كان الأكثر خساسةً ونذالةً وجبناً في جريمة اغتيال المغدور الباحث الاستراتيجي الأمني الشهيد هشام الهاشمي ليس طريقة قتله بالرصاص الكاتم للصوت  فحسب ، بل واختياره المكان أمام منزله حيث عائلته المثكولة بفقده . ولك أن تتخيل مشهد رب إسرة مضرجاً بدمائه أمام منزله مدى وقع هذا المشهد وتأثيره النفسي الصادم على أفراد إسرته ؛ من زوجة وأبناء ، ما  يعكس تجرد القتلة من أي مشاعر  إنسانية . 

وحينما زار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عائلة الشهيد لتعزيتها كان نحيب بعض أطفاله المفجوعين مسموعاً بوضوح ،  وكان لافتاً تأكيده أن من ارتكبوا الجريمة ليسوا عراقيين في إيماءة لا تُخفى على أي لبيب بأن القتلة وإن كانوا " عراقيين "  إلا أنهم ينفذون أجندة أجنبية ، وكان المغدور تلقى تهديدات بالقتل من إحدى الميليشيات الموالية لإيران ، كما كان لافتاً عند تعزيته أرملة الشهيد قوله لها : " أنتِ بنت عرب طيبة وعراقية أصيلة " . بلا شك بأن  مسارعة رئيس الوزراء بتعزية عائلة الشهيد الهاشمي خطوة موفقة في الاتجاه الصحيح ، ومثلها قراره بتسمية أحد الشوارع بإسمه ، وكذلك أجراءاته الأخيرة بزيارة وتفقد عدداً من المنافذ الحدودية التي عاث فيها المفسدون طوال ما يقرب من عقد ونصف ؛ إذلم  يكن نزيف الميزانية العامة ؛ الذي لم تشهد له الدولة العراقية مثيلاً منذ تأسيسها  قبل قرن كامل ، يقتصر على فساد ممثلي أحزاب الإسلام السياسي في الحكومة والبرلمان فحسب ، بل وتقاسم الإيرادات المالية للجمارك الحدودية فيما بينها ، وكانت واحدة من أبرز زياراته للمنافذ تلك التي قام بها   لمعبر "المندلي " حيث يجري حلب الموارد المالية الجمركية لصالح الميليشيا المسيطرة فيه أو بالتقاسم فيما بينها ؛ ومنها تهريب  المخدرات والعملة والمنتوجات الغذائية الفاسدة . وكان يسمح لما يقرب من ثلاثة ملايين زائر إيراني في المواسم الدينية - وبخاصة خلال زيارة الأربعين - بالعبور من هذه المنافذ بلا تأشيرات دون أن تعامل طهران الزوار العراقيين لإيران بالمثل !  وأغلبهم يحلون ضيوفاً على العراقيين في شوارع كربلاء وبيوت أهاليها ويتلقون وجباتهم من المضايف والقلة هي التي تسكن منهم الفنادق ،  ولك أن تتخيّل الخسارة التي يتكبدها  الاقتصاد العراقي أو التجارة الداخلية من هذه السياحة الدينية بلا مقابل ! على العكس تماماً فإن عوائد السياحة الدينية الإيرانية كبيرة بما في عائدات فنادقها ذات الاسعار العالية وأسواقها الداخلية .

 الكاظمي أكّد خلال زيارته لمنفذ المندلي  بأنه لن يسمح  بسرقة المال العام بعد الآن وستخضع المنافذ جميعها لسيطرة الدولة وقواتها . من جهة اخرى وفيما معظم محافظات العراق تغرق ساعات طويلة في الظلام في عز الصيف كشف تقرير للجنة النفط والطاقة البرلمانية أن وزارة الكهرباء أكثر الوزارات استحواذاً على مخصصات مالية لمشاريعها ، وبلغت خلال 15 عاماً أكثر من 62 مليار دولار ذهبت في الفساد وسوء الاداء والتخطيط . وأكّد الكاظمي في ضوء هذا التقرير الصادم بأن ملف قطاع الكهرباء أحد أهم التحديات التي تواجه حكومته ، وأنه سيتم سد منافذ الفساد في هذا القطاع ، وأمر بتفعيل مشاريع الكهرباء المتوقفة وتزويد المولدات الأهلية بالوقود مجاناً . 

 والواضح أن ثمة بصيصاً من الأمل يلوح في الأفق إذا ما تمكن الكاظمي من منصبه المؤقت -كمرحلة انتقالية في شغله الفراغ الدستوري - بالمضي قُدماً في تطهير جهاز الدولة من المفسدين والاستجابة الكاملة لمطالب انتفاضة تشرين ، وتقديم قتلة شهدائها للمحاكم العادلة . ومع أن رئيس الوزراء يمتلك شجاعة وحزماً واضحين ؛ لكن سيظل السؤال القائم : هل سينجح  في تنفيذ أجندته الإصلاحية بلا عراقيل ؟ وهل شبكة الفساد المتغلغلة في مفاصل الدولة والمحتمية من مواقعها بالمحاصصة الطائفية وبالميليشيات الطائفية والمدعومة من دولة إقليمية مجاورة ستدعه وشأنه وستسلم طواعية وديمقراطيةً أسلحتها وترفع الراية بعد بحبوحة الفساد التي استنزفت من خلالها جيوب الفقراء طويلاً ؟ ثمة شكوك أن تكون الأرضية ممهدة أمام الكاظمي لينفذ أجندته الإصلاحية بلا عراقيل ومعوقات ستنصب أمامه ؛ ومن هنا فإنه بلا شك إلى دعم القوى الوطنية والديمقراطية العراقية ، وكذلك  هو بحاجة إلى دعم داخلي وإقليمي عربي ودولي. 

عرض مقالات: