الفدائي بمفهومه التقليدي هو المضحي بنفسه من أجل قضية، هدف، مبدأ، وعادة ما يكون مترقب متأهب مستعد لكل الاحتمالات من قبل عدو معلوم المكان والزمان وغالباً ما يكون ذلك الفدائي جزءا من أجراءات مواجهة العدو..اما ان يكون الفدائي يعيش في اوساط تواجد العدو والعدو ليس له لا لون ولا رائحة ولا خيال فهذا الذي يمكن ان نصفه بأنه الفدائي من نوع خاص، بل استطيع ان اقول ان هذا الفدائي يعيش خلف خطوط العدو!
نعم انهم التمريضيون الأبطال الذين يتواجدون في مراكز عزل المصابين بكورونا في مختلف المؤسسات الصحية في العراق ..أنهم يواجهون عدواً شرساً غادراً موجود في كل مكان يذهبون اليه ويتواجدون فيه وكذلك موجود في الأجواء التي تحيط بهم وأهمها الهواء الذي يتنفسونه.
أي بطولة فوق التصور يتمتع بها هؤلاء الإنسانيون وهم يبذلون المستحيل من أجل إبقاء أكبر عدد من ضحايا هذا المرض على قيد الحياة ..وهم يبذلون المستحيل من الجهد والاجتهاد ليصونوا شرف المهنة وليعبروا أفضل تعبير عن إنسانيتهم وأخلاقهم في خدمة أناس لا يمتون لهم بصلة عدا وشائج الانسانية والوطن.
أي بشر هؤلاء الذين عبّروا بمصداقية متناهية عن معاني الانسانية ومنحوها اعتبارات كبرى فوق الدين والمذهب والعرق؟ فالراقدون في المشافي الخاصة بكورونا هم في الحقيقة من مختلف الاصول الدينية والمذهبية والعرقية وأبطالنا التمريضيون لا يعيرون لهذه المسميات اي انتباه عند تعاملهم مع المرضى .
أي شجاعة يتمتع بها هؤلاء الاوفياء وهم يتعايشون مع عدو لا يعلمون متى ينقض على اي منهم ..وحينما يُصاب اي منهم يعني اصابتهم جميعا وحينما يصابون (لا سمح الله) بمعنى قد سقط خط الصد الاول!
أي شهامة يتمتع بهم هؤلاء الاوفياء حينما يتركون عائلاتهم خلفهم ليعودوا اليهم بعد فترة منتصرين من مسرح معركة غير متكافأة وهم لربما يحملون هذا الفايروس..ليعزلوا انفسهم في داخل بيوتهم فترة تمتد الى اكثر من اسبوعين حفاظاً على عائلاتهم تضاف الى مدة ابتعادهم عن تلك العائلات لأسباب إنسانية.
عن اي نوع من الابطال النادرين نحن نتحدث ..فكل فعل يقومون به يحسبون له كل الحسابات ..حذرين متيقضين لا يعرفون النوم رغم الارهاق الكبير خشية أن تغفوا عيونهم عن جهاز مراقبة التنفس أوالاوكسجين أوتقطير المغذيات أوأوقات استلام العلاج .
كل منا يركن الى داره بين اطفاله واخوانه ووالديه خلال أيام حظر التجوال أو التباعد الاجتماعي..إلاّ هؤلاء الفدائيين الابطال فقد أصبحوا يقضون ساعاتهم وأيامهم مع أناس لا يعرفونهم وهم أصبحوا لهؤلاء المرض بمثابة الاباء والامهات والاخوان والاخوات والاصدقاء ..أنهم الواسطة النقية بين الحياة والموت كنقاء قلوبهم ويؤدون نشاطهم بين اناس يحملون اسباب الموت المعدي يتجولون بين ردهات وممرات وحيطان وارضيات وطاولات وادوات وافرشة واغطية واوردة جميعها ملوثة بالفايروس التاجي القاتل ..يتناولون طعامهم وسط اسلاك شائكة في ارض الحرام ..يتوضأون ويؤدون الصلوات داعين السماء ان تحميهم وتنقذ هؤلاء المغدورين ووسيلتهم الوحيدة مع العالم الخارجي أجهزة الموبايل والفيس بوك.
عن اي صنف من البشر نتحدث حينما يقصون لنا في فترة نزولهم الى عائلاتهم قصص الموت التي يعيشونها يومياً ..يتناوبون بالواجبات ..بعضهم ياخذ قسطاً من الراحة في ممرات المشفى واخر يغفو وهو بكامل عدته الفضائية ...
إنهم الفدائيون الذين لا يعرفون النوم من أجل حمايتنا وحماية الوطن .أما يستحق مثل هؤلاء الابطال ان نحتفي بهم ونكرمهم بأسم الشعب؟ أما يستحق هؤلاء الفدائيين ان نعلّق على صدورهم وسام الشعب وهم حماة الشعب ؟
ومع ذلك فلا يبغون جزاءً ولا شكورا...إنما يطالبون بحق دستوري وهو تأسيس نقابتهم التي ستكون خير معين لهم ولحقوقهم.
التمريضيون ليسوا ولادة اليوم ولا الامس القريب ...إنهم العمود الفقري لكل نظم الصحة في العالم .
ليصفق أربعون مليون عراقي لهؤلاء الاشاوس
لنقف تقديرا وعرفاناً لهم.