تتداخل مشاريع وتتصارع إرادات خشنة وناعمة للتعمية على العنوان الحقيقي لكل ما يحصل في عراق اليوم.

وتتوزع تلك المشاريع ما بين أربعة،  أولها مشروع المحارب للمدسوسيـــــات (الفساد ـ المحاصصة ـ الدكتاتورية ـ التدخلات الاجنبية ـ الفوضى) أي مشروع عنوانه المستقبل لعراق ديمقراطي وقوي معاً يستقوي بالوطن والمواطن لا عراقا متسلطا على شعبه يستقوي بالدكتاتورية البائدة، ولا عراقا ديمقراطيا هشا ومنخورا بالمحاصصة والفساد على الطريقة التي يتمسك بها مشروع الراهن السياسي الذي صنعته الكتل السياسية المتنفذة.

وذلك هو المشروع الثاني الذي يتأرجح بين الاستقواء بالإقليمي عند كتل سياسية متنفذة وبالدولي عند كتل سياسية متنفذة أخرى.

 أما المشروع الثالث فهو مشروع الحنين والعودة الى ماض ديكتاتوري بائد تبنته بقصد قوى ومجاميع سياسية عراقية من ازلام التوق الى الماضي التسلطي الدكتاتوري البائد ، كما تتبناه بجهل او بلا قصد قوى ومجاميع من داخل المشهد السياسي العراقي الراهن تحت غطاء الدعوة الى نظام رئاسي . ويبقى المشروع الرابع ( مشروع الاستثمار بالفوضى) الذي تتبناه عن بعد اسرائيل وترعاه الادارة الامريكية وتموله أطراف اقليمية خليجية لا يروق لها ان يكون العراق مستقرا وآمنا في ظل حكم ديمقراطي وقوي منشود . وبكل بساطة يشهد عراق اليوم ازمة ومأزقا.. أما الأزمة فأن بدايتها مجتمعية اقتصادية اجتماعية مطلبية وامتداداتها سياسية وحاصل تفاعل تلك البدايات والامتدادات ازمة بنيوية شاملة لمنظومة سياسية هشة تدير راهنا سياسيا محكوما بالمحاصصة والفساد . أما المأزق فأنه مأزق الكتل السياسية المتنفذة التي تتحمل مسؤولية الأوجاع التراكمية التي ادت الى غضب الشعب فأحتج طلباً لأبسط حقوقه وبالتظاهر والاحتجاج وقعت تلك الكتل السياسية المتنفذة في مأزق يفيد انها لم تعد قادرة على التسيّد على ما يجري كما لم تعد قادرة على التنصل عن مسؤولياتها بوصفها المتسبب في الاوجاع التراكمية.. وهكذا فقدت ملاذاتها الشعبية ولم يعد بيدها سوى التزام واحد لا غير الا وهو الالتزام بالاستجابة لمطالب المحتجين، وتلك الاستجابة تتجسد باتخاذها قرارات واتباعها سياسات وتبنيها برامج وسنها تشريعات تأكلها وتبتلعها وتلغيها وتزيحها عن المشهد السياسي المقبل. والبديل عنها وعن مشاريعها السياسية الراهنة المحشوة بالمحاصصة والفساد والمتثوبة بثوب الديمقراطية الهشة. وهو بديل لا يمكن ان يكون فوضوياً ولا مكوناتياً ولا تابعاً او مستقوياً بأجنبي اقليمي أو دولي. إنه بديل مدني لعراق قوي وديمقراطي إنه البديل الوطني الذي ينظر الى تنوعاته من بوابة العراق الواسعة ولا ينظر الى العراق من ثقوب مكوناته الجهوية القومية والطائفية الضيقة. أما الاحتجاج فلا نخشى منه بل نخشى عليه من المدسوسية ولكن على كل من اختار عنوان المدسوسية للاحتجاج الا يفرح لأن المدسوسية تتمثل في الفساد والفاسدين كما تتمثل في المحاصصة والمتحاصصين وتتمثل ايضا في من لا يريد حصر السلاح بيد الدولة وفي من يريد الاستثمار في الاستقرار والفوضى وفي من يريد العودة ويتوق الى الماضي التسلطي الدكتاتوري البائد. واخطر المدسوسين هم غير الديمقراطيين الذين يريدون زرع بذرة الديمقراطية لتصبح نبتة سامة .أما بديل المستقبل واصحابه المحتجين فهو بديل واضح لا يثير الغبار ولا يشتكي عدم الرؤية ومطالباته ... انتخابات حرة عادلة ـ إدارة انتخابات مستقلة مهنية نزيهة ـ تعديلات دستورية وازنة لدستور يحكم واضعيه دون ان يتحكم به واضعوه ـ محاكمة لقتلة ساحات الاحتجاج ـ توفير الارضية المناسبة لمكافحة ومنع الفساد واعادة اموال الشعب المنهوبة من الفاسدين ـ حصر السلاح بيد الدولة .أما الضمانات المطلوبة فأنها تتمثل في استمرار التظاهر السلمي شرطاً لمتابعة الاستجابة للمطالب اولاً ورعاية المرجعية ثانياً والتأكيد وعدم التفريط بهيبة الدولة لحماية المتظاهرين من قبل المؤسسات العسكرية والأمنية الوطنية العراقية.

ــــــــــــــــــــــ

"المدى" - 8/12/2019

عرض مقالات: