أثبتت وقائع انتفاضة جيل الحداثة العراقية لشعوب العالم، أن ساحة التحرير، وما حولها، قد حولها هذا الجيل إلى عصب حيوي لإنتفاضة وطنية بإمتياز، خاصة بعد أن هاله وجماهير شعبه، ما وصل اليه العراق من مآسي وويلات. بسبب تمسك النخبة السياسية للأحزاب الإسلامية بالسلطة. وبسبب تعنتهم وتكبرهم على الجماهير الشعبية!!، ففقدت الدولة العراقية هيبتها والوطن سيادته. أما تماديهم بعدم سماع صوت المنتفضين، بضرورة القيام بإصلاحات جذرية في طبيعة البنية السياسية للنظام، فإنه دلل على عدم وجود نية حقيقية لبناء عراق ديمقراطي مدني متحرر، خال من الطائفية، تسوده العدالة الإجتماعية. عراق من طراز جديد. على أنقاض بنية حكمهم المحاصصاتي المقيت، الذي قَيدوا به الوطن. عراق يلبي تحقيق أحلام نسائه ورجاله، من كافة مكوناته العرقية، وبشكل يتماهى مع مقاييس وضعها المنتفضون بإسترجاع كل ما سرق من الشعب من روح وطنية وتراث حضاري، وما صودر من الوطن بمعية العامل الخارجي ودول الجوار من سيادة وطنية. 

فعلى الرغم من التأكيد المتواصل للمنتفضين بأن حراكهم سلمي، ويجري عبر طرق سلمية، وهم (جيل الحداثة) لا يحملوا اية ضغينة ضدهم، لأنهم لا يملكون لا سلاحا ولا سلطة غير العلم العراقي يوشحون به صدورهم وحراكهم السلمي. وإن إنتفاضتهم ستبقى سلمية، ولن يغادروا ساحات التظاهر حتى يضمنوا تحقيق ما إنتفضوا من أجله. 

فحراك جيل الحداثة، الذي وقفت الجماهير الشعبية خلفه، ومن مختلف مكوناتها العرقية يتواصل سلميا، ويتصاعد تدريجيا، محققا إستقالة الحكومة وقانون إنتخابات جديد رغم بعده عن مقاييس المنتفضين. ولكثرة عيوبه سيسمح بدخول الأحزاب الطائفية من الشباك إلى مواقع القرار، والعودة للسلطة، بعد خروجها من الباب منها

لهذا شنت وتشن الأحزاب الحاكمة عبر ميليشياتها المنفلتة والطرف الثالث حملة تجاهل عدائية بحق المنتفضين، مستعملة شتى وسائل الإرهاب والقمع والتنكيل، بما في ذلك إستعمال الرصاص الحي. لإجهاض حراكهم السلمي، بغية إبقاء صيغة مبدأهم السياسي في الحكم (مبداْ المحاصصة)، لمواصلة سرقة الشعب والوطن، مما سبب تراجع حياة الجماهير الشعبية اليومية، وإزدادت فقرا، بالتوازي مع تعاظم وتراكم ثرواتهم المنقولة وغير المنقولة في الداخل والخارج. مع عدم تناسيهم تحقيق أجندات دول تشترك وإياهم بنهج مذهبي واحد، ومع هذا يصر جيل الحداثة المنتفض سلميا، على مواصلة، منذ الأول من أكتوبر العام الماضي حراكه السلمي في ساحات التظاهر، لإرغام المتربعين على مقاليد السلطة، تفليش بنية حكمهم، والإتيان برئيس حكومة وطني ضمن مواصفات المنتفضين سلميا. يعمل على تبديل ما زرعته الأحزاب الإسلامية الحاكمة من مريديهم ومحسوبيهم في سائر مفاصل الدولة العراقية الإدارية والأمنية، بعناصر وطنية كفوءة علميا. وإلغاء كافة المخططات التي وضعها العامل الخارجي ودول الجوار القريبة والبعيدة، التي أريد لعراق ما بعد 2003 السير ضمنها. كي يلتصق بها الفشل الذريع، طيلة 16عاما ولوقتنا هذا. ولم يكتفوا بذلك بل حولوا الديمقراطية الهشة التي لم تتذوق الجماهير الشعبية طعمها الحقيقي منذ عقودا إلى حائط يتكئوا عليه دعائيا 

 قد يكون العامل الخارجي لم يُدرك، أو كان متعمدا، بإناطة تطبيقها (الديمقراطية الهشة)، لأيدي لا تحسن زراعتها، ولا تعترف بمزياها، إذ لم تقدم على إرواءها، بل عمدت الى قطع أغصانها بالتدريج فجفت، ولما لم ينفع معها التقليم، لتمسك الجماهير الشعبية بها (رغم هشاشتها) فإقتلعتها من جذورها، مستقوية بميليشياتها المنفلتة التي سلحتها بأحدث الأسلحة، فاقت ما تسلح به الجيش العراقي، الذي غُلب على أمره أسوة بشعبه. واليوم تحاول الاحزاب والكتل الحاكمة، ركب موجة الإنتفاضة، هادفة التغطية على محاسبة من سرق اموال الشعب ومن عرقل تقدم العراق علميا وحضاريا، بنكوص التعليم والمعرفة، وإقتصاديا بتشويه خبرته الزراعية والصناعية، حتى يكون غذاؤه من وراء الحدود ومستوردا بالدولار من الدول الجارة، حتى منها ما سعى ليكون مستوى تصديره للعراق 20 مليار دولار.

 ان جيل الحداثة في الوقت الذي يتمسك بسلمية إنتفاضته يصر على مواصلتها، منطلقا من مصالح الشعب والوطن العليا، القاضية بإبعاده عن ويلات النزاعات الدولية والإقليمية، مع الدعوة لتسويتها بالطرق السلمية والدبلوماسية، وعبر احترام القوانين والأعراف الدولية، ويحذر جميع مكوناته المجتمعية من مغبة الإنزلاق والإنسياق نحو مبررات واهية لتقسيم العراق على مبدأ بايدن الذي عُكس في جلسة البرلمان الأخيرة.