بالرغم من الايمان المطلق بالحراك الجماهيري ومطالبه إلا ان مجرد الزيارة لساحة التحرير تشكل دعماً كبيراً لهذا الحراك.

 ومن المشاهد المؤثرة في هذه الساحة التي أصبحت ممثلاً حقيقياً لكل العراقيين، حيث أن أول ما ينتابك عند الدخول وسط الجماهير الحماس المنقطع النظير وروح الألفة والمحبة لدى الجميع شباباً وشيوخاً نساءً ورجالاً. وحتى الأطفال الذين يتبركون بحملهم علم العراق الذي أصبح الرمز المطلق والموحد للجميع معبراً عن تضامنهم ووحدتهم.

 ومن بين المشاهدات المؤثرة عملية توفير الطعام الذي يكفي ويفيض عن حاجة الجماهير سواءً عن طريق السيارات التي تؤمّن كميات كبيرة جداً يقدمها الشباب والرجال، أو من خلال مبادرات فردية. كما أن من المشاهد المؤثرة ان تجد أعداداً من الشباب والشابات بعمر الورود وقد ارتدوا الكفوف ويحملون في أيديهم أكياس النفايات حيث يلتقطون بقايا الطعام والقناني الفارغة لغرض تجميعها ونقلها إلى مراكز تجميع هذه النفايات لنقلها خارج الساحة.

وتجد شباباً آخرين يقومون بتنظيف الشوارع والساحات التي تبقى في أبهى حالة رغم الزحام الشديد مما يؤكد حضارية و وعي هؤلاء الشباب .

ومن بين أبرز ما يلفت النظر روح الألفة والمحبة بين الجميع بحيث تشعر أن الجميع ينتمون لعائلة واحدة. كما تلاحظ بوضوح وجود أشخاص قادمين من جميع المحافظات للمشاركة الفاعلة في الحراك الجماهيري أو لمجرد التواجد في الساحة، بحيث أصبحت هذه الساحة تشكل رمزاً وأيقونة لجميع العراقيين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم القومية والدينية .

ومما يلفت النظر عند التجول في أرجاء ساحة التحرير ان هناك العديد من الشباب الذين يدل مظهرهم ولباسهم على أنهم شباب أشداء مستعدون لتقديم كل شيء للوطن بما فيها أرواحهم الغالية، وهم يتنقلون بين أرجاء الساحة. وتشعر أن هؤلاء دخلوا الساحة منذ اليوم الأول للتظاهر ولم يغادروا، بحيث أصبحت الساحة مسكنهم ووطنهم حيث يقوم هؤلاء بالتنقل بين جميع المواقع لتلبية أية حاجة مطلوبة بما يعزز المعنويات .

ومن بين أبرز معالم ساحة الاحتجاج في التحرير برج التحرير وهو ما يسمى بالمطعم التركي الذي يطل عليك منذ دخولك الساحة في مختلف الاتجاهات، وهو نهاراً مزين باللافتات التي تتضمن الشعارات الاساسية للاحتجاجات وعند هطول الظلام يتلألأ بمصابيح المتظاهرين.

 وقد اخذت رمزية هذا البرج الذي يشكل اعلى مبنى في محيط ساحة التحرير لتطلق تسمية على بنايات مجاورة لساحات الاحتجاج في محافظات ذي قار وكربلاء والقادم اكثر، وقد غصّ المبنى في جميع طوابقه بالمتظاهرين الذين كانوا يتناوبون على ارتقائه من وقت لآخر ليبقى عامراً بهم .

ومن المشاهد المميزة في الساحة وجود عوائل بكافة أفرادها تضم الأب والأم والأطفال يجولون تحت راية علم العراق في أرجاء الساحة وهم يبعثون رسالة عن تضامن العائلة العراقية بجميع أفرادها مع هذا الحراك الجماهيري .

ومن المشاهد التي تهز المشاعر دخول مجاميع من أبناء العشائر وهم يحملون الرايات وسط جماهير الساحة مرددين الأهازيج الوطنية، اضافة إلى مجاميع الشباب الذين تنقلهم إلى داخل الساحة سيارات النقل وهي تحملهم مع رايات العراق بأهازيجهم الوطنية المؤثرة الداعمة للحراك الجماهيري .

وهناك داخل الساحة بكل امتداداتها الخيام التي تم نصبها من قبل مختلف الأطراف كالنقابات والجمعيات والعشائر إضافة للخيام التي نصبت لتوفير الدعم اللوجستي للحراك الجماهيري. ومن بينها الخيام الخاصة بتقديم الخدمات الطبية للمتظاهرين ولجميع الحالات ومن أبرزها تقديم الإسعافات الأولية للمصابين.

 ولا ننسى عربات ( التك تك ) التي تشاهدها منذ دخولك إلى الساحة، وهي تنتقل بكل رشاقة داخل الساحة كأنها حمامات السلام لتقديم أي خدمة يحتاجها المشاركون في الحراك الجماهيري، يقودها شباب في عمر الورود يعتلي وجوههم الفخر والاعتزاز والمحبة لتقديم أي خدمة تنشأ الحاجة لها بدءاً من نقل المصابين إلى مراكز الاسعاف أو إلى سيارات الإسعاف أو نقل المواطنين من وإلى الساحة مجاناً، رغم أن جميع أصحاب هذه العربات هم من ذوي الدخل المحدود الذين يجاهدون من أجل توفير لقمة العيش وبكل ود و محبة.

ومن المشاهد الاخرى في الساحة الخيام الخاصة بالإسعافات الأولية حيث تجمع فيها ذوو المهن الطبية و الصحية رجالاً ونساءً، وهم يرتدون السترات البيضاء كرموز للسلام والمحبة، ليقدموا كل خدمة ممكنة، ونشاهد المستلزمات الطبية التي تقوم لها الحاجة في عمليات الإسعاف مكدسة داخل هذه الخيام.

 كل ذلك يتم تقديمه بشكل تطوعي من قبل جماهير العراقيين بمختلف طوائفهم ومللهم ففي هذه الساحة تجد تجسيداً حياً تجاوز حالات المحاصصة الطائفية مقابل الوجود الفاعل للعراق ممثلاً بجميع أبنائه البررة .

وفي الختام فأني أدعو كل عراقي لزيارة ساحة التحرير كي يتلمس بوضوح وبهمة المشاعر الحقيقية ماذا يعني العراق وطن الجميع .

عرض مقالات: