المقولة اعلاه لونستون تشرشل وكنت اعتقد انه قالها بسبب خسارة حزبه الانتخابات عام 1945 وهو العام الذي خرج فيه منتصرا من اكبر حرب كونية، الان ان ما قاله تشرشل يتفق تماماً مع ما جاء في نتائج الانتخابات وفقاً لطبيعة نظام الاغلبية المعمول به في بريطانيا، وربما على جميع النظم الانتخابية المطبقة لمختلف النماذج الديمقراطية، ففي تلك الانتخابات حصل العمال على ما يقارب أحد عشر مليوناً ونصف المليون من الأصوات وحصل المحافظون على تسعة ملايين صوت، وحصل الاحرار على مليون من الأصوات ومع ذلك فقد انتخب من العمال 390 نائباً ومن المحافظين 196 نائباً ومن الاحرار 31 نائباً ومن ذلك يظهر كيف يؤدي نظام الاغلبية الى ظلم الاحزاب الضعيفة وعدم حصولها على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي نالتها كما ان نظام الاغلبية يكرس الهيمنة الحزبية في حزبين احدهما في السلطة والآخر في المعارضة ولا يكون هنالك دور للأحزاب الصغيرة والمستقلين.

كما يوصف نظام الاغلبية بانه عدو المرأة إذ لم تستطع المرأة التنافس حتى في اكثر الدول ديمقراطيةً، ومن المعروف ان نظام الاغلبية يطبق مع دوائر متعددة كأن ان تكون احادية التمثيل او ثنائية التمثيل او نظام الكتلة، او الكتلة الحزبية، وقد طورته بعض الانظمة للتقليل من الاصوات المهدورة باشتراطها ان يحصل المرشح على 50في المائة+1 من الاصوات وهو ما يسمى بنظام الجولتين، ولكن في الوقت نفسه ينتج حكومات قوية ومستقرة اذ يقوم حزب واحد بتشكيلها بينما تتحد الاحزاب الاخرى في المعارضة وكان للأنظمة السياسية دور كبير في التلاعب بالتقسيمات واحجام الدوائر المتعددة خدمة لأحزابها وأيدولوجياتها، لغرض ابعاد المناوئين والمعارضين، حيث استطاع جيري حاكم ولاية ماساشيوتس 1812م من تقسيم الولاية الى (9) مناطق انتخابية كبيرة تضم كل منطقة (5) دوائر وقد اسهم ذلك في فوز الحزب الجمهوري في ثماني مناطق من هذه التسعة ونجح في إبعاد السود عن طريق تشتيت أصواتهم وإضعافهم وفقاً لهذا التقسيم ومنذ ذلك الوقت عرفت هذه الطريقة في الولايات المتحدة باسم جيرماندر.

وقد استخدمت الطريقة نفسها في فرنسا وفقاً لدستور عام 1958م إذ تم تقسيم فرنسا الى دوائر لم تراع فيها كثافة السكان في انتخابات مجلس الشيوخ وتقرر لقرى عدد من المقاعد يفوق أهميتها العددية على حساب المدن الكبيرة التي كانت غالبية سكانها من العمال الذين يميل أغلبهم إلى الأحزاب اليسارية المناهضة لحكومة ديغول، بعكس القرى التي يغلب فيها الاتجاه المحافظ كما طبقتها أكثر من مرة حكومة نابليون الثالث في فرنسا وما زال هذا النوع من التقسيم غير المتساوي موجوداً في فرنسا على صعيد الانتخابات الإدارية والمحلية.

وفي كينيا علم 1993م جرى تقسيم الدوائر بشكل متفاوت في أحجامها بين منطقة وأخرى مما أدى الى فوز الحزب الوطني الأفريقي الكيني على الرغم من أن نسبة التصويت كانت متدنية جداً إذ لم تزد عن 30في المائة. 

وقد أدرك القضاء ضرورة مراعاة التوازن في عملية تقسيم الدوائر بشكل يعكس قيمتها العددية، إذ قضت المحكمة الاتحادية العليا في الولايات المتحدة عام 1964م بعدم دستورية اي تقسيم لا يراعى فيه عدد السكان ضمن الدوائر الانتخابية.

جدلية النظام الانتخابي في العراق بين مقترح رئاسة الجمهورية ومقترح رئاسة الوزراء 

يكثر الحديث هذه الايام حول ضرورة تبني نظام الاغلبية مع الدوائر المتعددة على مستوى الاقضية وبعد الاطلاع على مشروع رئاسة الجمهورية والمعد من قبل المستشارين فيها اود ان أسجل الملاحظات الاتية: 

الدوائر الانتخابية: 

يلاحظ ان مشروع القانون اعتمد القضاء دائرة انتخابية واحدة وهناك مجموعة من الإشكاليات يجب حلها قبل اعتماد هذه الالية: -

أولاً: المشاكل الفنية 

  1. عدم الاتفاق على عدد الأقضية في العراق حيث ان وزارة التخطيط اعتمدت  120 قضاءً وهذا مثبت في الإحصائية التي يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط وهي نفس إعداد الاقضية لعام 2009  بينما تم استحدث 43 قضاء جديد من قبل الحكومات المحلية لم يتم اعتمادها حتى الان، وعليه يجب الاتفاق على الجهة التي تحدد عدد تلك الاقضية.
  2. ليس هناك احصاء سكاني دقيق لعدد السكان في كل قضاء ليتسنى من خلاله توزيع المقاعد حسب الدستور.
  3. الحدود الادارية لكل قضاء عامل مهم وأساسي في عملية اعتباره دائرة انتخابية والمسودة المقترحة للقانون لم تحدد الجهة التي  تحدد الاقضية وحدودها الادارية التي يمكن من خلالها اسقاط سجل الناخبين عليها بحيث يمكن معرفة مرجعية كل ناخب الى اي قضاء وذلك لوجود تداخل  لعدد كبير من المنتفعين بالبطاقة التموينية بين الاقضية وقد تحدثنا فيما سبق عن خطورة تقسيمات الدوائر بطريقة غير متماثلة وعادلة.
  4. توزيع مراكز الاقتراع و المنتشرة جغرافياً ضمن الحدود الإدارية داخل الاقضية والنواحي يتداخل  عدد كبير منها بين الأقضية و اذا ما تم اعتماد القضاء دائرة انتخابية في ظل الظروف الحالية سوف يشكل مشكلة كبيرة  في عائدية المراكز الى اي قضاء. 
  5. سجل الناخبين في المفوضية يعتمد على البطاقة التموينية وآخر تحديث تقوم به المفوضية قبيل كل حدث انتخابي وعليه فان سجل الناخبين ليس بالضرورة ان يكون موزعا بشكل متناظر على الاقضية وهذا ما أخر تنفيذ اجراء انتخابات الاقضية والنواحي  منذ عام 2005.
  6. ان اعتماد القضاء دائرة انتخابية يلغي عملية التصويت الخاص و تصويت العراقيين في الخارج  وذلك لعدم امكانية تصميم ورقة اقتراع على المستوى الوطني تحوي جميع الأقضية في البلد وينطبق الامر نفسه على تصويت المهجرين.
  7. لم تلحظ مسودة القانون ان عددا من الاقضية وهو عدد لا يستهان به لا يصل عدد السكان فيه الى 100 الف نسمة وبالتالي لابد من صيغة لتطبيق المبدأ الدستوري نائب لكل 100 الف نسمة وأيا كانت الحلول فستولد اشكالات ادارية وسياسية.
  8. لقد اصبحت مهمة اجراء انتخابات على مستوى الاقضية مهمة صعبة وليست مستحيلة لأنها تحتاج وقتا اطول ليس فقط لإعادة انتشار مراكز التسجيل والاقتراع وانما لإعادة طباعة وتحديث البطاقات البايومترية لأنها خالية من ذكر القضاء إذا علمنا ان المفوضية احتاجت أربع سنوات لإضافة المادة الحيوية من بصمات وصورة شخصية.

ثانيا: المشاكل سياسية

  1. عدم حسم عدد كبير من الاقضية بين اقليم كردستان والمحافظات المجاورة حسب المادة 140 (المناطق المتنازع عليها) ومسودة القانون لم تعالج هذه المشكلة المستعصية.  
  2. عدم حسم المشاكل الادارية بين المحافظات الوسط والجنوب حول عائدية كثير من الاقضية مثل (كربلاء والانبار) و(ديالى وعدد من المحافظات) و(الانبار و بغداد) و (ميسان وواسط)، لم تعالج مسودة القانون بصورة واضحة هذه المشكلة الكبيرة.
  3. عدم حسم المشاكل الادارية والفنية من قبل القانون ووضع تصورات عامه غير واضحة وغير حاسمة سوف تسبب خللا كبيرا تجعل من تنفيذ الانتخابات صعبة جداً.

النظام الانتخابي

  1. لم يبين مقترح القانون صيغة النظام الانتخابي فهو يقترح نظام الفائز الاول في دائرة متعدد المقاعد وهذا غير ممكن كون النظام الاقرب لتطبيق نظام الاغلبية في دائرة متعددة المقاعد هو نظام الكتلة و خلل في صياغة النظام من حيث يتحدث عن ترشيح فردي في دوائر 

ثالثا : الكوتا النسائية

لم تعالج مسودة القانون موضوع الكوتا للنساء بصورة واضحة ونقل نظام توزيع كوتا النساء من نظام بدوائر كبيرة متعدد المقاعد الى نظام دوائر صغيرة على مستوى القضاء وستظهر اشكالية كبيرة في ذلك من الصعوبة حلها.

ورقة الاقتراع 

هناك مشكلة تتعلق بتصميم ورقة الاقتراع وفقاً لتناقض المسودة التي تتحدث عن نظام فائز اول في دوائر متعددة تفترض من الاحزاب تقديم قوائم مرشحين والامر نفسه ينطبق على تصميم ورقة الاقتراع للمهجرين والقوات الامنية وتصويت الخارج والاشكالية تكمن في امرين الاول اثبات الناخب ان ينتمي الى قضاء محدد والامر الاخر هو يتطلب وجود 163 شكلا لورقة الاقتراع كل ورقة تمثل قضاءً محددا.

مشروع قانون انتخابات مجلس النواب المعد من قبل الحكومة:

تبنى هذا المشروع المحافظة دائرة انتخابية واحدة لأغراض اجراء انتخابات مجلس النواب واشترط تقسيم القاعد المخصصة للمحافظة الى نصفين 50في المائة منها يتم انتخاب مرشحيها حسب نظام الاغلبية او اعلى الاصوات اذ يفوز بالمقاعد من المرشحين ممن يحصلون على اعلى الاصوات بغض النظر عن القوائم ويبدو ان غرض المشرع من ذلك هو افساح فرص متكافئة للمرشحين في التنافس اخل بها النظام النسبي المطبق في الانتخابات السابقة حيث يحصل بعض المرشحين على اصوات اعلى بكثير من الفائزين في القوائم الاخرى ولكن قوائمهم لا تصل الى العتبة او القاسم الانتخابي 

كما اشترط مشروع القانون حذف اصوات الفائزين من القائمة بحيث لا يعاد احتسابها ضمن النصف الثاني اي 50في المائة من المقاعد الاخرى وسيؤدي ذلك بالنتيجة الى عزوف رؤساء الكتل عن الترشح لانهم سيكونون عبئا على قوائمهم وعلى سبيل المثال لو حصل (س) من المرشحين على  100 الف صوت فأنه سوف يحصل على مقعد واحد ولكن القائمة ستخسر تلك الاصوات 100 الف في حين انها قد تحصد مقاعد اكثر بهذه الاصوات اما الـ50في المائة الاخرى من المقاعد فيتم توزيعها حسب نظام التمثيل النسبي ووفقاً للقاسم الانتخابي عن طريق تقسيم عدد الاصوات الصحيحة في الدائرة على عدد المقاعد التي تمثل 50في المائة من مقاعد الدائرة وتمنح كل قائمة مقاعد بقدر ما تحصل عليه من القاسم الانتخابي وفي حالة وجود مقاعد شاغرة يتم توزيعها حسب طريقة فيكتور د.هوندت بقسمة اصوات القوائم الفائزة على 4،3،2،1......... بعدد المقاعد المتبقية  

كما منع المشرع الاشخاص الذين يتولون مناصب تنفيذية من الترشح مثل رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس النواب ونوابه ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء وكلاء والوزارات والمدراء العامين وكذلك اعضاء مجالس المحافظات والمحافظين ورؤساء المجالس ويبدو ان اتجاه المشرع منع أكبر قدر ممكن من الاشخاص المتنفذين في مراكز السلطة من الترشح خوفا من استخدام نفوذهم وسلطاتهم وموارد مواقعهم الوظيفية في الانتخابات المقبلة.

مشروع الحكومة لا يخلوا من بعض الاشكالات ولابد ان نشير الى بعض الملاحظات في مشروع الحكومة اهمها:

1- اعتمد المشروع نظام الصوت الواحد غير المتحول وهو أحد نظم الاغلبية ولكنه يستخدم مع الدوائر الصغيرة عادةً.

2- صعوبة تطبيق الكوتا وتوزيعها بين نوعي النظام الانتخابي الاغلبي والتمثيل النسبي. 

3- اعتمد طريقة فيكترو د. هوندت في توزيع المقاعد الشاغرة بينما تستخدم الطريقة عادة في توزيع المقاعد ابتداءً وكان من الافضل اعتماد طريقة الباقي الاقوى. 

وفي الختام ليس هنالك نظام انتخابي مثالي يستجيب لتطلعات الشعوب في العدالة في التمثيل وتكافؤ الفرص واي نظام انتخابي فيه من المزايا بقدر ما فيه من العيوب وان اختيار اي نظام انتخابي في اي دولة ديموقراطية تمليه الاحتياجات الخاصة بذلك النموذج وتختلف تلك الاحتياجات من دولة الى اخرى ومن شأن تلك الاحتياجات والضرورات ان تخل بعدالة النظام الانتخابي ومدى استجابته كآلية لتحقيق المفهوم التقليدي للديمقراطية لذا فأن الجدل حول طبيعة كل نظام انتخابي ومدى تحقيقه الإرادة الشعبية جدل لم ينته ولن ينتهي في رأيي اذ ما زال المتخصصون في حقول المعرفة الديمقراطية منهمكين في البحث عن النظام الانتخابي- الحلم .. ومع كل اختراع جديد لشكل من اشكال النظم الانتخابية تتعقد آليات الاقتراع والعمليات المرتبطة بها كالعد والفرز ومهمة الناخب ومهمة الجهة المنظمة للانتخابات كما تزداد الحاجة الى التقنيات الحديثة الباهظة الثمن.

عرض مقالات: