كان رمضان يمثل لنا نحن الاطفال سهرة ليلية وانتظار تقديم حلويات الزلابية والبقلاوة بعد لعبة المحيبس و الاستماع للمربعات الغنائية ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية الجديدة التي تقدم هدية للصائمين كي ينسوا جوعهم وعطشهم وحضور الاحتفالات الدينية التي تشمل بعض الاناشيد والصلوات وغير ذلك من نشاطات في هذا الشهر الذي يعده الصغار شهر لهو ونوم دون تحضير للواجبات المدرسية واقتصار الدوام المدرسي على ساعات قليلة غالبا ما يكون فيها المعلم متعبا لا يستطيع تقديم أية معلومات جادة للتلاميذ .
أما الكبار فمنهم من يعتكف في بيته محروما من مردود مادي طوال الشهر مثل عمال البناء والخدمات الذين يصعب عليهم القيام بواجباتهم بسبب الجوع والعطش ، وآخرين يعملون في الوظائف الحكومية يقضون ساعات الدوام القصيرة بالنوم والكسل بحجة الصيام .
روى لي الاديب النجفي الراحل عبد الغني الخليلي انه كان يتألم لمشاهدة صواني الافطار المرصوفة بالطعام الشهي والحلويات تذهب الى بيوت الاغنياء في النجف ، كانوا يتبادلون أطباق الطعام الشهية بينما يتضور الفقراء العاطلون عن العمل جوعا، وأن البعض كان يعاني من الجوع حتى الموت دون أن يجد عونا من مؤسسة أو حكومة أو صاحب ثروة . رغم ان بيوت الله والاضرحة كانت عامرة بالاموال التي يخزنها المسؤولون ليـنعموا بها .
ومن جميل ما نظم الشاعر زاهد محمد ناقدا الحكومة التي لا تعمل خلال شهر رمضان قصيدته التي عنونها ( الحكومة الصائمة والمكاتب النائمة ) لانه دهش لمرأى مكاتب الدولة الاسلامية التي زارها ، نائمة لا تعمل بحجة شهر رمضان، شاهد الكثير من المكاتب خالية كما شاهد بعضها عامرا بموظفيه النيام على مكاتبهم واليكم بعض الابيات من قصيدة الحكومة الصائمة والمكاتب النائمة للشاعر الراحل زاهد محمد المنشورة في ديوانه الاخوانيات الصادر عام 2000 م :
بوركت يا دافئة المضاجع / ياربة الاوراق والطوابعِ
قد جاء شهر الصوم فاستلقي على / قفاك في الحقول والمصانع
نامي على جنبيك فالصوم هو الـــ ــــــنوم على الجنبين في المخادع
واستمعي في كل يوم عظـةً / أو خطبة ً عصماء في الجوامع
عن الغني إذ يصوم يومَـهُ / لكي يـُحـسَ بالفقير الجائعِ
وألفُ شتان وشتان الذي / بينهما في الحظ والمواقع
فصائم ٌ افطاره مائـدة ٌ / كبابـُها يضحك للكوارعِ
وآخر فطوره وصومه / سيان في دوامة التنازع
هذا طوال العمر يشكو حظه / وذاك مخصوص بحسن الطالع
* *
بوركت ياتقية حيث التقى / وسيلة للكسب والمنافع
تقمصي رداء تقوى زائفا / وعمدي صومك بالمطامع
ما لك والناس اذا تعطلت / أمورهم لدى تقـيّ خاشع
فانكِ العابدُ والزاهدُ في الدنيا / فهيا للجنان سارعي
* *
فمتعي جسمك بالنوم على / فراشك الوثير دون رادع
وعطلي مصالح القوم ولا / تـلـتـفـتي الى ضمير وازع
رابط فيديو حول الموضوع
https://www.youtube.com/watch?v=3Q2IVwIynCU