أعلن المرشح اليساري لخوض الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي الأمريكي برني ساندرز الاربعاء انهاء حملته الانتخابية، واكد ساندرز:” لقد كان قرارًا صعبًا ومؤلماً"، وجاء قراره بعد ان أصبح جو بايدن متقدما عليه في الاسابيع الأخيرة بـ 300 مندوبا، وفق آليات تحديد مندوبي مؤتمر الترشيح للحزب الديمقراطي، الذي من المقرر عقده في آب المقبل.

وتابع ساندرز، " لقد أصبح الفوز عمليا غير ممكن". وتصرف كرجل دولة، فهو يريد الآن المساهمة في "تقديم المساعدة للعوائل العاملة" وهي تواجه ازمة انتشار كورونا. وان "حماية الناس" اهم " من حملة انتخابية لا يمكن الانتصار فيها". وكان ساندرز قد حول، منذ نهاية اذار جزء من حملة التبرعات لصالح دعم منظمات الإغاثة لمواجهة الوباء.

وفي الاسابيع الأخيرة من حملته كان عليه أن يفوز بأكثر 60 في المائة من الأصوات في ولاية مثل نيويورك، اي بزيادة قدرها 40 في المائة. وعمليا فان انتشار الوباء جعل حملة ساندرز مستحيلة، لأنها استندت في المقام الأول إلى التجمعات الجماهيرية الحاشدة، وكذلك حملة طرق الأبواب. لقد حاول ساندرز الاستعانة باليوتيوب، لكنه لم يصل الى العدد المطلوب، خارج نواة ناخبيه التقليديين، فضلا عن الموقف غير الودي للمؤسسات الاعلامية الكبيرة منه، وسيطرت الاخبار والتحليلات المتعلقة بانتشار الوباء في اغلب مؤسسات الإعلام الأمريكي.

ورغم انهاء حملته الانتخابية، الا ان اسمه سيبقى على قوائم التصويت، فساندرز يريد ان يبقى امكانية انتخابه حاضرة على الأقل للناخبين اليساريين في الجولات الانتخابية التي اجلت بسبب الوباء الى حزيران المقبل. وفي الوقت نفسه يريد ان يعزز مواقع اليسار في مؤتمر الترشيح ليؤثر على طبيعة البرنامج الذي سيقر. ان بإمكان اليسار وفق الآيات المعمول بها في الحزب الديمقراطي، الاستفادة من مشاريع قرارات الأقليات التي تحتاج 25 في المائة من المندوبين. وكذلك تحقيق مكاسب في المعركة الدائرة على مستقبل وطبيعة الحزب الديمقراطي، هل هو حزب نخبوي، او تشاركي. واكد ساندرز ان عدم رفع اسمه من القوائم الانتخابية يعود لكونه رمزا لناخبي الجناح اليساري في الحزب، ومن حقهم الاحتفاظ بإمكانية التعبير عن ارادتهم.

وفي الأشهر الاخيرة، اخذ بعض المحافظين في الحزب الديمقراطي يفكرون بصوت عالٍ في توسيع نفوذ المندوبين السوبر غير المنتخبين، والذين نجح معسكر ساندرز في الحد منه بعد الانتخابات التمهيدية السابقة في عام 2016. وحاليا يملك ساندرز914   مندوب، وبما ان قرابة نصف جولات الانتخابات التمهيدية لا تزال معلقة، فإن لدى المرشح اليساري فرصة جيدة لتحقيق نسبة مندوبين تتجاوز 25 في المائة. وإذا ما نجح في جمع 1200 مندوب، فانه سيملك 40 بالمائة من المندوبين الذين يحق لهم التصويت في مؤتمر الحزب.

وشكر ساندرز مليوني من مؤيديه، الذين يمثلون النواة الصلبة، والذين ساهموا في استمرار تمويل حملته الانتخابية من خلال 10 ملايين من التبرعات الصغيرة والمتوسطة، وبمعدل 18 دولار للتبرع الواحد. وشكر ايضا مئات الآلاف الذين ساهموا في فعالياته الانتخابية "لقد انتصرنا في حرب الأفكار في السنوات الخمس الماضية"، في إشارة إلى موافقة الحزب الديمقراطي على الحد الأدنى للأجور 15 دولارًا، وتصاعد شعبية المطالبة بالرعاية الصحية للجميع.

وشدد ساندرز على ان الحملة لم تحقق كامل اهدافها، بسبب قصور التصور لدى الديمقراطيين و "قوة المؤسسة الاقتصادية والسياسية وتقليص رؤيتنا لما هو ممكن وما نعتقده يبقى حقا لنا". وتذكيرا بنلسون مانديلا قال ساندرو "سيبقى مستحيلا لحين حدوثه"، وحفز ساندرز انصاره باقتباس عن مارتن لوثركنغ: "إن قوس الكون الأخلاقي طويل، ولكنه في النهاية يميل نحو العدالة".

وفي منتديات التواصل الاجتماعي أوضح العديد من مؤيدي ساندرز لا يمكن لبايدن بواسطة مناشدات مثل الحفاظ على وحدة الحزب، ومن الضروري هزيمة ترمب كسب اصواتنا ببساطة. وهناك اقلية من انصاره قالوا انهم سيصوتون لأي مرشح آخر وأطلقوا هاشتاك "اطلاقا بايدن".

وقال ساندرز إن حملته كانت دائما حركة اجتماعية ويجب أن تستمر الآن، خلال الانتخابات التمهيدية” باختيار ساسة تقدميون من مجالس المدارس إلى الكونغرس" واضاف "على الرغم من أننا قد نتحرك بشكل أبطأ قليلاً الآن، إلا أن النضال مستمر"، وانه ينظر بتفاؤل للمستقبل، والسبب: "تعاطف وحب وكرامة الناس الذين التقيت بهم في فعالياتي. أنهم الجمال الحقيقي للولايات المتحدة".

لقد شكل برني ساندرز ظاهرة وعاملا محفزا لاستنهاض اليسار في الولايات المتحدة، ولايزال يعمل مع اوساط واسعة من اليسار الأمريكي في سبيل تعزيز ما تحقق والتقدم خطوات الى امام بصبر السياسي الواعي لدوره وللظروف التي يناضل في ظلها، وحقق مع رفاقه في حركة الاشتراكيين الديمقراطيين الامريكان في السنوات الأخيرة نجاحات لا يمكن اغفالها. كان أبرزها النهوض الكبير لقوى اليسار والحركات الاجتماعية في الولايات المتحدة، وصدى البديل الاشتراكي المتصاعد اليوم بين صفوف الشبيبة الولايات المتحدة، البلد الأكثر عداء للشيوعية واليسار. اضافة الى رسالة الأمل التي اوصلها لقوى اليسار في بلدان العالم الأخرى، والتي تواجه تحديات ليست سهلة. وكذلك النجاحات الانتخابية التي حققها مرشحون يساريون على مستويا متعددة، ويقف في مقدمتها فوز الكساندريا اوكازيو كورتيز، والهان عمر ورشيدة طالب بعضوية الكونغرس الأمريكي، واخيرا تحول مفردات يسارية برنامجية الى اهداف ومطالب ممكنة مثل حد أدنى للأجور قدره 15 دولار، والمطالبة بضمان صحي للجميع، وجعل حماية البيئة على جدول العمل.

كل ما تقدم أرسي ارضية للأفكار التي يمثلها ساندرز التي ستستمر وتتوسع بعيدا عن مشاركة الشخصية المستقبلية. وبالتأكيد سيقف ساندرز وانصاره في يوم المعركة الانتخابية الأخير ضد ترمب واليمين الشعبوي، ويدعمون المرشح الديمقراطي باعتباره اهون الشرين. وهذه الرؤية لا تجد صدى ايجابيا لدى قوى ومجموعات صغيرة من اليسار الأمريكي التي تعيش حالة من الجمود الفكري، وعشق الجملة الثورية البعيدة عن محاكاة واقع الصراع.

 

 

 

 

عرض مقالات: