إن للشعب العراقي ذاكرة سمعية وبصرية عظيمة تُقيِم السياسيين ، لكن اللاعب الأساسي كان دائماً هو منطق القوة الذي منع العراقيين من أن يصرحوا بما يريدونه، وقد كانت دائماً اللعبة السياسية ماكرة لكنها لم تنطل على العراقي البسيط رغم الإستخدام السياسي للفضائيات والسوسشيال ميديا لسحب التصفيق من أيدي الجمهور العراقي ، لكنها كما نعلم كانت دائماً مسرحيات سياسية هشة موضوعة لفترة قصيرة وهي على الأكثر قبل الإنتخابات وتُرصد لهذه المسرحية الأموال والخطابات الرنانة والوعود ورسم بعض اللوحات السريالية لعالم جميل ووردي إلى أن يمسك السياسي المحنك زمام الأمور وتتضح بعدها الصورة .
لقد إعتمد الساسة العراقيون على صبر الشعب العراقي وإمتصوا طاقة الشباب بالمواكب الحسينية والمشي على الأقدام ما بين المدن ، وكان هذا تعطيلا كاملا للإقتصاد العراقي وإمتصاصا للطاقة البشرية ، وحيث يعود الشباب والعوائل العراقية إلى بيوتهم منهكين وبدل أن يفرغوا غضبهم على رؤوس السلطة يفوضون أمرهم إلى العتبات المقدسة لكي تحل مشاكلهم المادية والإجتماعية بمعجزات خارقة ويبقى الفرد العراقي مطأطأ رأسه ومنتظراً هذه المعجزات ، وهو في هذه الحالة قد سُحبت منه الإرادة للتغيير وجُعل منه منتظراً بائساً طوال الوقت . لكن القرية الصغيرة التي هي العالم بأسره والتغيرات السريعة الحاصلة به قد رفعت الغمامة من على أعين الشباب خلال السوسشيال ميديا والصحافة الحرة، فبدأ يرى الصورة المفزعة بشكل واضح .
لقد تنقل الساسة العراقيون ما بين كونهم رجال دين ورجال سياسة ، فساعة يخلعون العباءة وساعة يرتدونها ، وساعة يسندون الشباب والمظاهرات وفي آخر الليل يلتقطون نشطاءهم بكاتم الصوت ، يحيكون المؤامرات في الغرف المظلمة لإحباط المظاهرات ويُعدون للمرحلة القادمة أشخاصاً تلوثت أيديهم في الماضي بالفساد وظنوا أن الشعب ينسى ، فقدموا رموزاً بعثية قديمة ساهمت في قمع الشعب أو بعض الفاسدين الذين ظهروا بعد الإحتلال ، أو بعض إرستقراطيي السياسة ، وجوه هي أشبه بوجه مهرج مصبوغة بالأحمر والأخضر وكل الألوان عدا لونه الحقيقي ، ورسموا له إبتسامة مصنوعة تقربه من قلوب العراقيين ، لكن القلب العراقي لا ينسى قتلته ولا يتسع إلا للشرفاء من هؤلاء الشباب الذين إفترشوا الأرض وإلتحفوا السماء الذين هم أجدر الناس وأقدرهم على القيادة . يجب أن ينظر الساسة الى رؤساء الوزارات في العالم الذين هم من الشباب المتميز والشريف والقادر على أن يعطي الطاقة الشبابية لخدمة وطنه، ولينظروا مثلاً إلى رئيسة الوزراء النيوزيلندية الثلاثينية ، فلم تكن هذه المرأة سوى موظفة في مكتب رئيسة الوزراء السابقة وهي تعمل عملاً رائعاً لخدمة الشعب والإقتصاد النيوزيلندي ، أو إلى رئيس الوزراء الكندي أو الرئيس الفرنسي ، كما أم هناك الكثير من الوزراء هم من الشباب الذين هم بالعشرينات وعلى هذا الأساس فإن عنصر الشباب الوطني هو الأصلح لقيادة العراق ، فهم من من لم تتلوث أياديهم بالدم أو المال العام وقدراتهم أوسع من الساسة المخضرمين ، فهم أعلم بكل ما يحتاجه الشارع والبيت العراقي ، وهم أدرى بكل ما يحتاجه الإقتصاد العراقي ، وهم أعلم بما يحصل في المدارس والجامعات والمعامل المغلوقة والمزارع المصحرة لأنهم عاشوا البؤس العراقي ولم يترفعوا عن الجماهير الكادحة بل كانوا منهم وثورتهم ومظاهراتهم هي إليهم ، ومن يهب دمه للشعب دون مقابل هو وحده الذي يُنتظر منه أن يعمل لصالح هذا الشعب بيد نقية وضمير أنقى .