لقد اصاب جميع العراقيين، الهلع والخوف من المستقبل الذي سيبنى للعراق على أيدي الأحزاب الإسلامية والقومية التي جاء بها المحتل ووضعها على قيادة العملية السياسية، وخاصة بعد اقتراح بريمر بتبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية المقيت لتقاسم المغانم فيما بينها، فأتاح لها ذلك فرص التوغل في مفاصل الدولة، أمام بصيرة المحتل، الذي التزم الصمت والسكوت تجاه سيطرتها على مواقع القرار وأفعالها التي تنم عن فشلها وافتقارها للمهنية والكفاءة، ومما زاد الطين بلة تكون غابة طبقية في المجتمع العراقي، جراء سيطرة تلك الأحزاب وميليشياتها بقوة السلاح على مصادر ثرواته النفطية والحدودية، ناهيك عن تدخلها في العقود التي برمت، عبر شركات غير كفوءة. مما دعا شعبنا أن يُحمل أمريكا المسؤولية السياسية والأدبية جراء مُسايرة من نصبتهم على قيادة العملية السياسية، بعد 2003. كما إن عدم مبالاتهم تجاه انتهاك حرمة الوطن و مصادره المائية من قبل دول الجوار بصورة خاصة إيران وتركيا، كان وراء جعل العراق ملحقا بهما، كمساعد مالي واقتصادي في تخطيهما الصعوبات الإقتصادية التي يمران بها، موفرا لهما سيولة مالية بعشرات الملياردات من الدولارات، عبر المنافذ الحدودية المدارة من قبل الأحزاب المتحاصصة وميليشياتها ، هذا بالإضافة إلى الذين بذلوا كل ما من شأنه وضع العراقيل، لتنفيذ ما كانت تدعو اليه القوى الوطنية، من خطط لتنمية الزراعة، وإعادة تشغيل المصانع التي دكتها القوى المحتلة للعراق. َليَعتمد العراق كليا على ما يُوَرد له من منتجات زراعية وصناعية من دول الجوار في معيشته اليومية، ناهيك عن ذهاب رسومها الكمركية لجيوب الأحزاب والميليشيات. فإذا لم يتم تطهير أجهزة الدولة منهم، فسيبقى اسلوب عرقلة المساعي الهادفة لتنمية العراق وتطوره مستحيلة
إن السياسة الملتوية التي أصبحت مرتبطة بنهج المحاصصة المقيت، قد أثمر مفعولها بين الجماهير الفقيرة، وبصورة خاصة غير المتعلمة منها، وبصورة خاصة التلاعب بمشاعرها الدينية والطائفية، والهائها بالمسيرات والزيارات الدينية على حساب ساعات العمل اليومية، فكان قادة الأحزاب الإسلامية وبمساعدة ميليشياتهم، يشدون الأحزمة لعمل الكبة والشاورما والقيمة كوجبات تقدم للمشاركين في المواكب الحسينية، بالإضافة لإغداق المساعدات العينية لهم، وإطلاق الوعود بنيل مكان في الجنة الأخروية إذا وقفوا بجانبهم عند الانتخابات.
لم يكتف المتحاصصون باستيلائهم على ما بنته الأنظمة الرجعية والدكتاتورية من مبان وقصور، بل اشتروا العقارات في الخارج، وطائرات خاصة ليتنقلوا بواسطتها حتى بين المدن العراقية، وأمنوا حياة آمنه في قصور مكيفة، عبر سيطرتهم على السياسة المصرفية كالبنك المركزي والمصارف، وبيع العملة، فكونت هيئات محصنة من العقوبات، بينما لعبا بوش الابن و أوباما دورا ملموسا لدعمهما بسكوتهم عن أفعالهم تلك، وخاصة تصاعد قوة ميليشياتهم السائبة فعليا وعمليا في كافة المرافق الحكومية، علاوة على تحويل ورثة الرموز الدينية الى قادة سياسيين، مستفيدين من توارث الصفة الدينية، التي كان آباؤهم يتصفون بها أثناء مقارعتهم الدكتاتورية، دون تملكهم مؤهلات مهنية وموهبة علمية أو أكاديمية، لهذا لم نسمع من كلا الطرفين أي مناشدة أو اعتراض على عبث ميليشياتهم السائبة، التي استخدموها لقمع الشباب المطالب سلميا بحقوق المواطنة القائمة على أسس عراقية اصيلة قوامها العدل والمساوات والعدالة الإجتماعية.
أن جماهير شعبنا لن تنسى موقف بعض رجال الدين والرجعية وما قدمته أمريكا لوجستيا وماديا لهم من دعم، لغدر ثورة الفقراء تموز المجيدة التي احتفلنا بذكراها الثانية والستين في 14 تموز الخالد، افلا يكفي هذا وذاك أن ينمي تواصل كره جماهير شعبنا الدفين ﻷمريكا، فما لم تصلح مواقفها تجاه العراق وشعبنه وتعينه على التخلص مما وصل اليه من ضيم ومعاناة، بالإضافة ﻷنتعاش داعش من جديد، فان هذا وذلك يبقى عاملا معرقلا لجهود الحكومة نحو الإصلاح والتغيير الحقيقيين.