اليوم الأربعاء العاشر من حزيران 2020، وفي واحدة من أعقد وأطول قضايا التحقيق والتعقيب والبحث الجنائي، كما عبر المدعي العام السويدي والمسؤول الأول عن التحقيق كريستر بيترسون، توصل جهاز الشرطة السويدي وبعد 34 عاماً، الى كشف هوية قاتل رئيس الوزراء السويدي وسكرتير الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولوف بالمه، الذي اغتيل ليلة 29 شباط 1986 في شارع سفيا فيغن وسط العاصمة السويدية ستوكهولم وكان في تلك الليلة يسير ودون حماية عائداً الى منزله بصحبة شريكة حياته وزوجته ليزبيث بالمه، وبعد إن شاهدا سوية أحد الأفلام في دار سينما لا تبعد سوى مسافة قليلة من مكان الحادث.

القاتل الذي أعلن عن اسمه اليوم، هو ستيغ أينغستروم، وكان على امتداد فترة التحقيق الطويلة، تحت الأضواء ووسط اهتمام الصحافة والإعلام كأحد المتهمين المحتملين في مقتل بالمه، وكان يعرف باسم سكانديا مانن، وتعني رجل سكانديا، لعمله في شركة التأمين السويدية الشهيرة سكانديا وبالتحديد في مكتب الشركة الضخم الذي يشغل بناية كبيرة ليست بعيداً عن مكان الجريمة.

 وكان القاتل قد ترك عمله وغادر موقع البناية في ذلك المساء وقبل دقائق قليلة جداً من وقت حدوث الجريمة...الغريب في الأمر أن هذا الشخص كان قد تحدث مع الشرطة التي وصلت لمكان الحادث وعرض مساعدته في تشخيص القاتل، مدعيا أنه قد سمع صوت الطلقتين اللتين قتلت إحداهما بالمه وأصابت الثانية زوجته ليزبيث..الشرطة بدورها حققت معه ولمرات كثيرة وكان في كل مرة يغير من أقواله وشهادته، وكان يحرص على الظهور للصحف والإعلام ووصلت فيه الحدود ليعلن بأنه هو القاتل ولم تؤخذ ادعاءاته في حينها على محمل الجد.

المجرم اينغستروم من مواليد عام 1934- مدينة بومباي الهندية ، ومن أم وأب سويديين، وكانا قد أقاما في الهند لعدد من السنوات ارتباطاً بعملهما هناك.

حين بلغ ١٢ عاما قدم للسويد وعاش لفترة من الزمن عند الأقارب وحتى عودة الأب والأم من رحلة الهند...عمل لفترة من الزمن عاملا في الصناعة العسكرية، ومن ثم تخرج من الجامعة في اختصاص فن الغرافيك..بعد التخرج عمل في شركة التأمين سكانديا وبشؤون الدعاية والإعلان، كما أبدى لفترة من الزمن بعض الميول السياسية عبر عمله مع حزب المحافظين في بلدية تيبي القريبة من ستوكهولم وفي مجال طباعة مطبوعاتهم ونشرات الدعاية، ولكنه ترك العمل معهم لاحقاً...كما عرف عن القاتل اهتمامه بالسلاح وتردده على أحد النوادي وبهواية الرمي وامتلاكه لسلاح ناري مسدس، وكان أيضا يميل الى الجماعات السويدية التي ناصبت اولوف بالمه العداء والحقد والكراهية بسبب مواقفه الانسانية والسياسية.

وعن بعض تفاصيل حياته الشخصية هناك إشارة لارتباطه بعلاقة زواج ولمرتين وكانت النهاية الطلاق والانفصال وكان مدمنا على تناول الكحول في سنواته الأخيرة التي انتهت بانتحاره عام 2000

قاضي التحقيق أعلن عدم تمكن الشرطة من العثور على السلاح المسدس الذي استخدم في الجريمة، رغم السنوات الطويلة لتجارب مختلفة لمطابقة الرصاصات مع نوع المسدس الذي ارتكبت الجريمة بواسطته، وقد جرب القضاء حوالي 788سلاحا، وتم التوصل فقط إلى أن نوعية المسدس الذي استخدم في الجريمة وكان من نوع ريف ولفر.

لم يكن هذا المجرم الوحيد الذي وجهت له  تهمة القتل، فقد اتهم في ارتكاب الجريمة عدد من الأشخاص والجهات، ومنها حزب العمال الكوردستاني في تركيا، ولكن جميع هذه التهم قد أسقطت في حينها لعدم ثبوت الأدلة الجنائية.

في حديثه مع وسئل الاعلام السويدية والأجنبية تحدث اليوم  رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين بألم وحسرة معلناً أن جريمة مقتل رئيس الوزراء السويدي والذي يخص أيضا حزبه الاشتراكي الديمقراطي السويدي كانت على الدوام كأزمة وجرح، وعبر عن أمله في أن يتشافى هذا الجرح بعد الإعلان عن هوية القاتل الذي ظل طليقا.

مورتن بالمه ابن رئيس الوزراء الراحل اولوف بالمه عبر عن ألمه وعدم ارتياحه لأن الشرطة السويدية لم تتمكن من تحديد اسم القاتل، ورغم أن المجرم الذي تم الاعلان عن اسمه كان ضمن المتهمين الذين كانت الكثير من الدلائل تشير لضلوعه في ارتكاب الجريمة.

هذا اليوم ومع إعلان اسم قاتل بالمه، ومع الظروف الصعبة التي أحاطت بالقضية، ومنها ما يقترب من الكوميديا المحزنة في ادعاء أكثر من ١٠٠ شخص كونهم الجناة وإنهم هم من قتل بالمه !!!!

وفي كل الأحوال يبقى الحدث الكبير الذي أعلن عنه اليوم في ستوكهولم باكتشاف وتحديد هوية القاتل وغلق ملف القضية، قد خفف الكثير من الألم والوجع في قلوب الملايين في السويد والعالم، من محبي وأصدقاء الراحل بالمه، وكيف لا وهو الشخصية الوطنية السويدية والعالمية الذي ارتبط اسمه وبقوة مع مناهضة نظام الابارتيد العنصري في جنوب افريقيا ومع مناصرة الشعب الفيتنامي ضد العدوان الأمريكي والتضامن بقوة مع حق الشعب الفلسطيني في دولته فلسطين...

العراقيون يتذكرون بألم وحسرة هذا الإنسان الوطني الغيور الذي رفع صوته عاليا ودون خوف ووجل في المطالبة بوقف الحرب العراقية الإيرانية التي رأي فيها خسارة ودمار للشعبين العراقي والإيراني..ارقد بسلام أولوف بالمه..الناس لن تنساك ولن تنسى مآثرك..

..........

جزء من المعلومات منتقاة من وسائل الإعلام السويدية وما نشر عن الموضوع...

عرض مقالات: