أتذكر دائماً أبيات المتنبي عن العيد بقوله :-
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ … بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
وكنت أجيب ذاكرتي مبتسمة دائماً وأقول ( بما مضى ) ، لأنني أدرك أن عيد المرأة منذ أطلقت ( كلارا زيتكن ) صرختها إلى اليوم لم تتغير أوضاع المرأة العربية وبعد أن جاء زمن الثورات العربية بالكثير من الأمل والقوانين المنصفة للمرأة وفتح الأبواب لدفع مستوى المساواة والتعليم والمستوى الصحي عادت وتراجعت أوضاع المرأة بسرعة تفوق سرعة دوران الأرض حول الشمس ، فقد تزايدت أعداد الوفيات للأمهات والأطفال خاصة في الولادات المبكرة وتراجعت نسبة التعليم حتى بلغت نسبة الأمية في العالم العربي للنساء حسب إحصائيات ٢٠١٨ أكثر من ٤٦٪ من السكان العرب ، وهي أكثر من ضعف النسبة بين الذكور . كما أن هناك نقاط سوداء في تاريخ المجتمع العربي قد تكون موجودة أيضاً في مسار العالم المتحضر لكنها أكثر ثقلاً في عالمنا العربي من أهمها ، التحرش الجنسي ، العنف الأسري ، ختان الإناث ، وهذه النقاط تحتمل الكثير من الإحصائيات لكني سأذكر البعض منها . يشير المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر إلى مسألة العنف الأسري بأن هناك مليون ونصف إمرأة مصرية تتعرض إلى العنف الأسري ٧٠٪ منهن يكون المُعنِف هو الزوج أو الأب . وحسب دراسة لمركز الإحاطة والتوجيه الأسري في تونس بأنه تم تسجيل ٣٣٠٥ حالة عنف أُسري من قبل الزوج ما بين ٢٠٠٣ - ٢٠٠٨ . أما في لبنان فيتلقى الخط الساخن لضحايا العنف حوالي ٢٦٠٠ بلاغ سنوي عن العنف بين النساء وحالات قتل من قِبل الأقارب . أما في المغرب فتذكر المندوبة السامية للتخطيط بأن ٦٠ ٪ من النساء في المغرب يتعرضن للعنف .
في دراسة ميدانية لوكالة رويتر عن التحرش الجنسي شملت ٢٤ دولة إحتلت السعودية المرتبة الثالثة وهي بهذا قد سبقت نسبة التحرش في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا . وقد تحدث مركز البحث العالمي وهو مركز كندي عن زيادة نسبة التحرش في السعودية زيادة قدرها ١١،٤ ٪ في سنة ٢٠١٦ عن سنة ٢٠١٥ . أما في غزة فأن ٧٥،٤ ٪ من النساء قد تعرضن للتحرش .
في دراسة حديثة أجرتها الأمم المتحدة حول فكرة المساواة في الدول العربية ، فتبين أن غالبية الرجال في أربع دول عربية وهي مصر ولبنان والمغرب والأراضي الفلسطينية لا يحبذون فكرة المساواة والغالب منهم يرى أن له الحق في ضرب زوجته وأن أكثر من نصف النساء تؤيد فكرة ولاية الرجل . ولقد علقت صحيفة الإيكونوميست البريطانية على شوفينية الرجل العربي بقولها - ممارسة العنف هنا مدفوعة بدافع الضعف وليس القوة .
ولو حللنا ذلك لوجدنا أن الرجل العربي يمارس العنف والتحرش ويفرض الختان على الفتيات لسببين موضوعيين هما الضعف وعدم الثقة ، وعدم الثقة هنا ليس فقط لرجولة الرجل وإنما عدم الثقة بشرف المرأة ، فهو يضربها ليحصنها ، ويقطع أجزاء من أعضائها التناسلية ليحصنها ، ويتحرش بها بعد ذلك ليثبت رجولته أمام المجتمع .
لا أدين هنا الرجل أو المرأة بل المجتمع العربي ككل حيث بنى أوليات ومنعطفات للعلاقة بين الرجل والمرأة مبنية كلها على إرث حضاري جعل المرأة دائماً تابعاً لا متبوعاً إلا إستثناءات قليلة ، وهذا الفهم مرهون لقرون من الإستعباد والإستلاب العام ، فالرجل أيضاً في العالم العربي هو مُستلب الحقوق كمواطن وكإنسان ويمكن أن تسحبه السلطة من قدمية متى ما شاءت ، ويمكن أن تجوعه وأطفاله متى ما شاءت ، ويمكن أن تجعله مهرجاً سياسياً ليلعب دور المصلح وهو أفسد المفسدين .
إن الغريب في سياستنا الإجتماعية والإقتصادية بأنه لا ينطبق علينا قانون الإرتقاء ، فنحن نعود شيئاً فشيئاً نحو الماضي السحيق حتى يصبح أحدنا قرداً أو ديناصوراً من ديناصورات السياسة ، ولو كان عكس ذلك لما حدث ما حدث لبلد مثل العراق حيث هو أحد الدول الـ ( ١٢ ) التي تعاني من الفساد السياسي ونسبته الأعلى في هذا المجال ، فالعراق يحتوي على أغنى الثروات المادية والبشرية ومعظم سكانه دون الثلاثين لكنه يعاني من البطالة وكثرة نوادي القمار والدعارة ( وطول اللحى ) أو ممتهنو المنابر والذين أصبح شغلهم الشاغل هو ( لعن النساء ) ، فهي إذا فعلت كذا ملعونة وإذا لبست كذا ملعونة أيضاً ، وتُلاحق أينما ذهبت . وقد بدأت هذه الظاهرة من قبل الإحتلال ، فأذكر أنه في نهاية الستينات قد قام أحد المسؤولين من خلال حراس الجامعة بالإيعاز بصبغ سيقان الطالبات اللواتي يرتدين الملابس القصيرة ، وكانت الطالبات يدخلن الجامعة باكيات والطلاء يسيح ما بين أقدامهن وكأنهن قد أُغتصبن للتو ، لكن المد الثقافي كان يناضل وبشدة ضد التيارات الرجعية ، فقد كان إتحاد الأدباء مليئاً بالنساء في أماسي الأربعاء الثقافية . أما القهوة البرازيلية في شارع الرشيد فكانت تدخل النساء إليها ليحتسين فنجاناً من القهوة ثم يمضين في حال سبيلهن بلا مضايقة أو تحرش . كانت المرأة العراقية وقتها جميلة وأنيقة وكانت الأجواء الثقافية نظيفة رغم الأوضاع السياسية . أما المحاولات الحالية لفئة المثقفين والفنانين والأدباء لإعادة الحياة للثقافة العراقية السوية ، فقد نشطت من خلال الحركة الثورية للشباب والتي كسرت الأغلال الفولاذية فخرجن شابات تفوح من بين أجنحتهن رائحة الورد لم يبالين بتعنت العائلة العراقية والطاقم التدريسي التقليدي وعبرن جدران البيوت والمدارس إلى الشارع العراقي ، وكان أمامهن قدوات رائعة من نماذج النسوة العراقيات المثقفات من أمثال الروائيات صبيحة شبر وسافرة جميل حافظ وغيرهن من المبدعات والشواعر والتشكيليات ، حيث إجتمع الشارع العراقي ورأى أجمل القصائد واللوحات ومواهب أطلقت سراحها الثورة والثوار ، وكان هذا هو البديل لعشرات حالات الإنتحار النسائية أو الإتجار بالجسد الأنثوي العراقي والبديل لنواح أكثر من ٢ مليون أرملة وأكثر من ٦ ملايين يتيم
ولسنوات طويلة من النزيف الدموي .
كان هذا هو البديل الصحيح لتعديل الميزان الإجتماعي وهو لم يمِل يوماً لصالح الرجل وإنما كان دائماً لصالح الفساد الإجتماعي .