يبدأ الفساد من الموازنة العامة للدولة حيث ان الموازنة عبارة عن بيان تفصيلي يوضح تقديرات إيرادات الدولة ومصروفاتها معبرا عن ذلك في صورة وحدات نقدية تعكس في مضمونها خطة الدولة لسنة مالية مقبلة. وهذا البيان يتم اعتماده من قبل السلطة التشريعية بالدولة. وفي الموازنة العامة تترجم الحكومة سياستها الاقتصادية والاجتماعية إلى أهداف سنوية رقمية وليست مجرد برنامج عمل خاص بوزارة المالية يبين الكفاءة في إدارة الأموال وحسب، ولا تتقرر فعالية الموازنة بذاتها فقط بل ترتبط بأدوات التخطيط المالي الأخرى كسياسة التسليف وسياسة النقد الأجنبي وتقاس بالنتائج الاقتصادية الاجتماعية وليس بالنتائج المالية فقط.
ومن هذا نستنتج:

1. ميزانية الدولة عبارة عن بيان بإيرادات الدولة ومصروفاتها.
2.
ميزانية الدولة تقديرية وليست فعلية.
3.
تتعلق بفترة مالية محددة تكون عادة سنة.
3.
تكون معتمدة من قبل السلطة التشريعية.

الموازنة العامة في العراق:

يعتبر إقرار قانون الموازنة العامة في العراق من أهم وظائف ومهمات السلطة التشريعية وتعتبر الموازنة المحرك الرئيس للاقتصاد العراقي وتتأثر بها سائر الأنشطة الاقتصادية ولها مساس مباشر في الأحوال المعيشية لكل اسرة عراقية. أن الاقتصاد العراقي يعاني قصور الإيرادات وزيادة النفقات العامة، ويظهر ذلك في العجز المتواصل في الموازنة العامة ولغاية موازنة 2019. وسيستمر العجز في الموازنات القادمة طالما بقيت نفس السياسة المعتمدة من قبل الدولة.
إن إيرادات الموازنة العامة تغطى معظمها من الإيرادات النفطية حيث يعتبر النفط الخام المصدر الرئيس لتمويل موازنة الدولة وقد استسهلت الدولة ذلك دون أن تكلف نفسها بتصنيع النفط الخام وتحويله إلى منتجات نفطية تسد حاجتنا المحلية وتصدير الفائض إلى الأسواق العالمية حيث أن أسعار المنتجات النفطية أعلى بكثير من أسعار النفط الخام وقد أدت سياسة الدولة هذه باعتمادها على اقتصاد وحيد الجانب إلى اضمحلال دور الموارد المالية الأخرى كالضرائب والرسوم وذلك لعدم كفاءة الأجهزة المكلفة بتقدير وجباية هذه الضرائب إضافة إلى انتشار الرشوة والفساد في تلك الأجهزة.
أما النفقات العامة في الموازنة فيلاحظ أن الإنفاق الحكومي قد ازداد بشكل كبير وتوجه منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي الى الدفاع والأمن الداخلي مع تراجع الإنفاق على خدمات التربية والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والصناعة والزراعة والسياحة والتعدين وغيرها من القطاعات الانتاجية المهمة. اذاً يغلب طابع اختلال الهيكلية على الموازنة العامة للدولة حيث الارتفاع المتواصل بمستويات العجز الناشئ عن التفوق المستمر للنفقات العامة عن الايرادات العامة لعدم قدرة الدولة على ترشيد الانفاق العام لاعتبارات اجتماعية ولعجزها عن تنويع مصادر الايرادات من خلال زيادة القاعدة الضريبية والحد من حالات التهرب الضريبي. ويلاحظ بان العجز في الموازنة العامة قد اتخذ طابع الاستمرارية.
لقد اعتمدت الموازنة في شأن المرجعيات والأسس على توجيهات صندوق النقد الدولي ويعتبر هذا التدخل تدخلا في شأن سيادي بامتياز حيث تم السماح لصندوق النقد الدولي بتدخله بالانتقاص من سيادتنا في رسم سياستنا المالية وتوجهاتنا الاقتصادية، وان دور صندوق النقد الدولي قد تحقق بمحض رغبة واختيار الجانب العراقي لأنه جاء بأعقاب توجه العراق الى الاقتراض من الصندوق لتغطية عجز تخطيطي في الموازنة، علما ان لدى صندوق النقد الدولي وصفات جاهزة يفرضها على الدول المقترضة والتي تمس سيادة هذه الدول. كما لم تتوفر لمجلس النواب العراقي الحسابات الختامية للموازنة قبل البدء بمناقشة مشروع قانون الموازنة. فمنذ سنوات والنقاشات تتمحور حول أرقام وتقديرات تخطيطية وليست فعلية وبالتالي يغيب عن أعضاء مجلس النواب ما انفق فعلا من التخصيصات وما تحقق بالملموس من مشاريع ومنجزات مقابل هذا الإنفاق الفعلي، فلتوفر هذه المعلومات أهمية كبيرة في تقدير القدرات التنفيذية الحقيقية للوزارات والحكومات المحلية والهيئات المستقلة ومن ثم التعامل بشكل أكثر دقة مع التخصيصات المقترحة والعجز المحتمل فضلا عن التعرف بملموسية على آثار ونتائج الإنفاق الاقتصادية والاجتماعية.
كان لصندوق النقد الدولي ملاحظاته وضغوطه باتجاه تقليص العجز وخفض تخصيصات مشاريع اخرى وخفض تخصيصات الرواتب والاجور والتعويضات ورفع اسعار الوقود والغاء البطاقة التموينية والاعانات لأجل زيادة حصة الموازنة الاستثمارية.
يلاحظ في عملية إعداد الموازنة غياب الرؤية والوضوح في الاستراتيجية الاقتصادية التنموية التي يفترض أن توفر إطارا ومرجعية مرشدة للموازنة العامة باعتبارها أداة رئيسة للسياسة الاقتصادية وتعبيرا مكثفا عن أولويات الأهداف والمضامين الاقتصادية الاجتماعية لبرنامج عمل الحكومة.

الموازنة العامة والحسابات الختامية

لكي تؤدي الموازنة العامة مهماتها وتقوم بوظيفتها، لابد ان يجري اعدادها في سياق نهج استراتيجي وسياسة اقتصادية _اجتماعية واضحة، توضح موارد الدولة والقطاعات المختلفة كافة لتطوير البلد، وضمان الرفاه للشعب ولتأسيس اقتصاد يتصف بالدينامية والنمو المتوازن والدائم. كما لابد ان يجري ربط التخطيط والمشاريع في القطاعات والوزارات مع الاولويات الوطنية مما يتطلب التنسيق بين الجهات ذات العلاقة كافة. ومن الملاحظ ان مشروع الموازنة السنوية الذي يقدم كل عام منذ التغيير في 2003 والى اليوم لا ترافقه حسابات ختامية وتقويم شامل لموازنة السنة السابقة، وللمبالغ التي خصصت للإنفاق في اطارها ومدى الانفاق الفعلي وللإنجازات والاخفاقات والمبالغ المدورة ولأرصدة العراق الاحتياطية في الداخل والخارج وغير ذلك.
مازالت النفقات التشغيلية تحظى بالتخصيصات الاكبر في الموازنة العامة للدولة، وقد مثلت في المتوسط ما يزيد على 73 في المائة من اجمالي النفقات العامة خلال 2007_2010. اما التخصيصات الاستثمارية فقد تراوحت بين 24,5 في المائة و28 في المائة من اجمالي النفقات العامة خلال الفترة ذاتها وبمتوسط سنوي قدره 25 في المائة، وهذه النسبة بعيدة عن البنى التحتية المدمرة والمتهالكة والغائبة. ولتوفير الخدمات الاساسية واطلاق النشاطات الانتاجية لمختلف القطاعات الاقتصادية وتحفيز النمو الاقتصادي من اجل خلق فرص عمل وتقليص معدلات البطالة والفقر المرتفعة.
تتسم أسس واليات اعتماد الأسعار التخمينية للنفط وكمية النفط المصدرة في الموازنة بدرجة غير قليلة من الارتجال والاعتباطية، كما يجري التصرف بجزء من موارد الموازنة بعيدا عن رقابة مجلس النواب.
في موازنة 2011 اعتمد سعر افتراضي للبرميل الواحد من النفط الخام قدره (76,5) دولار وحجم تصدير (2,2) مليون برميل يوميا، في حين تجاوزت أسعار البيع 104 دولارات للبرميل فبلغ اجمالي الايرادات النفطية لعام 2011 حوالي 83 مليار دولار اي ما يعادل حوالي 99 تريليون دينار وهذا يزيد 18 تريليون دينار على تخمينات الموازنة لذلك العام. والجدير بالذكر ان المبالغ المتأتية من فروقات اسعار النفط الخام المصدر مازالت تفتقد اليات محددة للتعامل معها فهي إيرادات خارج الموازنة، كما هو الحال مع الـ 18 تريليون دينار من الفوائض التي تراكمت لدى وزارة المالية سنة 2011 وكما هو حال الموازنات اللاحقة لغاية 2019. وعمليا تقوم الوزارة بتخصيصها دون موافقة او رقابة برلمانيتين. وهذه ثغرة تتوجب معالجتها، خصوصا من قبل السلطة التشريعية. ونتيجة لغياب الرؤية الاستراتيجية الاقتصادية والتنموية التي تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية، ولضعف الاهتمام بالأنشطة الانتاجية الوطنية، كما لم يحظ قطاعا الزراعة والصناعة الا بحصة ضئيلة من التخصيصات في الموازنات العامة. اذ لم تتجاوز هذه الحصة 2_3 في المائة من النفقات العامة بالنسبة للزراعة واقل من 1,5 في المائة للصناعة، كما انعكس ذلك في ضآلة تخصيصات الموازنة الاستثمارية، بينما حظيت القوات المسلحة بالحصة الاكبر من التخصيصات، ففي موازنة 2011 شكلت تخصيصات وزارتي الدفاع والداخلية والمؤسسات الامنية الاخرى ما يزيد على 15 في المائة من مجموع التخصيصات، في حين بلغت تخصيصات وزارتي التربية والتعليم العالي 9,5 في المائة ووزارة الصحة 6,5 في المائة اي ان المخصص لأغراض الدفاع والامن يكاد يعادل تخصيصات وزارات التربية والتعليم العالي والصحة مجتمعة ويساوي 75 ضعف تخصيصات وزارة الثقافة التي لم تزد على 0,02 في المائة، ويلاحظ ايضا تزايد الانفاق على الامن والدفاع يصاحبه التضخم المستمر في اعداد منتسبي الاجهزة الامنية والعسكرية التي مازالت غير قادرة على فرض سيطرتها الامنية وتأمين حياة الناس رغم التخصيصات الكبيرة المخصصة لها.
تعادل موازنة العراق موازنة مصر والاردن وسورية وفلسطين ولبنان، ونفوس هذه الدول اكثر من 100 مليون نسمة بينما نفوس العراق بحدود 38 مليون نسمة، غير ان مستوى المعيشة في هذه البلدان افضل من مستوى المعيشة في العراق، فما السبب في ذلك؟ انه الفساد الذي تحول الى ثقافة.
بعد سقوط النظام المقبور في عام 2003 كانت اوضاع العراق كارثية حيث تم تدمير البنى التحتية وانتشار الفقر والبطالة الا ان النظام الجديد لم يعتمد سياسة الترشيد وشد الاحزمة وتوجيه معظم الموارد المالية المتاحة الى المشاريع لخلق فرص عمل وتوفير مداخيل للناس وتوفير الخدمات الاساسية اذ ان اصحاب القرار لم يفعلوا ذلك بل ان الموضوع الوحيد الذي لم يأخذ من مجلس الحكم نقاشا طويلا واتخذوا قرارهم بصدده خلال 5 دقائق فقط هو تحديد رواتبهم وكما فعل لاحقا مجلس النواب في تثبيت الامتيازات لأعضائه رغم عدم التزامهم بالدوام والتغيب المستمر عن جلسات المجلس. وبدلا من أن يوجه المسؤولون 70 في المائة من تخصيصات الموازنات للمشاريع و30 في المائة يخصصونها للنفقات التشغيلية او جعلها مناصفة، فقد كانت الموازنات السنوية يذهب منها 70 في المائة للنفقات التشغيلية و30 في المائة للاستثمارية، وأية استثمارية؟ جلها مقرات للجيش والشرطة وأرصفة الشوارع ورواتب الحمايات للرئاسات الثلاث ونفقات إيفاد كبار المسؤولين والبرلمانيين حيث يتخم بها المشار اليهم وعامة الشعب يقض مضاجعهم الفقر وانعدام الخدمات والبطالة وأزمة السكن والمستوى المعيشي المنخفض، في حين لو تم التركيز على المشاريع فإنها هي التي تخلق فرص العمل ومداخيل للناس وهي السبيل لمعالجة الفقر والبطالة والجهل والمرض وأزمة السكن وغيرها، وعليه فان استمرار هيكلة الموازنات السنوية بهذه الصورة في العراق يعتبر فساداً وفسادا كبيرا بامتياز.
هذا من حيث تخصيصات الموازنة، أما من حيث التنفيذ فحدث ولا حرج فما بعد 2003 لم تنجز كثير من المشاريع كمشاريع المجاري والمستشفيات والمدارس وغيرها فالعقود تتم إحالتها بمدد انجاز تتراوح بين سنة ونصف وسنتين ولكن تمر 7 سنين ويصل الانجاز فيها الى نسبة 40 في المائة، فماذا يعني ذلك؟ انه الفساد الكبير.
بما ان الموازنات السنوية يفترض فيها أن تتعلق بغذاء الشعب ودوائه وكهربائه وسكنه وفرص عمله...الخ لذلك ينبغي أن تكون خارج المناكدات الحزبية والخلافات السياسية، لا أن تخضع للمساومات التي تحصل في موسم مناقشة الموازنة والابتزاز السياسي وارتهان إقرارها بتمرير قوانين أخرى تصب في مصلحة هذا الطرف السياسي أو ذاك على حساب قوت الشعب العراقي. أليس هذا فسادا.
في عام 2006 بلغت تخصيصات مجلس النواب (92) مليار دينار عراقي في حين كان المخصص لوزارة الزراعة في تلك السنة (57) مليار دينار يعني النصف تقريبا، فهل يجوز أن تخصص للزراعة التي توفر سلة غذاء الشعب ومادته الأولية الصناعية نصف ما نخصصه لأعضاء مجلس النواب؟ ونبقى نستورد الطماطم والبطاطا والخيار والمواد الغذائية الأخرى من دول الجوار.
وفي عام 2006 أيضا تم تخصيص (22) مليار دينار للصناعة يعني خمس المخصص لمجلس النواب ولكن تم قتل الصناعة العراقية والاعتماد على استيراد كل شيء. أليس في ذلك فسادا.
أما المخصص لوزارة الخارجية في عام 2006 فكان (133) مليار دينار، يعني ما يزيد على 6 أمثال المخصص لوزارة الصناعة في الوقت الذي لا يوجد لدينا مياه صالحة للشرب في كثير من مناطق العراق، ويعيش أعداد كبيرة من أبناء شعبنا تحت خط الفقر في دولة تعتبر من الدول الغنية في العالم فيما تمتلكه من ثروات.
وفي عام 2006 كان عدد أعضاء مجلس النواب (275) نائبا خصص لهم (92) مليار دينار بينما في عام 2011 بلغ عددهم (325) نائبا خصص لهم (290) مليار دينار يعني زادت التخصيصات 4 أضعاف.
أما تخصيصات رئاسة الوزراء فقد ارتفعت من 134 مليار دينار عام 2006 الى 566 مليار دينار عام 2011 يعني 4 أضعاف. بينما ارتفعت تخصيصات وزارة الخارجية من 133 مليار دينار عام 2006 الى 840 مليار دينار عام 2011 يعني زيادة 5 أضعاف ونصف، فما الذي فعلته وتفعله وزارة الخارجية لكي يخصص لها هذا المبلغ الكبير وتحرم الزراعة والصناعة منه؟ ويبقى شعبنا يعيش تحت خط الفقر ويعاني الازمات.
أما موازنة عام 2012 فبلغت تخصيصاتها 117 ألف مليار دينار أي (100) مليار دولار وقد وصفت بالانفجارية!!! ولكن هل انفجرت على مشاريع في القطاع الزراعي والصناعي والإسكان كي توفر فرص عمل للناس فتنخفض معدلات الفقر في العراق؟! والذي حصل أن انفجارها كان في النفقات التشغيلية والتي استحوذت على 80 ألف مليار دينار في حين كانت تخصيصات الاستثمارية 37 ألف مليار دينار.
موازنة 2012 تم احتسابها على أساس أن سعر برميل النفط 85 دولارا ولكن النفط العراقي تم بيعه فعلا بسعر 105 دولارات للبرميل بمعنى أن إيرادات الموازنة خلال عام 2012 لن تكون 100 مليار دولار وإنما 124 مليار دولار، فأين ذهب الفرق في السعر (24) مليار دولار؟ وهل تم تقديم كشف بالحسابات الختامية؟
كما يظهر الفساد أيضا في التعيينات بالوظائف الحكومية حيث لا تتم من خلال المنافسة الشريفة والنزيهة بين أبناء الشعب العراقي على أساس المقدرة والنزاهة والمؤهلات ووفق معيار واحد الا وهو المواطنة ولكن الذي يحصل بخلاف ذلك وفقا للمحاصصة سيئة الصيت أو رشى لأغراض الانتخابات أو تباع لقاء الدولارات، وكم من مرة قدم فيها بعض أعضاء مجلس النواب طلبات باسمهم لتعيين أقربائهم ومعارفهم إلى الوزارات مغيرين بذلك مهامهم وواجباتهم من العمل الرقابي والتشريعي إلى الوساطة والتدخل في التعيينات لأقربائهم! أليس في ذلك فسادا اسودا؟!

أسباب ضآلة ما تحقق مقابل تخصيصات الموازنات العامة

من أهم أسباب ضآلة ما تحقق مقابل تخصيصات الموازنات العامة المتعاقبة، المستوى المنخفض لنسب تنفيذ المشاريع الاستثمارية على صعيد الوزارات وفي المحافظات، ما يحول دون انجاز المشاريع المخطط لها في وقتها المحدد والإقدام أحيانا على إلغاء بعض المشاريع، وما يسببه ذلك من هدر في المال العام. ويرجع بعض أسباب هذه الظاهرة الى ضعف كفاءة الاجهزة التنفيذية الناجم عن ترهلها وعن اعتماد المحاصصة والمنسوبية واستشراء الفساد فيما تعود اسباب اخرى الى تخلف اساليب ونظم الادارة وقلة الكوادر الفنية المؤهلة لإدارة المشاريع. اضافة الى الروتين والقوانين المعرقلة والفساد الاداري والمالي. وتقتضي اية معالجة فعالة تهدف الى رفع نسب تنفيذ الموازنة ونوعية وكفاءة الانجاز إجراء إصلاح عميق في أسس ونظم وقواعد إعداد الموازنة، والاطر الادارية والفنية لتنفيذ المشاريع، ويكمن مصدر رئيس لمشاكل الموازنة العامة في كون اعدادها يتم على اساس تخصيصات سنوية لمشاريع منفردة كثيرا ما تكون مرتجلة، ومن جانب اخر يعطي العدد الكبير من المشاريع صورة اقتصادية عامة مشتتة. ويضاعف من صعوبات الادارة والمتابعة ومن متطلبات الموارد البشرية الفنية، ويشتمل الاصلاح والتحديث المطلوبان لنظام اعداد الموازنة ضمن امور اخرى على التوجه نحو اعتماد برامج استثمارية، ويشترط ذلك اعتماد الدولة رؤى استراتيجية اقتصادية واضحة ومتكاملة تحدد في ضوئها الاولويات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن ترجمتها الى خطط وبرامج استثمارية تتولى تنفيذها اجهزة ومكاتب متخصصة في ادارة المشاريع، وتظل حالة اللا استقرار والتذبذب واللايقين ملازمة لنظام المالية العامة في البلاد طالما بقيت معتمدة بصورة شبه كاملة على مورد وحيد تحدد عائداته الاسواق العالمية، فثمة ضرورة ملحة لاعتماد سياسات واضحة وثابتة في التوجه نحو تنويع وتنمية مصادر ايرادات الموازنة العامة ومن ابرزها العوائد الضريبية والرسوم الجمركية وتحسين نظام جباية رسوم الخدمات، وعلى صعيد زيادة الايرادات الضريبية يوصي صندوق النقد الدولي باستحداث ضريبة عامة على المشتريات وهي ضريبة غير مباشرة تفرض بنسب ثابتة على شراء كل سلعة او خدمة دون اعتبار لمستوى دخل الشخص وثروته اي يتساوى فيها الفقير مع الغني وهذا ما يجعلها ضريبة غير عادلة تشكل عبئا اكبر على ذوي الدخول الواطئة خلافا للضريبة التصاعدية التي تقلل الفجوة بين المداخيل العليا والدنيا. ومن جانب اخر يمكن لتطبيق قانون التعرفة الجمركية ان يوفر مردودا ماليا هاما للدولة اضافة الى ما يؤمن من حماية ودعم للمنتج الوطني المحلي في منافسته للمستورد، وهذا ما تعترض عليه منظمة التجارة العالمية التي يسعى العراق وبحماس كبير الانضمام اليها.

أسباب الفساد:

بلغ الفساد المالي والإداري في العراق أشده الى درجة اعتبار العراق من قبل منظمة الشفافية الدولية يحتل الدرجة الثالثة من بين دول العالم الأكثر فسادا في العالم بعد الصومال وماينمار، وهذا يستدعي من اية حكومة وطنية في العراق معالجة اسبابه معالجة جذرية ومكافحته كمكافحة الإرهاب، فالاثنان وجهان لعملة واحدة، وعدم الاكتفاء بالوعود في محاربة الفساد والتي لن تحله.
تشير مفوضية النزاهة الى ان من الاسباب الحقيقية المؤدية الى تفاقم ازمة الفساد المالي والاداري في المؤسسات العراقية هو التضارب بين الصلاحيات في المؤسسات، مجالس المحافظات والمجالس البلدية، وهذا يتطلب اعادة تسمية الصلاحيات وتقسيمها اضافة الى ذلك ان المؤسسات العراقية هي مؤسسات فتية تشكلت مؤخرا وهي غير ناضجة بما فيه الكفاية، الامر الذي ادى الى استشراء الفساد فيها. ومن اسباب الفساد الاخرى نظام المحاصصة الذي ادى الى وضع اشخاص غير مناسبين وغير مؤهلين في اماكن غير مناسبة. كذلك من اسبابه ايضا الصلاحيات المطلقة الممنوحة الى مجالس المحافظات والمجالس البلدية، وقد اشارت مفوضية النزاهة الى ان اكثر من 1700 قضية فساد تم احالتها الى القضاء العراقي.

آثار الفساد

للفساد الاداري بصورة عامة مجموعة من الاثار السلبية اهمها حالات الفقر وتراجع العدالة الاجتماعية وانعدام ظاهرة التكافؤ الاجتماعي _الاقتصادي وتدني المستوى المعيشي لطبقات كثيرة في المجتمع نتيجة تركز الثروات والسلطات في ايدي فئة الاقلية التي تملك المال والسلطة على حساب فئة الاكثرية وهم عامة الشعب. ومن آثار هذه الظاهرة ضياع اموال الدولة التي يمكن استغلالها في اقامة المشاريع التي تخدم المواطنين بسبب سرقتها او تبذيرها على مصالح شخصية وما لذلك من اثار سلبية جدا على الفئات المهمشة. كما تظهر اثار الفساد بشكل واضح على المهمشين فبسبب هذا الفساد الواسع يحدث فقدان الثقة في النظام الاجتماعي السياسي وبالتالي فقدان شعور المواطنة الى جانب هجرة العقول والكفاءات والتي تفقد الامل في الحصول على موقع يتلاءم مع قدراتها ما يدفعها الى البحث عن فرص عمل ونجاح في الخارج. كما يقود الفساد الى العديد من النتائج السلبية على التنمية الاقتصادية والفشل في جذب الاستثمارات الخارجية وهرب رؤوس الاموال المحلية وهدر الموارد والكلفة المادية الكبيرة للفساد على الخزينة العامة، كما يؤدي الى الصراعات الكبيرة في حالة تعارض المصالح بين المجموعات المختلفة ويؤدي الى خلق جو من النفاق السياسي نتيجةً لشراء الولاءات السياسية ويؤدي الى الاساءة الى سمعة النظام السياسي وعلاقاته الخارجية.

مكافحة الفساد

1. تبني نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون من خلال خضوع الجميع للقانون واحترامه والمساواة أمامه وتنفيذ احكامه من جميع الأطراف، نظام يقوم على الشفافية والمساءلة.
2.
بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه وتحريره من كل المؤثرات والضغوطات السياسية للأحزاب المتنفذة في السلطة مع التزام السلطة التنفيذية باحترام احكامه.
3.
تفعيل القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد على جميع المستويات كقانون الافصاح عن الذمم المالية لذوي المناصب العليا وقانون الكسب غير المشروع وقانون حرية الوصول الى المعلومات، وتشديد الاحكام والعقوبات المتعلقة بمكافحة الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة العامة في قانون العقوبات.
4.
تطوير دور الرقابة والمسائلة للهيئات التشريعية من خلال الادوات البرلمانية المختلفة في هذا المجال.
5.
تعزيز دور هيئات الرقابة العامة ودواوين الرقابة المالية والادارية او دواوين المظالم التي تتابع حالات سوء الادارة في مؤسسات الدولة والتعسف في استخدام السلطة وعدم الالتزام المالي والاداري وغياب الشفافية في الاجراءات المتعلقة بممارسة الوظيفة العامة.
6.
التوعية والتثقيف بالمواثيق المتعلقة بشرف ممارسة الوظيفة العامة، وتنمية الدور الجماهيري في مكافحة الفساد من خلال برامج التوعية بهذه الآفة ومخاطرها وتكلفتها الباهظة على الوطن والمواطن.
7.
اعطاء الحرية للصحافة بالوصول الى المعلومات والقيام بدورهم في نشر المعلومات وكشف قضايا الفساد ومرتكبيها.
8.
مقاضاة المخالفين والضرب بيد من حديد على الرؤوس الفاسدة داخل الجهاز الاداري وعدم تستر الاحزاب المتنفذة في السلطة على فساد منتسبيها.

ترشيد الانفاق

ان ترشيد الانفاق بمعناه الاصطلاحي مشتق من كلمة الرشد الاقتصادي ويعني ذلك (حسن التعامل مع الاموال كسبا وانفاقا)، بمعنى ترشيد الانفاق العام وترشيد الايرادات العامة. ويعني حسن تصرف الحكومة في انفاق الاموال. كما يتضمن ترشيد الانفاق اتباع مبدأ الاهميات النسبية والترتيب السليم بحيث يقدم الاهم على المهم، ويتضمن ترشيد الانفاق ضبط النفقات واحكام الرقابة عليها والوصول بالتبذير والاسراف الى الحد الادنى وتلافي النفقات غير الضرورية وزيادة الكفاية الانتاجية ومحاولة الاستفادة القصوى من الموارد الاقتصادية والبشرية المتوفرة.

ومن اجل ترشيد الانفاق ينبغي

1. الترشيد في الانفاق للرئاسات الثلاث.
2.
ترشيد الانفاق العام كحظر شراء المركبات الخاصة المجهزة بتجهيزات خاصة ذات الكلفة العالية لاستخدام المسؤولين.
3.
حظر شراء الاجهزة المكتبية والاثاث والتجهيزات الحديثة باهظة الثمن.
4.
تحسين الانتاج وتفعيل القطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية والاستخراجية والسياحية وغيرها لزيادة موارد الدولة وتخفيف العبء عن الموازنة العامة، وعدم الاعتماد على تصدير النفط الخام وحده في تمويل الموازنة الاتحادية.
5.
تفعيل القطاع الخاص العراقي ودعمه واحالة بعض الفعاليات الاقتصادية له للتخفيف عن اعباء الدولة.
6.
تشكيل هيئة خاصة مهمتها القيام بمسح عام لجميع المنشآت العامة واعادة تقييمها والعمل على تأهيل الصالح منها وفقا للجدوى الاقتصادية واهميتها للمجتمع.
7.
دعم المفتش العام وجهازه الرقابي في مكافحة الفساد الاداري ونشر ثقافة النزاهة والشفافية في كل وزارة ومؤسسة من خلال تشريع قانون يؤمن له الاستقلالية والحيادية في العمل بعيدا عن المحاصصة وتدخل الكتل والاحزاب المتنفذة في السلطة.
8.
مكافحة الفساد المالي وتطوير اجهزة الرقابة المالية لتمكينها من مراقبة الترشيد.
9.
تقليص التكاليف الامنية من خلال توفير الامن ومكافحة الفضائيين.
10.
اختصار الوقت عند تنفيذ المشروعات بالتخطيط والجدولة والمراقبة.
11.
ضرورة توجه الحكومة نحو الانفاق الاستثماري بدلا من الانفاق الاستهلاكي.
12.
العمل على تحويل العوائد المالية النفطية الى مصدر للتكاثر المالي بدلا من التراكم المالي.
13.
ضرورة ان يمارس مجلس النواب العراقي دوره التشريعي والرقابي لمكافحة الفساد المالي والاداري وترشيد الانفاق العام، وهو بعيد عن هذه المهام في الوقت الراهن.
وفي ظل الأزمات التي يعيشها العراق اليوم يبقى ترشيد الانفاق العام وحسن تدبيره ورعايته وتجنب هدره ورقابته ومن اجل الاستثمار والإنتاج، الطريق الامثل لتناسب الانفاق العام مع الاحوال المالية للدولة، ويستدعي كذلك تفعيل خطوات الاصلاح الاقتصادي التي سمع بها المواطن العراقي خلال السنوات الماضية ولم تنفذ.