إن مفهوم الفضيلة مفهوم واسع متعدد الجوانب لا يخص دين أو قومية أو مذهب أو شعب محدد بل يخص كينونة الإنسان وذاته وتربيته الأسرية ونوع إهتماماته ، فقد يكون متعلماً أو أُمياً ، وقد يكون شاباً أو كهلاً غنياً أو فقيراً ، لكن شيئاً ما في داخله يرفض الخطأ والفساد وقد يسبب له ذلك ألماً جسدياً أو توفزاً عصبياً أو إرهاقاً نفسياً ، وإذا ما إرتكب مفسدة قد تفقده النوم والشهية والرغبة في الحياة والضحك ويعزل نفسه حتى يتصالح معها .
قد يكون الفاضل شخصاً لا دينياً لكنه يمتلك قيماً إنسانية عالية ورغبة بالتحكم بالميل نحو الفساد الإجتماعي ، وكل أنواع الفساد قد تجتمع كوحدة واحدة ، فالقتل يكمل السرقة أو العكس ، والكذب للنجاة من العقاب يكملهما معاً .
إن الحضارات البائدة قد تحدثت عن الفضائل وعمم ذلك أفلاطون في جمهوريته ، وقد يتباين العقاب لممارسي الرذيلة ، وقد شدد الرومان والإغريق على ممارِسات الرذيلة من النساء خاصة في موضوع الزنا وقد إزدهرت هذه الحضارات وحققت تقدما إجتماعياً إلا أن المرأة كانت بجميع المدن الفاضلة مصادرة حقوقها وكأنها أم الرذائل .
إن نسبة الجريمة في عالمنا المعاصر تزداد بشكل تصاعدي ولا فرق هنا بين الدول الغنية والفقيرة ، المتحضرة أو المتخلفة وكل له أسبابه ، ففي الدول المتحضرة يكون تشنج الحياة اليومية وضغوطها وإرتفاع نسبة البطالة والطلاق ، التمييز العنصري ، الكراهية نحو الدين الآخر أو الجنس الآخر ، أما الدول المتخلفة فتعمل التحزبات السياسية والموروث المتخلف على صنع عالم وهمي وخرافات بديلة للدين تجعل من شعوب هذا العالم المتخلف يعيشون ضمن إسطورة وهمية لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، ويستخدم قادة هذا العالم الدين كوسيلة إرهاب سلطوية ترسم لهؤلاء القادة هاله من السمو الإسطوري وتنظر إلى شعوبها نظرة دونية كنظرة العالم للجاهل ، والفقيه للمدنس ، والمؤمن للكافر وما هو بكافر . في هذا العالم المطاردون من قبل القانون هم غير مطاردين والشعب كله يبدو وكأنه خارج عن القانون ، ويحتار الفرد هنا كيف يحتمي من قادته ولن يحميه في هذه الحالة حتى أسوار بيته .
إن الإنسان العادي مهما بلغت نسبة سلوكه الإجرامي يحتاج إلى مساحة ليعيش وكأنه شخص طبيعي يعيش حياة طبيعية وقد يكون له أصدقاء أو زوجة أو حبيبة ، وقد يكون له أولاد ، وكثير من المجرمين تفاجأت زوجاتهم أو عوائلهم بجرائمهم بعد إلقاء القبض عليهم وقد يبقى أحدهم قاتلاً محترفاً على مدى سنوات طويلة ثم يكتشف والداه جرائمه كما حدث لبعض الذين قتلوا أعداد كثيرة من الناس بسبب الكراهية للآخر في أمريكا وبريطانيا وإستراليا ونيوزيلندا وغالباً ما تكون مواقع الجريمة في المساجد أو المقاهي الخاصة للجنسيات الأخرى .
إن الفضيلة شكل من أشكال التدين ، لكن التدين قد يكون واجهة رمزية ، والفضيلة أيضاً واجهة رمزية تسور الجوهر الحقيقي لبعض المدعين والذين يصبح لديهم التدين مهنة أو شركة تجارية قابضة وهذا يخص كل الأديان ، وهم في هذه الحالة المتطرفون الحقيقيون يجعلون من الدين سيفاً أو خنجراً يُغمد في صدور أعدائهم ، والمصلحة الشخصية هي الحد الفاصل هنا ، وتصبح السلطة الدينية درعاً يحتمي به المجرمون من المساءلة ، ولضمان نجاح أفعاله لحين تحقيق الهدف وهو في هذه الحالة كمن يستعمل علمه للإبادة البشرية ولا فرق لدية أن تُباد أمه بكاملها . يحدث هذا حينما يخرج من كل أمه أو دين بعض المتطرفين أو المهووسين بعظمتهم ، حدث هذا ما بين الأتراك المسلمين والأرمن ، وما بين المسلمين والإيزيديين ، وما بين العرب المسلمين والأكراد المسلمين في تركيا والعراق وإيران وسوريا ، وكما حدث للإيغور أو لمسلمي الروهنغا ، وكما حدث ضد اليهود في الهولوكست ، وبالمقابل كل عنف يُقابل بعنف موازي من قبل الجهة المُعنفة . لكن هذا لا يعتبر قانوناً أزلياً إذ تعيش جاليات وقوميات وأديان مختلفة في دول أوربا وأمريكا وإستراليا تحت قانون وطني واحد يخضع له الجميع ، ويبقى الخط البياني للجريمة في صعود ونزول حسب الفروق الفردية والظروف الموضوعية ، لقد خرج من بين المهاجرين والسكان الأصليين في الكثير من دول العالم المئات من المفكرين والمبدعين ذوي الفكر الإنساني المتسامح ، ويخرج أيضاً الكثير من المتطرفين ودعاة الكراهية للجنس الآخر والدين الآخر .
إن الممارسات اللاأخلاقية بإسم الأخلاق واللادينية بإسم الدين تُعد أمراً مكشوفاً للفرد الواعي . هناك حادثة صغيرة قصتها لي صديقة تعيش في مدينة يقطنها الكثير من أتباع الديانات واللادينيين لكنهم متعايشون مع بعضهم البعض ، قالت : سقطت مني ذات يوم وإنا في طريقي إلى السوق ( حُليه ذهبية ) وأثناء تجوالي أحسست بفقدها وعدت إلى نفس الطريق الذي جئت منه وإتجهتُ نحو سيارتي لأجد إمرأة تنظر لي وتراقبني وأنا أنظر يميناً ويساراً فأخرجت شيئا من حقيبتها وقالت أهذا ما تبحثين عنه ؟ لقد وجدت المرأة الحُلية وإنتظرتني ، كانت المرأة صينية وهي على الأكثر ( لا دينية ) ، أردت أن أدفع مبلغاً من المال لها لكنها أسرعت وقالت لم أنتظرك لآخذ شيئا منك وإنطلقت بسرعة أمامي . العبرة هنا إنك من أي زاوية تنظر إلى الفضيلة ، ومن أي زاوية تنظر إلى الدين فالله أمر بها لكنها مرهونة بوجهة نظرك فقد تكون واجهة من واجهات الكسب ، وقد يكون سيفاً للسطوة ، وقد تُتخذ سلماً للصعود إلى مصاف الإلوهية ، وهو من يقرر من يحيي ومن يميت ، ويرسمون هاله من نور تحيط بهم غير مستحقين لها ناسين أن حياة كل إنسان يساوي الكثير في كل الكتب المقدسة وهي من يدور عليها جوهر الأديان وجوهر الكينونة لهذا الكون ، فيخلقون من حولهم الخرافات لكي يهرول الناس البسطاء إليهم طالبين بركتهم متصورين أن هؤلاء هم باب سد الحوائج والتي هي الفقر والمرض والإحساس بالأمان ، وإن لم يتجهوا إليهم فستسلط السيوف على الرؤوس اليانعة لتخلوا الديار إلا منهم .