تَكوَنَ المجتمع العراقي من مكونات عرقية، ساهمت بأشكال مختلفة للخروج من ملاحقتها سياسيا وإجتماعيا ومذهبيا بعد 2003 ، باذلة جهودا مختلفة، تصدت بها لردع التشظي الذي تُحدثه الأحزاب الإسلامية المتحاصصة (التي وُضعت على مسار العملية السياسية) وميليشياتها المنفلتة في البنية الإجتماعية لمكوناته العرقية، محدثة شروخا وتشظيا في المجتمع العراقي المتعدد المكونات العرقية، وذلك بتعميق المفهوم الطائفي على حساب الروح الوطنية. جرى ذلك قبل دخول داعش على الخط، حيث عانت المكونات العرقية (المسيحيون والصابئة  المندائيون) في الوسط والجنوب من البلاد تهجيرا قسريا و من التنكيل ومصادرة مقومات رزقها وأملاكها  بالضد من تضامن حاملي الهم العراقي وإياهم، مما اضطرها للهجرة الداخلية، ولوحدها، عملت على كل ما من شأنه إستدامة ثقافاتها وإنتماءاتها القومية ولغتها وديانتها،  فواصلت حماية تراثها الإنساني وإنتماءها الوطني المتوحد مع مسار العراق، وبذلك حافظت على كيانها من الإندثار ليومنا هذا.

 لقد أستغلت الأحزاب الإسلامية تبني نهج المحاصصة الطائفية والأثنية، فزرعت محسوبيها  في كافة الأصعدة الإدارية والأمنية في الدولة، وأغلقتها أمام حاملي الهم العراقي وأبناء تلك المكونات، مسهلة طرق سيطرة ميليشياتها على جميع المنافذ الحدودية العراقية في الجهات الأربعة، لتجني من وراء ذلك عشرات المليارات من الدولارات، التي تدخل جيوب رؤوساء الأحزاب والكتل المتحاصصة سياسيا وطائفيا، وليوزعوا منها رواتب لأعضاء ميليشياتها التي إستفحلت قوتها وأصبحت تلعب دورا رياديا في الشأن السياسي العراقي كقوة عسكرية تخدم مصالح الاحزاب الإسلامية، والجار الشرقي لبلادنا، وحاليا تتسابق مع جيشنا في إمتلاكها أكثر الأسلحة تطورا. إستخدمته حاليا في قنص المنتفضين الشباب وإصطيادهم بالصجم، ساعدها في ذلك تساهل الحكومات المتعاقبة في حصر السلاح بيد الدولة، الذي طالبت به الجماهير الشعبية والمرجعيات الدينية، بالإضافة الى إفتقار الأحزاب الإسلامية الحاكمة المهيمنة على مواقع القرار لبرامج تنموية. معتبرة أن إسقاط الدكتاتورية، جاء لوضعها على مواقع القرار فحسب، ولإعاقة اي نوع من التغيير والأصلاح من أجل إستدامة سيطرتها على مقاليد الحكم.

ولضمان تواصل تلك الإمتيازات وعدم التفريط بها، أوعزت بعض الأحزاب المتحاصصة لميليشاتها تطويق المنتفضين وأطلاق الرصاص الحي والصجم للتأثير على سلمية إنتفاضة جيل الحداثة، وبصورة خاصة، بعد مطالبتهم بإجراء إنتخابات برلمانية مبكرة، لإدراكها مسبقا ان ذلك سيُعرض إستدامة بقائها في مراكز الدولة للإهتزاز ، ولإعتقادها أن اي تبديل في الطريقة التي فصلوها لوحدهم في عملية خوض الإنتخابات سيُفقدها إمكانية ما تسعى اليه من أوليات إبقاء مصالحها وخدمة أجندات بعض دول الجوار للنسف، لذا أصرت على عدم مس كيان ميليشياتها، وعدم سحب السلاح منها وجعلة بيد الدولة.

 لقد كان أحد مطالب المنتفضين هو محاسبة من إستخدم السلاح لفض أعتصام المنتفضين المطالبين بوطن حر . ولما فشلت الأحزاب المتحاصصة وميليشياتها في تشويه سلمية المتظاهرين، لجأت إلى إثارة عاطفة الجماهير العراقية وتكرار دور الميليشيات في التصدي لداعش، على الرغم من كون ذلك واجب وطني، محولة مهمة ميليشياتها لدعم بقائهم في الحكم، وإلى مهمة  أخراج الأمريكان بقوة السلاح من العراق، دون النظر للظروف الموضوعية والذاتية التي مكنت داعش ان توقظ خلاياها النائمة من جديد وترفع راسها للعودة لتشكيل الدولة الإسلامية وعاصمتها ستكون في العراقوليس الرقة.. 

إن تشبث البعض لإخراج أمريكا من المنطقة وبصورة خاصة من العراق يطرح حزمة من الاسئلة ، أولها هل بإستطاعة ميليشيات الاحزاب المتحاصصة والتي تدار من الخارج على مواجهة داعش بمفردها؟ وهل تعلم بكيفية تسديد ثمن خروج الأمريكان من العراق، على الرغم من أن المعطيات الجيوسياسية تؤكد حاجة العراق الملحة الى تواصل بقاء الأمريكان في المرحلة الراهنة على الاقل، وكثيرا ما يتم التوافق بين الأطراف المتصارعة على النفوذ في المنطقة، على جعل اولياتهم إحتلال الصدارة، لتبقى المصالح والنفوذ هما المحركان الرئيسان لمصائر شعوب المنطقة، فهل سيؤدي التعاطي الإنفعالي للأحزاب الإسلامية ومليشياتها لاتخاذ القرارات الصائبة لوضع العراق على سكة التغيير والأصلاح وإقامة دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية التي ينشدها المنتفضون؟؟

 

عرض مقالات: