ضمن تخمة الاراء والتصريحات والاخبار، والتحليلات، بل وحتى الأشاعات، وغيرها، بشأن الحراك الشعبي القائم في العراق، تأتي هذه المساهمة الجديدة، المتفائلة – المتشائلة، والمتسائلة.. لتضيف كماً آخر لما سبق ان نشرته خلال الايام والاسابيع القليلة الماضية بشأن ما دار ويدور من احداث ووقائع ملتهبة في غالب البلاد العراقية، والجزء العربي منها بشكل رئيس..
ولكي نقطع حبل الجدل – كما اللغو- غير الضروريين، حول ما جرى، ويستمر بشكل متزايد منذ مطلع تشرين الاول 2019 دعونا نؤكد بأن ما من عراقي مخلص في حبه لبلاده وشعبه لا يقف مع كل الفعاليات المناهضة لسلطات واجهزة وشخصيات القمع والفساد، والطائفية، والمناطقية.. كما ليس هناك من عراقي نزيه مخلص، لا يقف ضد العسف والقتل والدماء، وولو بأوسط الايمان، وأضعفه على الاقل، ونعني بلسانه وقلبه ..
وفي محاولة للأبتعاد جهد الممكن عن العاطفة والتمنيات، والطموحات، ومحاولة أعتماد الواقعية، ولو انها لم ولن تعجب البعض، نسجل ادناه تساؤلات وجدالات في وجهات نظر متفائلة، ومتشائلة، كما توقعات واستنتاجات، برغم ما قد يفسره احد هنا وآخر هناك بغير صواب، عمدا أو مغالطة وما بينهما.. وكل ذلك على طريق ما هو معروف وشائع: أن صديقك، ومحبّك الحقيقي هو من صارحك القول وصدقكّ، وليس من صدّقـك مجاملة دون وعي، او بأدراك محدود، وثمة هوة واسعة بين الاوعية والحريض كما اظن ..
** وأول ما يرد للذهن هو ذلكم الجدال حول الآفاق المتوقعة والمرتجاة، مما جرى ويجري، وهل ستكون النتائج على غرار نجاحات احتجاجات وتغيرات تونس ومصر والسودان، أو مشابهة لما آلت اليه الاوضاع المأساوية في ليبيا وسوريا واليمن ؟!. ولعل الانتباه لذلك منذ الان شأن اكثر من ضروري.
** وثاني ما هو مهم هو مدى امكانية استمرار الاحتجاجات والهبة الشعبية بالشكل الذي انطلقت منه - اي العفوية كما هو شائع.. وإذا ما كان ذلك واقعا مقبولاً، فهل يمكن – موضوعيا- ان تستمر الهبة دون تحديد المسارات والاهداف، والأدارات ؟!.. وماهو دور التنظيمات والشخصيات السياسية والنقابية والمهنية، المخلصة طيعا، ومسؤولياتها التاريخية الوطنية؟ .. ولمَ لم تنسق في ما بينها، حتى الان على الاقل ؟.
** اما ثالث ما نشارك في التساؤل حوله، وبهدف التوعية وليس الدعوة للأحباط والاستسلام، هو هل من الممكن حقا ان يبقى التوحد، الراهن، سائدا بين المنتفضين انفسهم؟ وهل ان هناك قواسم حقيقية مشتركة، وثابتة، في ما يطالبون به؟!.. وان كان الامر هكذا فكيف نفسر – مثلاً- تشدد قسم من – وليس كل- المنتفضين للعبور الى المنطقة الخضراء، حيث المؤسسات الدستورية والحكومية، فيما يعارض قسم آخر ذلك الامر؟. ومن كان أذن وراء اللاسلمية ونعني تخريب حرق مؤسسات حكومية، ومقرات سياسية وغيرها؟... مع التأكيد مجددا ومرة اخرى واخرى على ادانة كل العنف السلطوي، الذي وصل الى ان يكون هناك نحو 250 شهيدا وضحية، والالاف من الاصابات الجدية والبسيطة ..
** ورابع ماهو قيّد الجدل الحريص وغيره، ولو بصوت منخفض: هل ان كل المشاركين في الهبة ومؤيديها، وداعميها، حقيقيون في تلك المشاركة والاسناد والتأييد؟!.. ولو كان الامر كذلك فمن هم الفاسدون والطائفيون والقاتلون أذن؟!.. ثم ماهي التفسيرات الممكنة لمواقف قنوات تلفزيونية بعينها مع المنتفضين، واخرى ضدهم بشكل أو آخر؟.. وكيف تجتمع وجوه وقيادات وشخصيات متناقضة في المسؤليات والقناعات والارادات، ومنهم منتفعون ومرفهون، معروفون وغيرهم، في تأييد المنتفضين البواسل، وبحماسة لافتة في بعض الاحيان، وملوكية اكثر من الملك نفسه؟.
** ثم نصل الى تساؤل خامس وهو حول مدى سهولة ان يتخلى المتسيّدون واصحاب السلطات، ومؤيدوهم وانصارهم، عن امتيازاتهم، ومصالحهم ومواقفهم وقناعاتهم؟!.. وهل ستبقى الجماهير المنتفضة تدفع الثمن امام اولئك: ضحايا وشهداء وجرحى ؟!. وهل هناك تكافؤ في الامكانيات والقوى؟!.. ثم : أو ليس من المهم، بل الاهم، التحذير من التحولات الى اقتتال داخلى؟ وهل يمكن تحقيق المرتجى دون الأخذ بعين الحساب: القوى الاقليمية والدولية؟...
** اما سادس ما نراه ضروريا للحوار بصدده فيتعلق بحقيقة ما يُطرح بأن العراق وشعبه بات موحدا اليوم، وكأن عقود الانقسام الطبقي والطائفي والمذهبي والمناطقي، التي ترسخت – او جُهدَ لترسيخها- كانت هشة بحيث ان هبة شعبية، سريعة -عفوية كما هو مشاع- حلّت كل التعقيدات والاسباب والرواسخ التي وقفت – وتقف – وراء ذلك الانقسام، الافقي والعمودي الذي يمتد (عريقا!) لعقود وعقود مديدة..
** والسابع في هذه التساؤلات، ويرتبط بالفقرة السابقة: هو هل ان الاحتجاجات باتت عراقية شاملة فعلا؟ وبماذا يمكن ان نجيب عن اتساع الحراك الشعبي في محافظات الوسط والجنوب وحسب؟!. وهل تكفي الاجابات المعروفة التي توالت بهذا الصدد؟!.. وهل يمكن تجاهل ما يعنيه ذلك؟.. وهل يمكن ان لا يُحسب ذلك جيدا، ويُخذ بعين الانتباه؟.
** كما يحلّ أوان ثامن محاور الجدل ونعني به : أما ينبغي ان يعرف المنتفضون البواسل وهم يقدمون قرابين التضحيات دماء غالية، ماذا بعد سقوط او اسقاط الحكومة الراهنة، دون خطوات لاحقة محددة بشل مناسب على الاقل ؟. وكم هي اثمان التداعيات المحتملة بسبب ذلك؟ .. وهل ستتحقق الاهداف الاصلاحية النبيلة، المشروعة بالعيش الكريم والمساواة، باطلاق الصيحات والنواح والشعارات والهتافات والقصائد والاسناد اللفظي، بعيدا عن الميدان؟.
وهكذا تستمر بل وتتضاعف محاور الجدل والاجتهاد، وكلها – وسواء حريصة كانت ام مدعاة- تستقطب اهتماما هنا، وآخر هناك، بين التفاؤل والتشاؤل ، والتساؤل، ويغيب حتى اللحظة على الاقل صوت حكماء، وعقلاء الشعب، شيوخا وغيرهم، من الذين لم يشتركوا في حسابات الارباح والخسائر، ولا المناكفات والمناقصات السياسية، الحاكمة أو الموجهة.. بل والأشد ايلاماً ان اولئك الحكماء مبعدون وليس مبتعدين وحسب. خائفين أو مترفعين او منتظرين، لربما لأسباب اخرى هم أدرى بها من غيرهم ..
اخيرا ندري مسبقا بأن قسما - كبرّ أو قلّ – مما تقدم لن يرضي الكثيرين، ومؤكد بأن سيراه البعض دعوة للأحباط، او اليأس، او الدوران حول الاحداث وليس في صميمها كما هو مطلوب.. ونردّ احترازا فنجدد القول ونعيد: ليس بالتمنيات والهتافات والتضحيات وحدها تتحقق الاهداف المطلوبة والخيرة المرتجاة، بل الأهم من كل هذا وذلك هو تقييم الامور بواقعية وموضوعية مناسبتين بعيدا عن الانفعالات التي قد تكلف المزيد من التضحيات العزيزة الغالية .. والاكثر ايلاماَ هو ان تكون دون نتائج على الواقع الوطني والسياسي !!.