تحت راية ماركس؟

في آخر خطاب لروزا لوكسمبورغ عند انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الالماني في 31كانون الأول 1918 قالت فيها (أيها الرفاق، اليوم نعيش اللحظات التي نستطيع القول فيها، نحن الآن مرة أخرى مع ماركس، تحت رايته) وكانت واضحة، أيَّ ماركس تَعنيه والمقصود، ماركس عام 1848وليست تصورات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني واستراتيجيتهِ الاساس لسنوات 1880و1890، الذي اختلف فيه الطرفان بنظرتهما الى العلاقة بين الاهداف القصيرة والطويلة الامد.
كان برنامج الحزب الشيوعي الالماني بالنسبة لروزا لوكسمبورغ هو العودة الى استراتيجيةٍ ،تكون الاهداف الثورية والنضالية من اجل اصلاحات ملموسة وثابتة لاتنفصل بعضها عن بعض (اذا أردنا توضيح برنامجنا وكمهمة مباشرة للبروليتاريا فهي تتلخص ببضع كلمات ،الاشتراكية كحقيقة وأفعال، والقضاء على الرأسمالية كما كان موقف ماركس وأنجلز عام 1848واللذان لم ينحرفا عن المبدأ ،حيث اصبحت ماهية الماركسية الحقيقية واضحة، والاخرى التي جعلت من نفسها ماركسية رسمية انتشرت في صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين والتي تركزت على الاصلاحات البرجوازية ).
إن روح الماركسية الحقيقية التي دعت اليها روزا لوكسمبورغ عام 1918 هي تحويل الفكرة العظيمة للهدف النهائي للاشتراكية الى دوامة في الحياة السياسية اليومية، مضيفة لها صيغة عام 1903 ( كانت هناك سياسة برجوازية يقودها العمال قبل ماركس ،وكانت هناك اشتراكية ثورية في فترة ماركس والتي تمثلت في الوقت نفسه بسياسة واقعية ثورية بالمعنى الحقيقي للكلمة)
عندما تشكل الحزب الاشتراكي الديمقراطي بعد اتحاد اللاساليون والايزناخيون عام 1875 واصبح برنامج أيرفورت عام 1891 برنامجاً رسمياً للحزب، يوضح في استراتيجيته تحقيق اهداف طويلة وقصيرة الامد تحت ظروف الوضع غير المستقر نسبيا في اوربا.
استراتيجياً حدث لاول مرة عام 1880 عندما قام ماركس الى جانب أنجلز وزعماء حزب العمال الفرنسي ، الذي تم تشكيله حديثاً من قبل غول غولد وبول لافارغ ، وضعت فيها المسودة التي تم التمييز فيها بين الحد الاقصى والحد الادنى من البرنامج ، تَمثلَ الاقصى في عودة جميع وسائل الانتاج الى الملكية العامة (ماركس 1880) ،في حين ركزَ برنامج الحد الادنى على متطلبات الاصلاحات الديمقراطية والاجتماعية وتوسيعها لتخدم في الاعداد للاستيلاء على السلطة ،يتوجب فيها على الحركة العمالية استخدام كل الوسائل لتحقيق الاهداف الشيوعية ،ومنها على سبيل المثال حق الاقتراع العام لكشف ادوات الاحتيال التي تُمارس لتحويلها الى اداة للتحرر الاجتماعي.
وقد رأت روزا لوكسمبورغ في تطوير هذه الديمقراطية الاجتماعية كبرنامج تكتيكي والذي كتبه فريدريك أنجلز بعد وفاة ماركس في مقدمة كتاب (الصراع الطبقي في فرنسا 1848ـ1850)
من جانب آخر كان الاشتراكيون الديمقراطيون لايرغبون بإثارة النزاعات المسلحة ضد القيصر، بل أن يظلوا معارضة ثابتة ضد سلطته.
وكان موقف أوغست بيبل كما هو فريدريك أنجلز يتمثل بالعداء والقتال ضد الرأسمالية (نظام لا يستحق الرجال والقروش)، واستندت هذه الاستراتيجية الى فرضية واضحة، كون الازمات الاقتصادية والحروب العالمية المحتَملة ستُغرق النظام البرجوازي في كارثة خصهُا أنجلز بعبارة (يوم القرار) ولا يعني ذلك موقف الانتظار الهادئ ، بل الاستعداد النشط وتعزيز تلك القوى وتعبئتها واستخدام كلمة (تراكم العنف) بمعناها الجدي ، يتوجب فيه للهدف القريب ، أن يكونَ في خدمة الهدف الاشتراكي البعيد.
وحاجج أوغست بيبل في مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1891بقوله (يعمل المجتمع البرجوازي بجدٍ لسقوطه ولانحتاج الا الى اللحظة التي يتعين علينا فيها فهم العنف الذي يمارسونه...نعم انا مقتنع بان تحقيق أهدافنا النهائية قريب جداً ..والبعض في هذه الصالة سوف لايعيش تلك الايام. إن تطور العلاقات الاقتصادية واستمرار التسلح الحربي، سيخاطب فيها البعض نفسه، إن الحرب لا تأتي اليوم أو غداً بل بعد غد، والذي سيدمر بالتأكيد مجتمع اليوم دون استطاعة أحد إنكارهُ، ليقوده الى الكارثة).
لم ينجح تكتيك أنجلز عندما حلت الكارثة عام 1914(المقصود الحرب العالمية الاولى) وانقياد الاشتراكيين الديمقراطيين الى قلعة القيصرحيث الغرض والسبب واضحان ،هو تقويض الثورة. ولم يعُد من الممكن في بروسيا السعي للنضال من أجل تنشيط امكانية الاقتراع العام أو ضد السياسات الامبريالية والعسكرية المتزايدة الاتساع.
روزا لوكسمبورغ كانت نزيلة السجن عام 1918، واصبحت حساباتها مع التكتيكات القديمة اكثر حدةً، وذلك عندما قامت القوات الالمانية بقمع الجمهورية السوفيتية في فنلندا حيث كتبت ( الاعمال البطولية للفلنديين كانت القشة الاخيرة لحساب قدماء الاشتراكيين الديمقراطيين والاممية الثانية ).
ولم يكن البرنامج التكتيكي لفريدريك أنجلز عام 1895 متوافقاً مع عصر الامبريالية. الاشتراكيون الديمقراطيون حوروا المسارات وتحولوا الى حزب يدعم النظام ليصبح الاستحقاق بمثابة الطاعون.
النقد الذي مارسته روزا لوكسمبورغ أزاء أنجلز، بيبل وكاوتسكي حفزها لنقد ذاتها في الوقت نفسه واكتسبت بصمتها في الاشتراكية الديمقراطية الالمانية على وجه التحديد، أنها دافعت عن الاستراتيجية القديمة بحزم ضد تنقيحات برنشتاين، وتوصلت الى تحالف مع قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ليس مع بيبل فقط، الذي ادركَ في المناقشة، أنه لايمكن فصل النظرية عن الاستراتيجية داعما من جانبه روزا واليساريين الآخرين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وتساءلَ أدوارد برنشتاين عن جميع الافتراضات التي يقوم عليها برنامج أيرفورت والاستراتيجية القديمة ،محاولاً في البداية ان يوضح بكل الاحوال أن وسائل الانتاج تتركز بايدي قلة من الرأسماليين،بل هناك حركات قوية مضادة لتركيز رأس المال وأنه لا يمكن الحديث عن أن البرجوازية الصغيرة الفلاحون والطبقة الوسطى تختفي ببساطة ليحدث استقطاباً للتركيب الطبقي كونه شيئا مستبعدا، وعلى العكس من ذلك كان تقسيم المجتمع في الماضي أبسط فيما يتعلق بمستوى الدخل والانشطة المهنية وبدرجة عالية ومتمايزة ورأى - والحديث لبرنشتاين - أن هناك اتجاهاً واضحاً نحو الديمقراطية ومنها على المستوى الاقتصادي.
لكن روزا لوكسمبورغ عارضت ذلك بشدة، لأنه لم يكن هناك اي دليل على وجود اتجاهات للتخفيف من تناقضات المجتمع الرأسمالي ،فالاستقطاب واضح بين قسمين متنافسين ومتعارضين ،هما الطبقة الرأسمالية والبروليتاريا ،وحين يؤدي الامر الى اختفاء الطبقة الوسطى ،تكون استجابة البرجوازية القيام بإصلاحات وتنازلات عندما يحوم حولها خطر ثورة اجتماعية ،وحال زوال المخاطر تتراجع عن إصلاحاتها وفيها ستواجه النقابات والمنتديات الديمقراطية والاجتماعية صعوبات جديدة.

ما الذي يحولنا بعد ذلك في كفاحنا اليومي الى حزب اشتراكي؟

انها فقط علاقة الاشكال الثلاثة من النضال الى الهدف النهائي والذي يشكل روح ومضمون كفاحنا الاشتراكي، لجعله صراعاً طبقياً لدولة مجتمع المستقبل، يتوجب التقدم الى الامام والمعني به الاستيلاء على السلطة السياسية وهذا التصور مرتبط بشكل وثيق، كون المجتمع الرأسمالي متورط بتناقضات مستعصية، ستؤدي في النهاية الى حدوث انفجار تلعب النقابات معنا دوراً فيه.
وتسخرُ روزا من برنشتاين بقولها (لتحويل بحر المرارة الرأسمالية الى بحر من الحلاوة الاشتراكية عن طريق اضافة الصودا الاصلاحية الاجتماعية في القناني.)
وعلى الرغم من تطور الاصلاحات الاجتماعية والديمقراطية، سيبقى الجدار عاليا وثابتا بين الرأسمالية والمجتمع الاشتراكي، هذا الجدار الذي سيجري تحطيمه من خلال المطرقة الثورية والمعني بالسلطة السياسية للبروليتاريا.
لقد اظهر تصرف الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الحرب العالمية الاولى لروزا لوكسمبورغ، انه في حرب العصابات ضد التحريفية، لم يتحقق سوى (نصر باهظ الثمن). ولفترة طويلة بجانب كاوتسكي، كانت الشرعية البرلمانية هي السياسة الوحيدة التي من خلالها تمنح وتكرس للتحضير للثورة الاشتراكية، وفي الوقت نفسه فأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لم يعارض الأوليغارشيين والبيروقراطيين. ولم يتحقق أمل روزا لوكسمبورغ، بأن تستعيد الجماهير أمور قيادة الحزب لا قبل ولا بعد عام 1914 ومطالبتها بالنضال الحازم وتنظيم الاضرابات الجماهيرية من اجل الجمهورية، ضد القيصر وحاشيته بتدخلاتهم في أمور الحزب والسيطرة عليه، وعملت جاهدة لتنوير العمال وعدم ‘طلاق النار على إخوانهم الطبقيين في حالة نشوب الحرب ووجد هذا فعلاً استجابة كبيرة بين أعضاء الحزب وليس في مراكزسلطته.
ولم تحظ روزا لوكسمبورغ بشعبية كبيرة بين العمال الاشتراكيين الديمقراطيين كما كان الحال في عام 1914، لكنها كانت بلا سلطة في الحزب، وخرجت باستنتاج، أن في الحزب الاشتراكي الديمقراطي حركة عمالية منظمة تنظيماً جيداً جلبت قوة عاملة منضبطة في الحرب العالمية الاولى.
ماكس فيبر كان على حق عندما تنبأعام 1907(ان الاشتراكيين الديمقراطيين على المدى البعيد ليسوا هم الذين استولوا على المدن أو الدولة بل ...الدولة استولت على الحزب).
في النقاش حول برنامج واستراتيجية الحزب الشيوعي الالماني الذي تشكل حديثاً، وضعت روزا لوكسمبورغ امام انظارها استراتيجية ماركس وانجلز في (البيان الشيوعي) ،واستراتيجية الحزب الاشتراكي الديمقراطي . ووجدت الفرق قبل كل شيء، أنه على عكس نهاية عام 1847 وبداية عام 1848، حيث افترض فيها ماركس وأنجلز بعد هزيمة كومونة باريس، أن لدى البروليتاريا الآن مسافة غير محدودة كي تتحقق الاشتراكية وتصبح حقيقة.
وكان واضحاً عام 1918، أن البرنامج الفوري من "البيان الشيوعي" وبرنامج عصبة سبارتاكوس متطابق الى حدٍ كبير وخلقت عواقب الحرب العالمية الاولى وضعاً له احتمالين، أما الفوضى او الخلاص من خلال الاشتراكية.
من المستحيل تماماً ان تجد حلولا تقدمية للازمة الرأسمالية، حيث استنتجت في هذا الموقف (بالنسبة لنا لايوجد الآن حد أدنى أو أقصى للبرنامج، فالاشتراكية هي الحل كحد أدنى والذي يجب ان يُفرض اليوم)
ففي خطابها عند تأسيس الحزب الشيوعي الالماني افترضت روزا، ليس الاستيلاءعلى السلطة السياسية مباشرة، بل المبدأ الجديد الذي وجد صوته الثوري مسموعاً، هو مجالس العمال، التي يجب التركيز عليها (علينا اليوم أن نركز على مجالس العمال وليس من الضروري أن تتحد المنظمات من خلال الجمع بين النقابات القديمة والحزب، بل على قاعدة جديدة تماماً، مجالس العمال والنهوض بها بشكل كبير بهيكل جديد بالكامل لا تشترك بالتقاليد التقليدية القديمة).
وبدلاً من الهجوم العام اقترحت روزا استراتيجية جديدة لإنشاء عناصر مجتمع جديد من حضن القديم (يجب ان نسأل انفسنا عن قضية الاستيلاء على السلطة ، والسؤال هو ماذا نعمل وما يمكن وما ينبغي لمجالس العمال والجنود في اتحاد المانيا القيام به لنقوض الدولة البرجوازية من تحت ولجعل السلطة العامة في كل مكان وعدم الفصل بين الادارة و التشريع ، بل توحيدها بأيدي مجالس العمال والجنود وبخطوات متعاقبة والضغط على الدولة البرجوازية حتى الاستيلاء على جميع المناصب والدفاع عنها بالاسنان والاظافر).وكما رأتهُ كبرنامج للمرحلة الاقتصادية للثورة لتحل محل المرحلة السياسية .
بعد الحرب العالمية الاولى في اوربا والتي احدثت تحولاً زمنياً من ثورات وأزمات وأنهت عصر الاشتراكية الديمقراطية الماركسية الارثودوكسية، التي وَلَدت الانشقاقات بين الاشتراكيين والحركات العمالية، ومنها فصاعداً تغيرت مسألة الاستراتيجية والتكتيك للتغلب على المجتمع البرجوازي الرأسمالي تماما وبشكل جديد.
واستطاعت روزا الاشارة الى مجموعة من الاصلاحات الثورية التي لم يتم حلها ضمن المفهوم القديم، حيث شرعت في عملية البحث من اجل إيجاد أجابات جديدة تماماً وعلى اسس جديدة، لكن اغتيالها اوقف فجأة عملية البحث.
كتب الفيزيائي الالماني غوستاف روبرت كيرشهوف أنّ (النظرية الجيدة هي الشيء الاكثر عمليةً). الماركسيون في اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين افتقروا الى مثل هذه النظرية التي كانت ستتمكن من توجيه سياسة واقعية ثورية في أوقات الاستقرار النسبي وأوقات الازمات الكبيرة، في علاقة نشطة ومثمرة بين النظرية والممارسة الجيدتين.
الماركسية كما تقدرها عاليا روزا لوكسمبورغ ،فشلت في التطبيق العملي ،ولكونها ماركسية رائعة قامت بدراستها وقدمت النقاط الثلاثة الآتية.

من أجل نظرية عملية للاشتراكية

أولاً: كان لحظر صورة ماركس تأثير مُدمر، ولم تكن هناك نظرية اشتراكية تستحق غير اسمه، وترك تركيزه الافتراضي الثوري للسلطة السياسية أسئلة ملموسة للتنظيم الاشتراكي في مجتمع معقد (بلد المستقبل الضبابي. ماركس)
ففي مجلة (العصر الحديث ) وهي اهم دورية ماركسية في ذلك الوقت ،لم تجد مقالا ولسنوات طويلة حول السؤال عن كيفية تشكل الاقتصاد والسياسة في ظل ظروف تناقضات المجتمع الجديد؟
وتبعاً لقول نسب الى ماركس ،بأن نقاشا كهذا من شأنه أن يقلل اليقين بالنصر ،ولو كان الامر كذلك لكان قد أشار الى الضعف الهائل في الرؤية الاشتراكية وانها لا يمكن ان تخضع لأي نقد دون الفكرة الشاحبة التي آمنت بها.
في لحظة الثورة لم يكن لدى عصبة سبارتاكوس برنامج تصميم إيجابي ومقنع كان يمكن ان يصبح أغلبية ، واليوم اصبح واضحا أنه بدون رؤية اشتراكية مقنعة بديلة للرأسمالية ، فلا يمكن أن تكون هناك سياسة يسارية فعالة ،وكان هناك وهم آخر وضعه أوغست بيبل بقوله (اذا كانت السلطة السياسية في أيدينا ،فسيكون الامر بديهياً أكثر)

ثانياً: ما بعد الرأسمالية

يجب مراجعة نظرية ماركس للرأسمالية

لقد اعتقدت روزا لوكسمبورغ (عام 1913) أن حدود التوسع للاسواق الرأسمالية ستكون العائق المطلق لها والتي يجب عليها كسرها.
وقد رأى كاوتسكي الحدود في المركزية المفرطة للامبريالية المتطرفة، وافترض جميع الماركسيين أن وضع الانتاج الرأسمالي سيصاب بأزمات خطيرة لدرجة انهيارها الحتمي ، وان البروليتاريا هي الوحيدة القادرة على الادارة بعد افلاسها وستعمل على دمج واخضاع مبادئ التنشئة الاجتماعية التي تتجاوز الراسمالية بمجتمع تضامني.
من الناحية النظرية لم يتم التفكير بظهور شركات تحت الهيمنة الرأسمالية من خلال النظر الى الارتباط العضوي بين استخدام رأس المال وأساليب الانتاج غير الرأسمالية ،حيث كانت روزا لوكسمبورغ اول من مهد الطريق لذلك مع ادوارد برنشتاين بالسؤال حول كيفية تبرير استراتيجية السياسة المعاصرة في الرأسمالية وما بعدها ،أي استراتيجية التحول المزدوج للنظرية الرأسمالية،والتي لم تجر الاجابة عليها حتى يومنا هذا.

ثالثاً: سياسة الربط الطبقي

افترض ماركس وأنجلز ، انه يجب على البروليتاريا أن تَعي مصالحها الطبقية لتصبح الفاعل الرئيس للثورة الاجتماعية ، وتثبت الخطوات.
ان التحولات الحقيقية تنشأ كما تُرينا التجارب التأريخية من خلال الربط بين مختلف الحركات السياسية والاجتماعية ،والتي لكل منها مصالح مختلفة تماماً ومتناقضة ايضاً كما يُشار الى ذلك في (الى الامام ـ الى الخلف).
وهنا يمكن إعادة صياغة ما كتبهُ لينين ،(أنَّ الذي يتوقع ثورة عمالية خالصة ،هو ثوري في الكلام).
المطلوب هو سياسة ربط طبقي قادرة على توحيد الجماعات التي تعمل الرأسمالية على بقائها منقسمة وأن تكون متضامنة مع بعضها. فالأمر يتعلق بموقف ثوري جديد دون تأثير التناقضات الموجودة ،التي تمر علينا جميعاً، فالطاقة الثورية والانسانية السخية هي المتنفس الحقيقي للاشتراكية ،وبهذا المعنى لعمل روزا لوكسمبورغ في علاقتها الثورية العميقة والانسانية كتبت فولكر كايسا (لقد قادت روزا لوكسمبورغ على الرغم من تناقضات الحياة الملموسة التي تمر بنا جميعا حياةً جميلة وبقدر ما قادتها الحياة الحقيقية الثابتة الى الموت)
لماذا وكيف اثبتت الثورة الاجتماعية 1917/ 1918 كونها غير واضحة؟ هو صحيح بلا شك ،حيث ركزت روزا لوكسمبورغ بمساهمة مهمة في الماركسية العملية ،لكن النظرية الماركسية قبل ذلك لم يتم الترويج لها فحسب ،بل جعلت من تطويره كنظرية تحررية فعالة أكثر صعوبة .
اليوم وفي نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يحتاج اليسار في ألمانيا وفي أوربا وكل العالم أيضاً الى نظرية قابلة للتطبيق من أجل سياسة واقعية ثورية ،تتصدى للتحديات الحضارية ومن هيمنة رأس المال والبدء بعملية التحول الاجتماعي والايكولوجي .
ذلك ان الذين يغامرون بالخروج الى البحر ، يعتمدون على البوصلة بطاقم متضامنٍ ، وله القدرة على وضع الاشرعة ضد الريح التي تهب على السفينة .
هكذا.. يمكن التعلم من روزا لوكسمبورغ في مجال النظرية والممارسة السياسية والحياة الشخصية.

عرض مقالات: