الوضع السيئ الذي يتصف به الواقع الصحي في العراق واضح ومكشوف ومعروف للقاصي والداني حيث يأن المواطن تحت ضغوط التخلف الصحي والبيئي وفقدان الوعي الذي أصبح مركّزاً ومتفاقماً منذ ان تسيّد الفاشلون والفاسدون على سدة الحكم، ويمكن تلخيص معاناة القطاع الصحي وفق مؤشرين رئيسيين اساسيين :

أ‌) محور السياسة الصحية للدولة وأداء الجهات التنفيذية والذي اتسم بما يلي:

  1. عدم الوضوح في سياسة الدولة الصحية وفي إتجاهَي محددات تلك السياسة وضوابط مساراتها.
  2. غياب بوصلة التخطيط الاستراتيجي في توفير الادوية واللقاحات والمستلزمات الطبية وبناء المؤسسات الصحية التشخيصية والعلاجية.
  3. شمول وزارة الصحة، ومن ثم الحقت بها وزارة البيئة . بهذه السياسة غير القويمة كجزء من السياسة التحاصصية التي اتسم بها النظام السياسي في البلاد وراحت الوزارتان تعانيان من سطوة الضغوط التحاصصية لمراكز القوى.
  4. إستفحال الفساد كنتيجة حتمية للمحاصصة وهو قد استفحل في كل المؤسسات الصحية ليشمل مركز وزارة الصحة والبيئة وكل الدوائر العامة والمستشفيات والمراكز التابعة.
  5. تمثّل الفساد بـما يلي :
  • وضع الموظف غير المناسب في المواقع الادارية في كل مؤسسات وزارة الصحة والبيئة.
  • إبرام العقود المشبوهة في إستيراد الادوية والمعدات الطبية والصحية والتشخيصية والمختبرية، وتوزيع حصص الأموال الحرام بين الفاسدين نتج عنه تربية القطط السمان في تلك المؤسسات الذين حلموا ان يستحوذوا على اموال عن غير وجه حق.
  • تسريب الادوية والعلاجات وبيعها في الاسواق التجارية وحرمان شرائح واسعة من المرضى الذين يحتاجونها.
  • النقص الشديد في موجود الادوية والمستلزمات.
  • الواسطات عبر المحسوبية والمنسوبية وسطوة المليشيات وجميعها على حساب الفقراء والمظلومين من المرضى.
  • وجود اعداد كبيرة من الموظفين الفضائيين والمشاريع الصحية الفضائية.
  • تأسيس مافيات فساد في داخل كل مؤسسة من هذه المؤسسات وأصبح الواقع الفاسد والمر عبارة عن شبكة عنكبوتية تقتنص المظلومين، كما نتج عن تلك المافيات المسنودة من مليشيات الدولة العميقة تنفيذ مخطط واسع وخبيث بأفراغ البلد من كوادره الطبية والعلمية سواء بالتصفية الجسدية او بالتهديد ليهربوا خارج الحدود لفسح المجال امام سماسرة تجار العلاج الموجودين خارج الوطن كجزء من الجريمة المنظمة ضد البنى التحتية للبلد.
  • إصابة مؤسسة الانتاج الوطني (القطاع العام والمختلط) بالشلل التام وخصوصاً معامل انتاج الادوية والمصول واللقاحات والسوائل الوريدية.
  • استيراد العمالة الاجنبية وفق اتفاقات سماسرة شركات ومؤسسات ومافيات الفساد المعلنة والمخفية والاطاحة بالعمالة الوطنية مما ساعد على اخراج العملة الصعبة خارج الوطن.
  1. لم تقدم الدولة على بناء مستشفى عام او متخصص ليبقى العجز مستمرا والطلب للعلاج خارج الحدود قائم.
  2. إشاعة الافكار غير العلمية في داخل مؤسسات الخدمة الصحية كوسيلة إضافية لجعل الخدمات التي من الواجب تقديمها للمواطن في ادنى مستوياتها.
  3. السماح لمراكز ما يسمى بالعلاج الروحاني من التأسيس والانتشار، وفي السيطرة على عقول الناس وإبعادهم عن العلم والصحة وإشاعة الخرافات والجهل.
  4. تقليص اعداد الكادر التمريضي في المؤسسات الخدمية الصحية وعدم فسح المجال او تشجيع دماء جديدة ولربما يكون العامل الديني الطائفي سبب في الجَزِر الحاصل في اعدادهم.
  5. الإهمال الكلي لضوابط البيئة في أغلب المؤسسات الصناعية والتي أصبحت الكثير منها تحت يد شبكات الدولة العميقة.
  6. كل هذه السلبيات شملت وتشمل العناوين الرئيسية الداخلة في دائرة الخدمات المطلوب تقديمها كالصحة الريفية والمدرسية وصحة المجتمع وصحة العائلة والرقابة الصحية والسياحة والمناسبات الدينية، إضافة الى مخيمات النازحين والاوبئة والكوارث الطبيعية ناهيك عن الصحة والسلامة المهنية.

ب‌) أما المحور الثاني الخاص بالمجتمع والذي تمثل في تراجع الوعي جراء جملة من الاسباب والتي يبدو لي أهمها :

  1. زيادة نسبة الفقر في العراق والذي ادى الى إهمال المواطن التعلم والتحصيل الدراسي.
  2. رداءة الاداء التوعوي الحكومي والارشاد مما فسح المجال لتسلط واستحواذ الافكار غير العلمية على عقول الناس ولجوئهم الى الاساليب البدائية في العلاج.

كل تلك الاسباب والنواتج خرجت علينا بمحصلة نهائية وهي تفشي الامراض الإنتقالية والمعدية وعودة امراض تم القضاء عليها سابقاً ، بل وتحولت بعض الامراض الى متوطنة لا يمكن التحرر منها بسهولة.

وازاء هذه الصورة السوداوية المظلمة والواقع السيئ والذي يمثل نصف الحقيقة اما النصف الثاني فيكمن في الحلول التي نضعها بين يدي الحكومة الجديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي والسيد وزير الصحة والبيئة وكل المؤسسات الساندة بشكل مباشر او غير مباشر لإنتشال الواقع الصحي في البلد. تلك الحلول يمكن تلخيصها بما يأتي :

أولاً - إن مهمة الارتقاء بالواقع الصحي والبيئي مرهونة بأشراك كافة القوى والأطياف الوطنية الحريصة ، مع توفير وتسهيل كل الإجراءات الأكاديمية والمهنية لتقديم أفضل الخدمات لأبناء الشعب.

ثانياً القيام بحملة تطهير كاملة شاملة متأنية ومنصفة لكل مراكز وقوى الفساد بكل انواعها في كل المؤسسات التابعة للوزارة ووفق القانون.

ثالثاً تشكيل هيئة الرقابة الشعبية من العناصر الكفوءة النزيهة يكون ارتباطها بمكتب الوزير مباشرة.

رابعاً – بيان خطة الوزارة ووفق سقوف زمنية محددة فحواها :

  1. تقديم خدمات الرعاية الصحية الى كافة المواطنين والعمل على إيصالها الى أقصى المناطق، مع تأمين كل فعالياتها كالتحصين والرقابة الصحية والصحة المدرسية وصحة الأسرة وغيرها .
  2. أعادة تأهيل المؤسسات الصحية ومد شبكة واسعة من المستشفيات المتكاملة من حيث التكوين والتخصص والأداء مع الاهتمام بالتوزيع الجغرافي ، واستحداث أساليب ووسائل جديدة في معالجة وانقاذ حياة المواطنين.
  3. توسيع وتطوير التعليم الطبي والصحي والمهني وبكل المستويات والعمل على اللحاق بالركب العالمي المتطور والعمل على رفع مستوى وعي المواطنين الصحي بكل الطرائق والسبل.
  4. الارتقاء بالوضع البيئي وتطوير الرصد الوبائي والاهتمام الخاص بالأمراض المشتركة والعمل على استنباط كينونة مستقلة ذات صلاحية تهتم بتصريف شؤون هذه الأمراض
  5. تفعيل الصناعات الدوائية المحلية وفق أحدث التطورات العلمية والتقنية مع سن قوانين تضمن حماية الإنتاج وحماية المواطن.
  6. إحاطة ذوي الاحتياجات الخاصة بالرعاية الكاملة وتأمين دعم الدولة لهم ، وكذلك تشريع قوانين وضوابط السلامة المهنية في المؤسسات والمواقع الأنتاجية والحقول الزراعية.
  7. ضمان وصيانة حقوق العاملين في القطاع الصحي من خلال نقاباتهم وجمعياتهم.
  8. أعادة النظر بقانون الصحة العامة مع تحديث التشريعات الصحية.
  9. بذل الجهود المشتركة بين الدولة والمواطن للحفاظ على البيئة وضوابط نقاوتها.
  10. القيام بحملة توعية شعبية وطنية شاملة تساهم وتشارك فيها منظمات المجتمع المدني كافة وبكل الوسائل وبالتحديد الاعلامية منها وبتسيير الفرق الجوالة من أجل هذه المهمة مع تحديث المناهج بهذا الخصوص.
  11. تخليص المجتمع وتحرير المواطنين من مراكز الشعوذة واعمام الجهل.
  12. الاستفادة من الخبرات العالمية.