالحقوق الطبيعية للبلاد من المياه وفق الاتفاقيات والمواثيق الدولية وإلزام تركيا باتفاقية عام (1947) التي نصت في المادة الخامسة على حسب ما أشار مهدي القيسي له " قيام دول المنبع باطلاع الجانب الآخر على انشاء السدود والخزانات التي تنوي اقامتها، والتقسيم العادل للمياه بين دول المنبع ودول المصب"، لكن ايران او تركيا على ما يبدو لا يعيران أهمية للعراق كدولة، والحكومات العراقية المتعاقبة هي الأخرى كأن الامر قضية عابرة وليس حياة او موت للملايين من المواطنين ليس في العراق فحسب بل حتى في سوريا ، على رئيس الوزراء والحكومة العراقية اتخاذ إجراءات رادعة للدفاع عن حقوق العراق الوطنية وعن حياة المواطنين ولا نريد التحريض على السلاح بل الدفاع عن الوطن والشعب، الدفاع عن النفس امر مشروع اذا ما اقتضى الامر وعجزت الجهود السلمية والمفاوضات وبقى التعنت واللامبالاة بالحقوق ورفض توزيع المياه وفق الحقوق القطرية والقوانين والمواثيق الدولية وعند ذلك لكل حادث حديث، فليس المراوحة في المكان نفسه والكلام الفضفاض عن حقوق البلاد بدون ردة فعل قوية وجادة، وتحرك وزارة الموارد المائية العراقية إيجابي وبخاصة اللقاء بالسفير التركي فاتح يلدز في بغداد وأشار عوني ذياب المتحدث باسم الوزارة الى "إعادة التفاوض مع أنقرة للوصول إلى اتفاق يحدد الحصّة المعقولة من مياه نهري دجلة والفرات " واكد بخصوص ايران "وجود محاولات مع إيران بهذا الخصوص". وكان من المفروض التحرك قبل هذا الوقت من قبل الحكومات السابقة التي كانت مشغولة بقمع وقتل الرافضين لسياسة المحاصصة كي لا تصل الأوضاع الى هذه التعقيدات وان تشعر الدولتين ايران وتركيا جدية العراق في الدفاع عن نفسه، ولا سيما قد أوضح عوني ذياب أنه "لم يتم التوصل إلى حلول مع طهران وأنقرة بشأن الواردات المائية، وأن المباحثات الأخيرة مع تركيا، التي جرت العام الماضي لم تلق تجاوباً بشأن مطلب العراق المتعلق بحل المشاكل الناجمة عن الإيرادات المائية"، على ما نعتقد التوضيح يكفي للضغط على الدولتين من اجل حقوق العراق المائية وعدم التسامح مع أي تفريط بالحقوق ومن أي جهة كانت، ويجب ان تكون كل الحقوق كاملة بدون أي تنازل او تفريط فالعراق والشعب العراقي مقبلان على كارثة ليس لها من مثيل ولا يمكن التخلص منها الا بالحزم والإرادة والتضامن مع الشعب العراقي .
تداعيات حرب المياه القضية المصيرية لحياة العراقيين
- التفاصيل
- مصطفى محمد غريب
- المنبر الحر
- 947