الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يمتاز بمواقفه المتقلبة والمتغيرة بين يوم وآخر، وليس لديه سياسة ثابتة لأنه يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، فهو يسعى أولاً وأخيرا الى اعادة الخلافة العثمانية.  وهذا أمر مستحيل التحقيق لأن العالم تغيّر وتبدل، ولان اردوغان شخص لا يمكن الرهان عليه. وخير مثال أنه أبعد عن الحزب الذي يترأسه قادة مميزين مثل الرئيس التركي السابق غول، ووزير الخارجية السابق ورئيس وزراء تركيا السابق أيضاً أحمد غول. وانفرد في حكم وتوجيه هذا الحزب، حزب العدالة والتنمية.

 أما إذا أخذنا أمثلة أخرى مرتبطة بسياسته الخارجية، فهي متأرجحة بين تعزيز العلاقة مع الروس، وخاصة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الاميركي دونالد ترامب، ففي أحيان كثيرة نراه مقربا الى روسيا، وبعد مدة نراه يساير ويدعم الادارة الاميركية علما ان تركيا هي عضو في حلف شمال الاطلسي الناتو.

 قد تدخل في سورية بصورة بشعة ومرفوضة إذ دعم الارهاب، وساهم في المؤامرة على سورية، وعمل على اسقاط الدولة السورية، لكنه، وبعد مرور تسع سنوات على انطلاق المؤامرة الكونية الكبيرة على سورية نراه يَدّعي أنه ضد الارهاب، ويدعي أنه مستعد للتعاون مع روسيا للتخلص من الارهابيين في محافظة ادلب. وهو يصف "الاكراد" في سورية بالارهابيين، ويدّعي أن تدخله في سورية واحتلاله لاراضي فيها في الشمال السوري هو لمنع الاكراد من اقامة كيان مستقل، وكذلك منعهم من القيام بعمليات عسكرية ضد الجيش التركي، ويأتي تعاونه مع روسيا الى حد ما من أجل القضاء على الارهاب، ولكن تعاونه كان شكليا، لانه يواجه الجيش السوري ليمنعه من تحرير أراضيه من الارهابيين. وهو حتى يومنا هذا يوفر السلاح لعشرات الالاف من الارهابيين المحتلين للاراضي في محافظة ادلب. وحتى انه جبان في تصرفه امام روسيا إذ أنه هاجم الجيش السوري بدلا من مهاجمة القوات الروسية التي قصفت جيشه وقتلت العشرات منهم!

 قبل أن يجتمع الى الرئيس بوتين قبل أيام، اتصل بالرئيس الاميركي ترامب طالبا دعمه في كل ما يقوم به في سورية، ولكن يبدو أن الرئيس الاميركي لم يكن متشجعاً للتورط في الشمال السوري، لذلك لجأ الى الرئيس بوتين واجتمع معه، وقبل بما أنجزه الجيش العربي السوري في الميدان من تحرير جزء كبير من محافظة ادلب المحتلة ارهابيا بدعم من تركيا!

 لا يستطيع أن يحقق أردوغان أحلامه وامنياته في اقامة خلافة عثمانية مجددة لان سياسته متأرجحة وغير ثابتة، وغير عادلة ومدمرة وعدوة للتنمية عكس ما يدعو اليه حزبه، حزب العدالة والتنمية، وهو يمتاز بالتصريحات النارية الفارغة، التي لا تقدم ولا تؤخر. ويجب الا ننسى أنه يحارب اسرائيل من خلال التصريحات والبيانات، ولكنه على ارض الواقع يقيم علاقات مميزة وقوية سواء تجارية أو سياحية، أو عسكرية مع قادتها، وهو يعادي اسرائيل فقط علناَ لأنها على علاقة قوية سرية مع الاكراد، وليس دفاعا عن القضية الفلسطينية. فهو يبحث عن مصالحه الشخصية ولا يؤمن بتاتا بالديمقراطية وحرية التعبير، لانه أمر باعتقال عشرات الالاف من المواطنين العاملين مع مؤسسات الحكومة التركية تحت ذريعة مشاركتهم في محاولة الانقلاب الفاشلة ضده مع ان سبب الاعتقال هو منع التعبير عن الرأي ومنع هؤلاء من انتقاده!

 لقد حان لتركيا أن توقف هذه السياسة الاردوغانية لانه ماذا يفيدها في ارسال قواتها الى ليبيا أو سورية وسيعرضها للقتل والبهدلة من خلال دعمها للارهاب!

 لقد قال الشعب التركي كلمته في انتخابات رئاسة بلدية مدينة اسطانبول. وهذه الكلمة ستتواصل لان سياسة التأرجح والانتهازية مرفوضة تركيا قبل رفضها عربيا. وعلى اردوغان سحب قواته كلها من الاراضي السورية، وعليه التعاون مع سورية وروسيا وحلفائهما في ضرب الارهاب لان مثل هذه الخطوة ستنقذه من السقوط الآني لا محالة.

القدس 10/3/2020