خلال حملته لانتخابات الكنيست الماضية، التي جرت في نيسان 2019، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة ودفن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. وأعلن في مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الإسرائيلية 12 أنه ينوي ضم المستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل، وأضاف: "سأطبق السيادة (الإسرائيلية) على المستوطنات من دون تمييز ما بين الكتل الاستيطانية والمستوطنات المعزولة". ثم أشار قبل ثلاثة أيام من موعد الانتخابات، في مقابلة مع قناة التلفزة 13، إلى أنه أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إسرائيل ترفض، في إطار أي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين، "إخلاء أي مستوطن" أو "الانسحاب من أي مستوطنة" من المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، وأن إسرائيل لا يمكنها أن تدعم خطة السلام الأمريكية إذا اقترحت الانسحاب من مستوطنات.
وكانت اللجنة المركزية لحزب الليكود قد صوتت، في نهاية كانون الأول 2017، على قرار يدعو إلى البناء الذي لا تحده حدود أو تقييدات في مستوطنات الضفة الغربية والسعي إلى فرض السيادة الإسرائيلية عليها.
والواقع، أن قسماً كبيراً من اليمين القومي والديني في إسرائيل يطالب بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، حيث يعيش اليوم أكثر من 400000 مستوطن، باستثناء المستوطنين الذين يعيشون في القدس الشرقية المحتلة، والذين يبلغ عددهم نحو 200000. وبحسب استطلاع أجرته صحيفة "هآرتس" قبل فترة، تبيّن أن 42 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون فكرة ضم الضفة الغربية بينما يعارضها 28 في المائة ولم يتخذ موقفاً حيالها 30 في المائة. وفي ظل تحوّل المجتمع الإسرائيلي نحو مواقع اليمين القومي والديني المتطرف، صارت استطلاعات الرأي تبيّن أن غالبية من الإسرائيليين صارت ترفض فكرة قيام دولة فلسطينية، وتؤيد ضم الضفة الغربية، بل وتأمل بطرد الفلسطينيين من أرض يعتبر كل ستة من أصل عشرة إسرائيليين "أن الله قد منحها لهم" (1).
سابقة الجولان السوري المحتل
ويبدو أن اعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل قد منح الأمل لأنصار ضم الضفة الغربية من الإسرائيليين. ففي 25 آذار 2019، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًّا ينص على اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وذلك بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصف الخطوة بأنها "تاريخية". وكان ترامب قبل أيام من توقيعه هذا الأمر التنفيذي قد نشر تغريدة على حسابه الشخصي على تويتر، ورد فيها: "بعد 52 عاماً، حان الوقت كي تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، التي تكتسب أهمية استراتيجية وأمنية عظيمة بالنسبة لدولة إسرائيل ولاستقرار المنطقة". ويشير نص الاعتراف الأمريكي إلى أن الجولان منطقة تم الاستيلاء عليها من السوريين "بغية الدفاع عن النفس" إزاء "تهديدات خارجية" خلال حرب حزيران 1967. وبحسب تصريح مسؤول إسرائيلي كبير لصحيفة "هآرتس، فإن هذا الموقف الأمريكي يعني إمكان فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة أخرى "احتلت خلال حرب دفاعية"، بينما قال خبير رفض الكشف عن اسمه للصحيفة نفسها: "بما أن السيادة الإسرائيلية فرضت على أرض سورية، فلماذا لا يمكن فرضها على أرض لا تطالب بها دولة".
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أدرجت هضبة الجولان المحتلة ضمن دولة "إسرائيل" في التقرير السنوي الذي أصدرته في آذار 2019 حول حالة حقوق الإنسان في العالم. كما كان السناتور الجمهوري ليندسي غراهام قد زار الجولان على متن مروحية عسكرية إسرائيلية، إلى جانب بنيامين نتنياهو والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، وأعلن عقب هذه الزيارة أنه سيضغط، مع زميله تيد كروز، على الرئيس دونالد ترامب لاتخاذ قرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هذه الهضبة.
ومن المعروف أن إسرائيل قامت بطرد نحو 130000 مواطن سوري من هضبة الجولان سنة 1967 بعد احتلالها، ثم أعلنت بعد 14 عاماً ضمها رسمياً في انتهاك صارخ للقانون الدولي. وهو ما عارضته في حينه الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، واعتبرت أن إجراءات إسرائيل بتغيير وضع الجولان "باطلة" (2).
قوانين وإجراءات على طريق الضم
في كتابه: "سر إسرائيل الكبير. لماذا لن تكون هناك دولة فلسطينية"، يشرح الصحافي ستيفان أمار كيف أن حل الدولتين لم يعد قائماً، وأنه بعد 52 عاماً من استيطان أقيم لقطع أي تواصل بين المناطق الفلسطينية، أصبح الفصل بين إسرائيل والضفة الغربية مستحيلاً، معتبراً أن سيرورة ضم الضفة الغربية من جانب إسرائيل لا راد لها، وأن هذه السيرورة قد انطلقت منذ سنة 1967، ولم يعد من الممكن وقفها، وأن الدافع الرئيس لضم هذه الأراضي اليوم هو اقتصادي. فالنمو الاقتصادي والديموغرافي الشديد لإسرائيل لا يمكن احتواؤه، كما يكتب، في قطاع يمتد من أشكلون إلى حيفا، حيث يتجمع نحو 80 في المائة من السكان، وهو ما جعل التوسع نحو الشرق ضرورياً لإسرائيل، بحيث تصبح الضفة الغربية شيئاً فشيئاً جزءاً من إسرائيل. ويتابع الصحافي نفسه أنه إذا كان من الممكن أن ترى النور دولة فلسطينية فستكون في غزة، إذ إن من مصلحة إسرائيل أن تقوم في هذا القطاع دولة منفصلة عن الضفة الغربية. كما أن القدس الشرقية صارت تنفصل بصورة تدريجية عن الضفة الغربية. ويخلص إلى أن اليمين الإسرائيلي يريد ضم الضفة الغربية بكاملها، لكنه قد يكتفي في هذه الفترة بحل مؤقت يتمثل في ضم المنطقة ج، التي تمثّل نحو 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية وتضم المستوطنات وطرقها الالتفافية.
والواقع أن إسرائيل اتخذت فعلاً إجراءات قانونية في المنطقة ج تعادل الضم. وخلال نقاشات طاولة مستديرة حول موضوع: " كيف يمكن كبح تهديد "الاحتلال-الضم" الفعلي للأراضي الفلسطينية المحتلة وأثره على حل الدولتين؟"، نظمت على هامش "منتدى الأمم المتحدة الخاص بقضية فلسطين"، في 4 نيسان 2019، استخدم البروفسور مايكل لينك، المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تعبير "الاحتلال-الضم"، وشرح أن المرحلة الحالية لم تعد مرحلة الضم "الزاحف" وإنما مرحلة "الاحتلال- الضم"، وأن حكومة نتنياهو، وإن لم تكن قد أعلنت بعد رسمياً ضم الضفة الغربية، فهي اتخذت إجراءات عدة تنحو نحو الضم الفعلي لها، ونجحت في طمس الحدود بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة، بحيث بتنا في وضعية "احتلال- ضم" وليس في مرحلة ضم "زاحف" فقط، وأضاف: "فخلال خمسة عقود أضفت إسرائيل طابع السيادة على الضفة الغربية. فالبنى التحتية – مجاري الصرف الصحي، وأنظمة الاتصالات وشبكة الكهرباء- قد أدمجت بصورة كاملة في النظام الإسرائيلي. والمنظومة الهيدرولوجينية في الضفة الغربية، هي منذ سنة 1982 ملكية شركة ميكوروت الوطنية، وتذهب منافعها إلى إسرائيل بصورة رئيسة. كما أن شبكة الطرقات التي كانت قائمة قبل سنة 1967، وتمتد من الشمال إلى الجنوب، أعيد وصلها بنظام طرقات تمتد من الشرق إلى الغرب للوصل بين المستوطنات وبينها وبين المدن الإسرائيلية... أما اقتصاد الضفة الغربية، فهو خاضع لمجرد اتفاق وحدة كمركية مع إسرائيل، بما يسمح للاقتصاد الأقوى بالسيطرة والازدهار، بينما يعاني الاقتصاد الأضعف من اللا تنمية والتبعية.
كما أن الموارد الطبيعية في الضفة الغربية خاضعة بصورة كبيرة لإسرائيل ومستثمرة لصالحها. وجرى توسيع نطاق التشريع والقوانين الإسرائيلية لتشمل المستوطنات في الضفة الغربية...وتسمية "أراضي دولة" المستعملة بكثرة أعطيت بصورة حصرية تقريباً للمستوطنات الإسرائيلية (76،99 في المائة) علماً بأن المستوطنين لا يمثلون سوى 12 في المائة من سكان الضفة الغربية". ويخلص مايكل لينك إلى أن إسرائيل "قد ضمت فعلاً جزءاً مهماً من الضفة الغربية صارت تعامله باعتباره جزءاً منها".
بينما أشار رئيس اللجنة الخاصة بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، السيد شيخ نيانغ من السنغال، خلال نقاشات الطاولة المستديرة نفسها، إلى أن إسرائيل اتخذت إجراءات مدروسة لتغيير طابع الأراضي الفلسطينية المحتلة وديموغرافيتها، معتبراً أن هذه الإجراءات عظمت خطر تحول الاحتلال المستمر إلى ضم فعلي وقوضت بصورة منتظمة إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة. ومع أن قرار مجلس الأمن رقم 2334 لسنة 2016 يطالب بوقف بناء المستوطنات غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة - كما تابع - فقد تمّ إقرار بناء أكثر من 3000 وحدة سكنية في المنطقة ج من الضفة الغربية، وهذه الوحدات، بما فيها جدار الفصل، ليست أبنية مؤقتة يمكن هدمها بسهولة، بل باتت مساكن دائمة لآلاف الإسرائيليين الذين يطلقون على الضفة الغربية اسم "يهودا والسامرة" في إطار إسرائيل الكبرى؛ وبينما يستمر انتشار المستوطنات، يتواصل هدم ومصادرة البنى الفلسطينية ونقل الفلسطينيين من أراضي أجدادهم إذ نحن نعرف –كما قال- أن نحو 13000 من هذه البنى التي تنتظر الهدم مقامة على أراضي فلسطينية خاصة.
وفي مجال تشريع عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية، كان الوزير السابق وزعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت، قد مرّر في الكنيست في 5 كانون الأول 2016 بالقراءة الأولى مشروع قانون يضفي الشرعية على 4000 وحدة سكنية في "بؤر استيطانية"، يعتبرها القانون الإسرائيلي نفسه غير شرعية لأنها مقامة على أراضي فلسطينية خاصة تمت مصادرتها، وهو المشروع الذي حظي بدعم بنيامين نتنياهو. وفي مطلع شباط 2017، أقر الكنيست فعلاً القانون المعروف باسم قانون "التسوية"، الذي يسمح بإقامة مستوطنات على الأراضي الفلسطينية العائدة إلى ملكيات خاصة، والذي قال عنه بنيامين نتنياهو إنه "يهدف إلى تسوية الاستيطان في الضفة الغربية مرة واحدة وإلى الأبد، وإلى إحباط المحاولات المتكررة للمس بالاستيطان” (3).Partager sur Whatsapp
المعارضة التي تواجهها فكرة الضم
تواجه فكرة ضم الضفة الغربية رسمياً إلى إسرائيل معارضة داخلية تتخوف، في الأساس، من أن تنطوي هذه الخطوة على احتمال قيام دولة واحدة تجعل إسرائيل مضطرة إلى منح حقوق المواطنة لنحو ثلاثة ملايين مواطن فلسطيني يقطنون فيها، أو إلى التحوّل بصورة صارخة إلى دولة أبارتهايد في حال رفضها منحهم هذه الحقوق. ويعتبر بعض ممثلي المعارضة أن حديث بنيامين نتنياهو عن الضم هو مجرد خدعة لكسب أصوات ناخبين يقفون على يمينه.
كما ترفض بعض قوى المعارضة التصويت في الكنيست على قوانين تضفي شرعية على عمليات الضم، مثل قانون "تسوية الأراضي"، الذي لم يجده مناسباً حتى بعض أقطاب حزب الليكود التاريخيين مثل بيني بيغن الذي اعتبره "غير حكيم وغير مسؤول"، وقال عنه الوزير السابق دان ميريدور إنه "شيطاني وخطير".
ومن جهة أخرى، يواجه ضم الضفة الغربية، أو المستوطنات المقامة فيها، معارضة داخل الدياسبورا اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية. فبحسب الكاتب إيريك كورتليسا، الذي نشر مقالاً في 15 نيسان 2019 في موقع "تايمز أوف إسرائيل"، سيبعد قرار أحادي الجانب بضم المستوطنات معظم اليهود الأمريكيين عن إسرائيل، ويخلق انقساماً داخل التجمع اليهودي الأمريكي حول "أخلاقية" إسرائيل، كما أعلن زعماء منظمات يهودية عدة لـ "تايمز أوف إسرائيل". فإذا قام بنيامين نتنياهو بفرض السيادة الإسرائيلية من جانب واحد على المستوطنات "فهذا سيحول دون أي احتمال للتوصل إلى حل الدولتين" كما أعلن الحاخام ريك جاكوبس، رئيس "الاتحاد من أجل اليهودية الإصلاحية"، وأضاف: "أن هذا سيخلق قطيعة معتبرة مع كثير من اليهود الأمريكيين". أما دافيد هالبرين، المدير التنفيذي لـ "منتدى السياسة الإسرائيلية"، الذي يدعم حل الدولتين، فقد صرح أن أقوال نتنياهو ذات طبيعة "إشكالية"، وذلك بغض النظر عما إذا كان ينوي تحقيقها أم لا، على اعتبار أن هذه الأقوال "ستدخل فكرة ضم الضفة الغربية ضمن [برنامج] التيار السياسي السائد وتزيد من احتمال أن تجعل منها أحزاب اليمين شرطاً لتأليف ائتلاف حكومي"، أي "أنها ستشرع فكرة الضم في الخطاب السياسي". وتابع قائلاً: "حتى وإن كان الضم جزئياً، فهذا سيشكل منزلقاً نحو واقع الدولة الواحدة" وسيخلق "أزمة كبرى بين إسرائيل ويهود الدياسبورا".
وكان بعض أشد أنصار إسرائيل في الكونغرس قد حذروا من الإقدام على خطوة الضم هذه. فأربعة من النواب الأمريكيين اليهود، من نيويورك وفلوريدا وإيلينوي، الوثيقي الصلة بمنظمة اللوبي اليهودي "أيباك" نشروا بياناً مشتركاً حذروا فيه من الإقدام على خطوة فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات. ومما ورد في ذلك البيان: "دولتان لشعبين، يتم التفاوض المباشر عليهما بين الطرفين، مع تبادل للأراضي متفق عليه، هو الخيار الأمثل لإسرائيل يهودية وديمقراطية وآمنة تعيش جنباً إلى جنب مع دولة فلسطينية ديمقراطية ومنزوعة السلاح".
ويتخوف أنصار إسرائيل كذلك من تأثير خطوة الضم هذه على الشبان اليهود الأمريكيين، الذين صاروا يميلون نحو اليسار بمعظمهم، والذين راحوا، بحسب استطلاعات عدة، يبتعدون عن إسرائيل في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع تزايد نفوذ الأحزاب الدينية، مثل شاش ويهودات هتوراه، التي تحول دون إنجاز أي تقدم على صعيد توسيع الحرية الدينية والتعددية.
وكانت تسع منظمات يهودية، من ضمنها خمس تنتمي إلى الحركتين الإصلاحية والمحافظة، قد وجهت في نيسان 2019 رسالة إلى دونالد ترامب تدعوه فيها إلى الحفاظ على حل الدولتين رداً على تصريحات نتنياهو بشأن ضم المستوطنات. ومما ورد في تلك الرسالة: "إننا نعتقد أن الضم سيفضي إلى نزاع أخطر بين الإسرائيليين والفلسطينيين وسيقوض بشدة، وربما بصورة نهائية، التنسيق في مجال الأمن بين دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ويشجع جهود حركات مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، وتابعت: "إن هذا سيخلق انقسامات شديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويجعل الحفاظ على الدعم الثابت لإسرائيل وأمنها أكثر صعوبة " (4).
السيناريوهات المحتملة
يميّز العامل الديموغرافي الضفة الغربية المحتلة عن هضبة الجولان السورية المحتلة، إذ يقطن فيها، كما ذكر، نحو ثلاثة ملايين مواطن فلسطينيي.
ويرى بعض المحللين أن ضم الضفة الغربية سيعني منح هؤلاء الفلسطينيين الحقوق نفسها التي يتمتع بها الإسرائيليون بما فيها حق التصويت، وهو ما يفتح معركة طويلة من أجل مساواة حقيقية في دولة مستقبلية واحدة. وفي حالة رفض منح هذه الحقوق، ستبرز الدولة الواحدة بصورة واضحة بوصفها دولة تمييز عنصري على غرار جنوب أفريقيا في الماضي.
أما السيناريو الآخر، الذي يتبناه بعض ممثلي اليمين القومي الديني، فيتمثّل في البدء بضم المنطقة ج التي يقطن فيها نحو 70000 فلسطيني يمكنهم فيما بعد الحصول على الجنسية الإسرائيلية، على أن تتمتع المنطقتان أ وب بشكل من أشكال الحكم الذاتي.
ويطرح بعض ممثلي حزب الليكود، ومنهم بنيامين لاشقر، فكرة "أن تكون كل مدينة فلسطينية إمارة مستقلة"، أو يتم "التوصل إلى حل مع الأردن كما في فترة ما قبل 1988"، بحيث "يصبح سكان يهودا والسامرة مواطنين أردنيين، يكون لهم حق التصويت في الانتخابات الأردنية ويتمتعون بحكم ذاتي موسع".
وهناك سيناريو أكثر قتامة، يورده المؤرخ والصحافي الفرنسي دومينيك فيدال، وهو حدوث موجات جديدة من طرد الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية، وحتى أولئك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. من الصحيح أن السياق اليوم مختلف عن سياق سنة 1948 –كما يقدّر- إذ بات من الصعب تنظيم عمليات تهجير جماعي أمام كاميرات العالم بأسره، لكن قد يكون هذا ممكناً في حال اندلاع نزاع شامل أو وقوع حرب إقليمية (5).
الحؤول دون الضم يكون بمقاطعة إسرائيل وفرض العقويات عليها
خلال نقاشات الطاولة المستديرة المشار إليها، توجّه رئيس اللجنة الخاصة بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، السيد شيخ نيانغ من السنغال، إلى المجتمع الدولي قائلاً: "إن عليكم التوقف عن ترك إسرائيل تفعل ما تشاء وتتجاهلون استهتارها بقضايا السلام. ويتوجب على المجتمع الدولي أن ينهض نهضة رجل واحد للدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وأن يتخلى عن "المعاملة التفضيلية" لإسرائيل".
وأضاف: "إلى إخواننا وأخواتنا الفلسطينيين، أود التأكيد على أن الوحدة الوطنية جوهرية، خصوصاً في الوقت الذي يقوض فيها الضم الزاحف تحقيق السيادة الفلسطينية وقيام الدولة المستقلة، وأدعو القادة الفلسطينيين إلى الالتزام بصورة بناءة بالمصالحة". أما السيدة رتنول ب. مارسودي وزيرة الشؤون الخارجية في أندونيسيا فقد حضت المجتمع الدولي على أن يأخذ بصورة جدية "تهديد الضم الفعلي للأراضي الفلسطينية المحتلة"، الذي "لا يهدد حل الدولتين فحسب، بل يطرح بصورة مقلقة "حل الدولة الواحدة" القائمة على "قانون الأقوى".
وخلال النقاشات نفسها، أشارت عضو مجلس الشيوخ الإيرلندي فرنسيس بلاك إلى مشروع القانون الخاص بالمناطق الفلسطينية المحتلة الذي تبناه مجلس الشيوخ الإيرلندي في سنة 2018، وعرض نصه على البرلمان، وهو يقترح منع استيراد منتجات المستوطنات في المناطق الفلسطينية المحتلة، معتبرة أن هذا القانون هو أول قانون من نوعه يطرح في دولة من دول الاتحاد الأوروبي، وأنها تعتزم زيارة هولندا، وبريطانيا، والنرويج التي أبدت اهتمامها بنصوص مماثلة. وبعد أن أكدت أن "الذين لا يحترمون القانون الدولي عليهم أن يتحملوا عواقب ذلك"، أدانت "نفاق" أولئك الذين ينتقدون بناء المستوطنات ويقدمون "دعماً اقتصادياً" لها في الوقت نفسه. بينما دعا الناشط والسفير الإسرائيلي السابق إيلان باروخ إلى وقف "المعاملة التفضيلية" لإسرائيل، واللجوء إلى فرض عقوبات عليها على قاعدة التمييز بين إسرائيل وبين المستوطنين في الأراضي المحتلة.
واعتبر المؤرخ والصحافي دومينيك فيدال أن التطور الداخلي الذي تشهده إسرائيل يظهر أن الضغط الدولي، المترافق مع إجراءات عقابية اقتصادية وقانونية، يمكنه إعادة حكام إسرائيل إلى جادة الصواب. ونظراً لإدراكه هذه الحقيقة، صنّف بنيامين نتنياهو في سنة 2015 حملة "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" ضمن "التهديدات الاستراتيجية" التي تواجهها إسرائيل. إذ يمكن لحملات هذه الحركة أن تكلف اقتصاد إسرائيل 47 مليار دولار خلال عشر سنوات بحسب بعض التقديرات.