ملف تجارة المخدرات في العراق أصبح له حضوره الفاعل في الواقع العراقي انتشاراً وتعاطياً، وقد اكتسب مستوىً عالياً من الخطورة بمساعي استثماره في الصراع السياسي وتوظيف موارده في التمويل الانتخابي لصالح احزاب الطائفية السياسية الحاكمة، كما تشير بذلك المعطيات.

لقد حملت حادثة كبس جهاز مكافحة المخدرات على ملايين الحبوب المخدرة في احدى موانئ البلاد البحرية، ثم ما تبعها من احباط تهريب شحنة اخرى من المخدرات في مطار بغداد الدولي، معانٍ خطيرة... فقد اشرت الى شعور عالٍ بالأمان والثقة لدى المهربين حد تجرئهم على جلب هذه الكميات الهائلة (قدرت بعشرات الملايين من الحبوب المخدرة) ومن خلال منافذ الدولة الحدودية وبوثائق شحن واستيراد رسمية وليس تهريباً من وراء ظهر سلطات الرقابة الكمركية واجهزة مكافحة المخدرات، مما يعني وقوف جهات سياسية متنفذة وراءهم لتحميهم.

ثم جاء التصريح الأخير للقيادي في دولة القانون النائب عن حزب الدعوة الاسلامية الحاكم السيد صادق اللبان الذي اتهم به، صراحة، مسؤولين تابعين لأحدى الحكومات المحلية المجاورة لمدينة النجف، وهم اسلاميون بالضرورة، والاجهزة الامنية المؤتمرة لها بالتدخل لإطلاق سراح أحد تجار المخدرات الخطرين في المحافظة، ليؤكد وجود علاقة لقوى متنفذة بعمليات ادخال منظمة للمخدرات الى البلاد.

لم يذكر السيد اللبان كما جرت عادة الساسة العراقيين عندما يتصدون لأمر خطير يتعلق بحياة وصحة العراقيين، اسماء الاشخاص المتورطين، ولم يحدد الجهة المسؤولة عنهم. لهذا بقي الامر معوّماً.

 ورغم وجود قوانين حازمة لمكافحة المخدرات، الا ان الوجهة العامة للقوى الاسلامية المهيمنة على السلطة، هو في تقنين تنفيذها، والتغاضي عن ادخال المخدرات والمتاجرة فيها، لعدم وجود نص شرعي بتحريم تعاطيها، على خلاف تشددها مع استيراد الكحول وتناوله بسبب ما نصح به القرآن في احدى آياته "... فأجتنبوه! ". لاسيما وان الأفيون " الترياق " يأتينا، بالأساس، من جمهورية إيران الاسلامية التي تربطنا بها وشائج تاريخية وعقائدية وجوار جغرافي والى ما غير ذلك من مصالح واجندات مشتركة بين حكام البلدين.

ولا يمر يوم الا ويتم الاعلان في وسائل الاعلام عن اعتقال افراد ايرانيين يعبرون الحدود، بحوزتهم مواداً مخدرة متنوعة، لو جمعت كمياتها لأصبحت رقماً مرعباً، بعدما حولوا زيارة مراقد الأئمة ستاراً مقدساً لتمرير عمليات تهريب مأمونة لممنوعاتهم الى العراق، ولا يبدو هناك تصدياً رادعاً لهذه الظاهرة الخطيرة بسبب استمرارها.

  كما ان تحول العراق بعد 2003 من ممر آمن لتجارة المخدرات الى مكان لأنتاجها واستهلاكها، يشكل تحولاً خطيراً.

 فقد اشار رئيس اللجنة الامنية في البرلمان العراقي النائب حاكم الزاملي في احدى تصريحاته الى تورط جهات ميليشياوية بزراعتها في مناطق تخضع لحمايتها في محافظة الديوانية بالتحديد لتمويل احزابها.

مستوردو هذه السموم ومنتجوها زراعة او في المختبرات الكيمياوية، لا يمكن الا وصمهم بمنزوعي الوطنية والانسانية بسعيهم للكسب السريع ولتسليح ميليشياتهم على حساب صحة المواطن العراقي وأمنه، ولا احسب ان رميهم بنعت " منزوعي الوطنية " سيهز مشاعرهم او سيشكل لهم امراً مهيناً، وهم يتشابهون من حيث الاهداف مع عصابات طالبان والقاعدة وداعش في اخضاع المجتمعات لشرائعهم.

لابد من جانب آخر، الاشادة بالجهود المضنية التي تقوم بها اجهزة مكافحة المخدرات على صعيد اجهاض عمليات التهريب وكشف شبكات عصابات المتاجرة بها وتقديم افرادها الى القضاء، رغم اصطدام هذه المساعي بتعويقات جهات سياسية متعاملة مع المافيات، تقف معرقلاً لكل هذه الجهود، بفردها جناح الحماية على قادة هذه العصابات.

لا ارى من ضرورة للتذكير بمضار المخدرات الصحية والاجتماعية على حياة الفرد والمجتمع والتي تجعل من المواطن كائناً هامشياً فاقداً لأرادته، فهي معروفة، ولكنني اود ان اشير الى ان بعض سياسيينا قد اضافوا ضرراً جديداً لها وهو توظيف مواردها في العمل السياسي لأضفاء لمسات مافيوزية على الخارطة السياسية في البلاد برسمها بألوانهم المعتمة.

ونحن على ابواب إطلاق الحملة الانتخابية، يتوجب على كل القوى الخيرة سد الطريق على كل من يتعامل مع مافيات المخدرات ويستخدم موارد تجارتها في الكسب الدعائي والترويج الانتخابي لصالح مرشحيه وكتلته، وكشفه.

 مع تضمين برامجها الانتخابية حلولاً عملية لمكافحة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة.

عرض مقالات: